للمرة العاشرة منذ بداية العام الجديد 2020 تحقق مؤشرات الأسهم الأميركية مستوى قياسياً جديداً الأسبوع الماضي، في تتابع غير مسبوق للارتفاعات القياسية لمؤشرات الأسهم. وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز للأسهم الرئيسة في وول ستريت، وكذلك ناسداك لأسهم التكنولوجيا وأيضاً داو جونز الصناعي، يوم الخميس بعد تعزز التوقعات بخفض الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية في سياق تهدئة الحرب التجارية بخاصة مع الصين.
وارتفع مؤشر داو جونز الخميس بأكثر من 88 نقطة ليصل إلى أكثر من 29 ألفاً و279 نقطة، بينما ارتفع مؤشر ناسداك بأكثر من 63 نقطة ليصل إلى 9 آلاف و572 نقطة. أما مؤشر ستاندرد آند بورز فارتفع بأكثر من 11 نقطة ليصل إلى أكثر من 3 آلاف و345 نقطة.
وإجمالا، أنهت مؤشرات الأسهم الأميركية الأسبوع، الجمعة، على ارتفاع أسبوع في المتوسط بلغ 4.6 في المئة لمؤشر ناسداك و4 في المئة لمؤشر داو جونز و3.7 في المئة لمؤشر ستاندرد آند بورز. في الوقت الذي أدت فيه التبعات الاقتصادية السلبية لوباء فيروس كورونا الجديد إلى هبوط الأسهم الصينية ومعها أسهم الأسواق الصاعدة في العالم.
كما أن أغلب الاقتصاديين والخبراء عدلوا توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالخفض في الأيام الماضية مع بداية وضوح حجم التأثير الاقتصادي السلبي لانتشار فيروس كورونا الجديد في الصين وخارجها ومعدلات الإصابة والوفاة من عدوى الفيروس.
وتواصل الأسهم الأميركية منحنى الصعود للعام الثاني عشر على التوالي غير عابئة بالأزمات من الحروب التجارية وتبعاتها الكارثية على الاقتصاد العالمي إلى توترات الشرق الأوسط وتأثيرها في سوق النفط وغيرها، وانتهاءً بأزمة وباء فيروس كورونا من الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثير ترمب
يحتار كثير من المحللين وخبراء السوق في تفسير استمرار الصعود للأسهم الأميركية بهذا الشكل، وهو ما يجعلهم يرتاحون إلى الحديث عن غليان "فقاعة" أسواق الأسهم. فالعوامل الأساسية للاقتصاد الأميركي، رغم أنها أفضل نسبيا عن بقية العالم، لا تبرر عمليات الشراء الكبرى للأسهم من قبل المستثمرين وتركيزهم على أسهم بضع شركات كبرى أغلبها في مجال التكنولوجيا.
كما أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي لم تتغير كثيرا في ظل استمرار انخفاض معدلات التضخم. وعلى الرغم من أن سهولة الاقتراض نتيجة مستويات أسعار الفائدة المنخفضة جدا وتوفر النقد من خلال "وجبات" التيسير الكمي يغري بالاستثمار في الأسهم، فإن معدلات ارتفاع المؤشرات لا يمكن تفسيرها بذلك فقط.
الأرجح إذاً، أنه تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي وإن كانت سياساته لم تغير كثيرا في أساسيات الاقتصاد الأميركي، فإن شعور الأميركيين بالتحسن الاقتصادي أكبر مما هو الحال في الواقع. بخاصة أن الأسبوع الماضي شهد تبرئة مجلس الشيوخ في الكونغرس الأميركي الرئيس ترمب من تهمتي استغلال منصبه وإعاقة عمل المجلس التشريعي اللتين على أساسهما بدأ مجلس النواب إجراءات عزله.
ومع أزمة التصفيات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية أيوا وتبرئة ترمب تعززت فرص الرئيس الجمهوري الحالي في الفوز بولاية ثانية في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام. وكان لذلك تأثير نفسي على المستثمرين في الأسهم، ربما أكبر من تأثير العامل الاقتصادي الحقيقي المتعلق بتوقعات خفض الرسوم الجمركية وتهدئة الحرب التجارية مع الصين.
على مدى السنوات الأربع الأخيرة، تخالف مؤشرات الأسهم الأميركية أسواق الأسهم في الأسواق الرئيسة وحتى الأسواق الصاعدة. والآن يتسارع هذا المنحى بمستويات قياسية متتالية منذ العام الماضي. ولعل السبب الرئيس لاستمرار عمليات الشراء الكبيرة للأسهم الأميركية هو أن المستثمرين أصبحوا أكثر يقيناً من أن ترمب باقٍ في البيت الأبيض لخمس سنوات أخرى.
مخاطر الأسهم
مع التسليم بأن "الأموال السهلة" نتيجة انخفاض معدلات الفائدة وضخ النقد من قبل الحكومات تقف وراء غليان أسواق الأسهم، فإن الخطر الأكبر هو أن تلك الأموال التي تضخ في أسواق الأسهم تأتي على حساب الاستثمار المباشر الذي يعني خلق أصول.
ومن عوامل الخطر الناجمة عن ذلك المبالغة المستمرة بشكل كبير في أسعار الأصول نتيجة تضخم القيمة السوقية بارتفاع الأسهم. على سبيل المثال حين أعلنت شركة أمازون زيادة عائداتها في الربع الثالث العام الماضي بنسبة 9 في المئة تكالب المستثمرون على شراء أسهمها بشكل هائل ليضيفوا لقيمتها السوقية نحو 100 مليار دولار في يوم واحد.
خلال العام الماضي، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز بنحو 25 في المئة، ما يعني إضافة مئات المليارات للقيمة السوقية للشركات الكبرى المسجلة على المؤشر. وأخيراً وصل مؤشر شيللر كيب، الذي يقارن مؤشرات الأسهم بمتوسط العائدات لعشر سنوات، إلى الضعف تقريباً. ومع أن تلك النسب كانت أكبر قليلا قبل انفجار فقاعة دوت كوم مطلع القرن الحالي فإن ذلك ليس مدعاة إلى الاطمئنان.
ويرجح كثير من الاقتصاديين أن منحى الصعود الحالي لمؤشرات الأسهم الأميركية وبهذا المعدل يحمل في طياته بذور عملية تصحيح كبرى. وأخذا في الاعتبار وضع الاقتصاد العالمي واختلال ميزان الاستثمار بين الأسهم والسندات للشركات الكبرى والاستثمار المباشر وتركيز صناديق الاستثمار على عدد قليل من الشركات الكبرى لا يمكن استبعاد شدة الأزمة عندما تبدأ عملية التصحيح في الأسواق.