"كان عملها يؤثر في حالتها النفسية والعاطفية، فأعصابها دائماً مرهقة، وعاطفتها غير موجودة في علاقتنا، فهي أحياناً كانت تتعامل معي كأحد المتهمين الذين تحتك بهم خلال عملها في إدارة السجون"، يقول أحد الشبان الفلسطينيين عن حبيبته السابقة، موضحاً أن سبب الانفصال لم يكن العمل في الشرطة. وسيدة أخرى أوضحت أنه لا مانع لديها من دخول ابنتها في هذا المجال، لكن بشرط أن تتعلم الفصل بين الحياة المهنية والشخصية، لأن الضغط الكبير قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة في الحياة الأسرية لاحقاً.
"كنت أريد الانضمام إلى سلك الشرطة، لكنّي بعدما عرفت أنّ الشرطيات يشاركن في ضبطيات المخدرات والسرقات والسجون وغيرها، عدلت عن الفكرة"، تروي إحدى الفتيات التي كان الانضمام إلى الشرطة حلماً لها منذ الصغر، مشيرة إلى أنها بذلت جهداً لمحاولة إقناع عائلتها بالسماح لها بالتسجيل في الدورة التدريبية، إلا أن الأسرة المحافظة رفضت الأمر بشكل قاطع، خوفاً من تعرض ابنتها للضرب أو الاعتداء أو أي شكل من أشكال الأذى النفسي والجسدي خلال العمل.
القطاع بشكل عام يحتاج كوادر
الناطق باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن انخراط المرأة في صفوف الشرطة يزداد تدريجياً مع الوقت. فهي موجودة الآن في كل أقسام الجهاز، من المرور ومكافحة المخدرات إلى إدارة الحراسات، ومراكز الإصلاح والتأهيل، والسجون وغيرها، فشروط تبوّئها هذه المناصب تعتمد على كفاءتها.
ويتابع ارزيقات أن القطاع لا يخلو من المشكلات، ولكنها بعامة تخص الشباب والشابات وتتمثل في الأزمة الاقتصادية التي تؤثر في توظيف كوادر جديدة، أو نقص الإمكانيات وبعد المناطق عن بعضها. أما آلية التوظيف، فهي موحدة بين الذكور والإناث، كالتسجيل لدورة شرطية، وفحص القدرات والمؤهلات العلمية، والطول والوزن، وغيرها من الشروط.
حلم الطفولة أوصلها إلى إدارة النوع الاجتماعي
"منذ صغري كان الانضمام إلى جهاز الشرطة حلمي الدائم، لكنني كنت أعيش في المخيم في لبنان، ولم يكن بمقدور اللاجئين الانضمام إلى الأجهزة الأمنية هناك، وبقيت الرغبة موجودة حتى عودتي إلى فلسطين"، تقول المقدم وفاء الحسين، مديرة وحدة النوع الاجتماعي في الشرطة الفلسطينية، عن انضمامها إلى هذا السلك قبل 20 عاماً، موضحة أنّ النساء منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، وبداية ظهور المؤسسات وأنظمة التوظيف، كنّ يفضلن العمل في المؤسسات المدنية لعدم وجود الاستدعاءات الطارئة في الليل أو أيام العطل الخاصة.
تستدرك الحسين أن الأمر بدأ يتغير في الفترة الأخيرة، ووصلت نسبة المنتسبات إلى الشرطة إلى 4 في المئة، فيما بلغت نسبة اللواتي وصلن إلى مناصب صنع القرار 18 في المئة، كنائب مدير شرطة محافظة، ومديرة إدارة متخصصة في حماية الأسرة والأحداث، ودوائر مرورية، إضافة إلى تعيين خبيرات في حوادث المرور، ومدربات في الكليات الشرطية وغيرها.
"مفهوم شرطة نسائية يجسد الاختلاف الجندري"
في فلسطين لا يوجد ما يسمى "الشرطة النسائية". إذ تم إلغاء هذا المصطلح منذ زمن، والإبقاء على كلمة الشرطة التي تمثل الطرفين، ومن ثم إنشاء وحدة النوع الاجتماعي لتنظيم عمل الذكور والإناث، واعتماد الكفاءة كمعيار للعمل والاختيار لا الجنس. فعلى سبيل المثال، بدأ في الآونة الأخيرة استبدال الرجال بنساء في التجنيد وغيره، بعدما كانت الأمور تتم رجلاً برجل فقط، كما أشارت المقدم وفاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك أهمية أخرى لوجود النساء في الشرطة، تتعدى مبدأ المساواة بين الذكور والإناث في العمل، بحسب الحسين، التي أوضحت أنّه خلال تلقي الشكاوى من المتضررين، هناك من يفضل تقديم شكواه إلى امرأة عوضاً عن رجل، خصوصاً النساء والأطفال الذين قد يشعرون براحة وتعاطف أكبر، إضافة إلى أن القانون لا يسمح بتفتيش أي منزل من دون وجود امرأة تختص بالتعامل مع النساء وتفتيشهنّ. وتضيف الحسين أنه على الرغم من العادات والتقاليد التي تقيّد عمل المرأة، أو تعتبر الشرطة خطراً عليها، إلا أنّها عندما تخرج إلى أي عملية ضبط، تكون محصنة باللباس المناسب والتدريب الملائم والكافي.
في بعض الأحيان، يرفض وجود المرأة كشرطية مرور لأن ذلك يمس الكرامة. إذ أوضح أحد الشباب أنه بقي مستفزاً لوقت طويل لأن التي حرّرت له مخالفة السير كانت فتاة. وأخرى كانت غاضبة لأن التي طلبت منها الابتعاد عن مكان الاعتصام أثناء فضه كانت شرطية، قائلة إنّه لو كان الفاعل رجلاً لكان الأمر أفضل.
وتعلّق المقدم الحسين بالقول إن رفض التصرف لأنه صادر من سيدة لا يتكرر كثيراً، فمن ملاحظتها تجد أن النساء يحفظن الهدوء أكثر عند تحرير المخالفات على سبيل المثال.
الشرطة تصقل الشخصية أم تعرضك للخطر؟
اختلفت الآراء بين مؤيد لوجود الفتيات في العمل الشرطي وبين رافض لهذا الأمر، لأسباب عدة منها الآثار النفسية السيئة، ومتطلبات العمل التي قد لا تناسب الفتيات كالخروج في دوريات ليلية، والمخاطر التي قد يتعرضن لها أثناء القبض على مروّجي مخدرات أو لصوص، أو حتى فضّ التظاهرات والتجمعات، ومنهم من يرفض لأسباب سياسية تتعلق بعدم الرغبة في الانضمام إلى أي مؤسسة تتعلق بالحكومة، وعدم الثقة بالجهاز الشرطي.
أما المؤيدون فاعتبروا أن هذا الأمر يعكس الشخصية القوية للفتاة ويصقلها، وينمي مهاراتها، وهو تعبير عن المساواة في المجتمع، وللمرأة الحرية في اختيار المجال الذي تحب، عدا عن الاقتناع التام أن كثيراً من النساء يستطعن السيطرة على مشاعرهنّ، وعدم الخلط بين المهنية والمشاعر الخاصة. فهي قد تكون شرطية صارمة تطبق القانون وأماً حانية في الوقت ذاته، كما قال بعضهم.