يمثل دخول السعودية مجال تصدير الغاز خطوة هامة على طريق بناء إمبراطورية للغاز الطبيعي لأكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، علاوة على تعزيز مكانتها كمورّد موثوق للطاقة من خلال دعم الأسواق العالمية وسدّ الطلب من الغاز.
وأعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن بلاده تستهدف تصدير الغاز، مشيراً إلى الكشف قريباً عن "موضوع سيكون مفخرة في قطاع الطاقة" يتعلق بكشف كبير للغاز الطبيعي وإنتاج السعودية من البتروكيماويات للتصدير.
وأشار الوزير السعودي، في كلمته أمام مؤتمر سابك 2020، الأحد، إلى التوجه لإنتاج الطاقة الكهربائية في السعودية باستخدام الغاز ومصادر الطاقة المتجددة كالرياح، في إطار خطط التنوع بعيداً عن النفط، وأيضاً التزاماً بالمعايير البيئية ومواجهة التغير المناخي.
وأضاف الأمير عبد العزيز أن "السعودية تطمح لاستغلال المواد الهيدروكربونية الاستغلال الأمثل، بما فيها الموارد التقليدية وغير التقليدية من البترول والغاز، التي ستحدث نقلة نوعية في مجال الطاقة والاقتصاد الوطني بشكل عام".
احتياطات ضخمة
وتعتزم السعودية استغلال احتياطاتها من الغاز الصخري، وتوسيع إنتاجها الذي يتجاوز 10 مليارات قدم مكعبة من الغاز يومياً، حيث إن السعودية تمتلك سادس أكبر احتياطي عالمي من الغاز في العالم، يقدر بنحو 324.4 تريليون قدم مكعبة، وتنتج نحو 13 مليار قدم يومياً.
وتأتي تلك الخطوة الاستراتيجية بعد أن اتخذت صناعة الغاز السعودية بنوعيها التقليدي وغير التقليدي منحنى تطورياً متسارعاً في مسار صاعد من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير المباشر والاستثمار في مصادره الخارجية بشراكات عالمية.
وعبر استهدافها إنشاء محفظة عالمية لتصبح لاعباً مهماً وأساسياً بقطاع الغاز الدولي، تمضي السعودية قُدماً لتحقيق شراكات استراتيجية تمكنها من تلبية الطلب العالمي المتزايد على الغاز الطبيعي.
وفي مايو (أيار) الماضي، وقّعت شركة أرامكو السعودية، أكبر الشركات النفطية في العالم، اتفاقاً مبدئياً ضخم لشراء 5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً من ميناء آرثر في ولاية تكساس الأميركية، والذي يجرى تطويره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقا لمؤسسة "وود ماكينزي" الاستشارية، فإن هذه الصفقة، إن تمت بشكل كامل، فإنها ستكون واحدة من أكبر الصفقات التي وُقّع عليها في قطاع الغاز الطبيعي المسال عبر التاريخ.
وتهدف السعودية إلى تصدير ما يصل إلى 3 مليارات قدم مكعبة من الغاز يومياً بحلول عام 2030، كجزء من استراتيجيتها لتعزيز البصمة الدولية لأعمالها في مجال الغاز الطبيعي.
وتعمل أرامكو على تطوير احتياطيات الغاز التقليدية وغير التقليدية، وتشمل خيارات التصدير الصادرات عبر خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال.
ومن المتوقع أن يجذب برنامج تطوير الغاز في أرامكو ما يصل إلى 150 مليار دولار (562.5 مليار ريال) من الاستثمارات خلال العقد المقبل. كما يُتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى 23 مليار قدم مكعبة قياسية يومياً من 14 مليار قدم مكعبة يومياً.
تنويع الإيرادات
وعن تأثير تصدير الغاز إلى جانب النفط، يقول المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي، محمد الصبان، إن السعودية بهذه الخطوة ستحقق مصدراً إضافياً وتنويعاً جيداً في الإيرادات العامة، بخاصة بالنسبة إلى الغاز الذي يعتبر وقوداً أكثر نظافة مقارنة ببقية أنواع الوقود الأحفوري.
وأضاف أن الرياض تنتج الغاز الطبيعي منذ زمن طويل، ولكن الاستهلاك المحلي، سواء في توليد الكهرباء أو في تزويد مصانع البتروكيماويات وغيرها من الصناعات الكيماوية، كان يستوعب الإنتاج المحلي. ومع اكتشاف حقول جديدة، مثل حقل "ظبا" و"مدين" في شمال البلاد إضافة إلى اكتشاف حقل الغاز الصخري باحتياطيات كبيرة، فإن ذلك سيسهم حتماً في تغطية الطلب المحلي، ومن ثم تصدير الفائض إلى الأسواق العالمية.
وأوضح الصبان أن السعودية دخلت أيضاً في شراكات استراتيجية دولية، مثل الاتفاق مع روسيا في حقل للغاز المسال في منطقة سيبيريا، سيكون للرياض حق تسويق جزء من إنتاجه لاحقاً، مما يؤدي إلى زيادة وجودها في الأسواق الدولية.
الخريطة الجيواستراتيجية
ومن جهته، قال وضاح الطه، عضو الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة، إن دخول السعودية أسواق الغاز يغيّر الخريطة الجيو استراتيجية المتعلقة بأسواق الغاز عالمياً، حيث يحمل بعداً سياسياً بالإضافة إلى البعد الاقتصادي في ظل المنافسة الشرسة في هذا المجال.
وأضاف "على الأمد القصير يجب أن يكون دخول السعودية في أسواق الغاز العالمية متأنياً وتدريجياً نظراً لتراجع أسعاره في الوقت الحالي، ويتطلب أيضاً البحث عن أسواق دولية تستوعب الإنتاج".
وهبطت أسعار الغاز الطبيعي المسال لأقل مستوى على الإطلاق في آسيا خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، مع انخفاض استهلاك الطاقة في الصين بسبب انتشار فيروس كورونا، إلى جانب تخمة المعروض بسبب وفرة الإمدادات الأميركية.
وتابع الطه "هناك استهلاك مفرط للنفط في السعودية داخلياً، ويسبب كثيراً من التلوث نتيجة استخدامه في توليد الكهرباء، والغاز قد يكون بديلاً جيداً على صعيد انخفاض الأسعار والأفضل استخداماً على صعيد البيئة".
مخزون كبير
وعلى الصعيد ذاته، قال أحمد حسن كرم، المتخصص بأسواق النفط العالمية، إن السعودية لديها مخزون كبير من الغاز الطبيعي، ولكنها تحتاج إلى استثمارات بالبنى التحتية لإنتاج الغاز لتكون بمصافّ الدول التي سبقتها.
وأضاف كرم "إنتاج الغاز في السعودية لا يعدّ بالكميات الكبيرة في الوقت الراهن، مقارنةً مع دول أخرى، وهو ما ستتجه له الآن لضخ الاستثمارات فيه، إلا أنه بالمستقبل القريب سيلعب دوراً كبيراً في الإيرادات المالية، التي بدورها ستكون إضافة للإيرادات النفطية، ولا سيّما وأن سياسة تنويع الدخل بالسعودية هي أحد الاهتمامات التي تحرص عليها بالوقت الحالي".
وبخصوص الغاز بالمنطقة المشتركة مع الكويت، توقع كرم أن "تتطور ويتم الإنتاج منها في غضون الأعوام المقبلة نتيجة لحاجة الدولتين لمكامن النفط والغاز، ولكن الاستغلال السريع يتطلب قرارات حاسمة من الطرفين، وهو ما نحن بصدده خلال الفترة الأخيرة".
خطى ثابتة
وفي هذا الصدد، قال جون لوكا، مدير التطوير لدى شركة "ثانك ماركتس" ومقرها دبي، إن السعودية نجحت إلى حد ما على صعيد تحقيق استراتيجيتها بقطاع الطاقة، وتسير بخطى ثابتة وتستطيع في ظل إمكاناتها النقدية الضخمة تحقيق استراتيجيتها تدريجياً بالانتقال من الاكتفاء الذاتي إلى تصدير الغاز الطبيعي، ما يزيد من منافستها عالمياً، ويسهم في تعظيم عوائدها الاستثمارية.
وأشار لوكا إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز الطبيعي يعتبر مكسباً كبيراً قبل الاتجاه للتصدير، إذ يرفع حجم صادرات النفط الخام الذي تم توفيره بعد استبداله بالنفط، سواء في إنتاج الكهرباء أو أي عمليات أخرى، كما أنه سيكون أحد العوامل لتنمية الاستثمارات الأجنبية بقطاع يملك عدداً من الفرص الواعدة مع توجه عالمي لاستبدال النفط بمصادر الطاقة النظيفة والأقل ضرراً على البيئة.
وقدّر تقرير لوحدة الطاقة في منصة ستاندرد آند بورز غلوبال "بلاتس" أن السعودية تستهدف إنتاج نحو 70 في المئة من الطاقة الكهربائية من الغاز ومصادر الطاقة النظيفة وخفض استخدام النفط في إنتاج الكهرباء إلى 30 في المئة فقط. ويعد ذلك جزءاً من رؤية 2030 لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط.
يُشار أيضاً إلى أن مشروع أرامكو في الإنتاج البحري بالخليج العربي يسير بخطى ثابتة، إذ بدأت الشركة برنامجاً لتطوير حقل مرجان، أكبر منصة بحرية سعودية لاستخراج النفط والغاز في 2017 بتكلفة نحو 15 مليار دولار على مدى سنوات عدة. واستهدف المشروع رفع إنتاج الحقل النفطي من 300 ألف برميل يومياً إلى أكثر من نصف مليون برميل يومياً، ورفع إنتاج سوائل الغاز إلى معدل 360 ألف برميل يومياً.
وتضمن البرنامج أيضا إنشاء مصنع للغاز لفصل الزيت الخام عن سوائل الغاز التي تحتوي الإيثان وغيره من المكونات الغازية، وعزل المكونات الغازية الخفيفة والثقيلة، مع إشراك القطاع الخاص المحلي في برنامج التطوير بنسبة النصف تقريباً.