نشأ فيروس كورونا في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان الصينية، وانتشر بسرعة في جميع أنحاء الصين، وامتد إلى نحو 25 دولة أخرى على الأقل، ما تسبب في وفاة 2400 شخص، وإصابة نحو 77 ألفاً (جميعهم تقريباً صينيون).
تفشي كورونا دفع الصين إلى وضع ضوابط على الحركة داخل حدودها وعلى الحدود الدولية لاحتواء المرض، ورغم أهمية هذه التدابير فإنها ستقود إلى سقطة كبيرة بالأمنَين الغذائي والتغذوي.
وزارة التجارة الصينية كانت حذّرت من أنّ الصناعات الزراعية والغذائية بالصين ستتأثر بشدة إذا استمرّت أزمة فيروس كورونا. وفي اليوم نفسه، طلب رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ من الحكومات المحلية التأكد من أن المزارعين لن يفوتوا موسم زراعة الحبوب، على الرغم من الفيروس، لأنه "سيكون له تأثيرٌ في الأساس الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي".
وكان للأوبئة مثل الإيبولا والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس) ومتلازمة الشرق، آثار سلبية على الأمنَين الغذائي والتغذوي، خصوصاً (MERS) بالنسبة إلى الأطفال والنساء وكبار السن والفقراء.
على سبيل المثال، عندما بدأت الإصابة بفيروس إيبولا في غينيا وليبريا وسيراليون عام 2014، ارتفعت أسعار الأرز في تلك البلدان بأكثر من 30 في المئة، وتسبب اندلاع السارس في تأخير حصاد القمح الشتوي بالصين مدة أسبوعين، ما تسبب في حالة من الذعر في أسواق الغذاء في غوانغدونغ وتشجيانغ، رغم أن الإنتاج والأسعار لم يتأثرا إلى حد كبير في بقية الصين.
المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية تساءل في تقرير له، كيف يمكن للصين أن تتصدى لتهديدات الأمنَين الغذائي والتغذوي من تفشي فيروس كورونا؟ وأشار إلى أنه ومنذ بداية تفشي المرض في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ظلّت أسعار المواد الغذائية مستقرة في ووهان بمقاطعة هوبي، وفي الواقع بجميع أنحاء الصين. وكانت إمدادات المواد الغذائية الأساسية والفواكه والخضراوات واللحوم كافية على الرغم من التقارير المتفرقة بحدوث ارتفاع في الأسعار ونقص في أماكن معزولة.
في حين تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن صناعة الدواجن تعاني بالفعل ضغوطاً بسبب نقص إمدادات الأعلاف وانقطاعها بتسويق منتجاتها في الوقت المناسب، وإذا لم يُجرَ القيام بأي شيء، يمكن أن تبدأ إمدادات الدواجن في الانحسار، وربما تنتشر هذه المشكلات إلى صناعات أخرى، ما يؤدي إلى حدوث خلل بالإمدادات الغذائية، وتهديد الأمنَين الغذائي والتغذوي.
التحديات اللوجيستية الغذائية
ظلت السوق مستقرة بشكل أساسي، على الأقل حتى الآن. وتخضع ووهان للإغلاق منذ 23 يناير (كانون الثاني) حتى الآن بسبب تفشي كورونا، في حين أدّت القيود المفروضة على النقل وحركة الناس إلى بعض التحديات اللوجيستية الغذائية.
ومع ذلك مع بدء الإغلاق قبل حلول العام الصيني الجديد في 25 يناير (كانون الثاني)، كان معظم المواطنين خزّنوا بالفعل المواد الغذائية، وأنشأت الشركات احتياطيات من البضائع لقضاء العطلات، لذا لم تتأثر أسعار المواد الغذائية بشكل كبير.
وتأثرت صناعة الدواجن بالفعل، وستتفاقم مشكلاتها بمرور الوقت من دون اتخاذ أي إجراء، وتجلب قيود النقل صعوبات في توزيع المدخلات مثل الأعلاف، وواجهت بعض الشركات بالفعل نقصاً في المدخلات، وصعوبات في تسليم المنتجات، ونقص العمالة.
إن الحظر المفروض على حركة الدواجن الحية (التي يُعتقد أنها تشكل خطراً محتملاً للأمراض) حال من دون وصول المزارعين إلى الدجاج والبيض، ما أدّى إلى دفن بعض فراخ البط والبط. وفقاً لتقديرات الصناعة، وانخفض دخل السوق من الدجاج والبط الصغير بنحو 50 في المئة، ويمكن أن تنخفض إمدادات اللحوم كذلك.
شركات تصنيع الأغذية
تأثر النظام الغذائي في الصين خارج نطاق الزراعة بدرجة كبيرة، وستنمو هذه الآثار إذا لم تتمكن مؤسسات التصنيع من إعادة الإنتاج في المستقبل القريب، وتستهلك الأسر 24 في المئة فقط من المنتجات الزراعية بشكل مباشر، في حين تستخدم 77 في المئة كمدخلات وسيطة، و41 في المئة تذهب إلى شركات تصنيع الأغذية، و3 في المئة تستخدمها المطاعم، في أعقاب تفشي فيروس كورونا، وجرى إلغاء كثير من الطلبات، واضطر كثير من المطاعم إلى إغلاق أبوابها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يزال المعروض من الأغذية المصنعة وفيراً نسبياً في الوقت الحالي، لكن ربما يتأثر الإنتاج أيضاً بنقص العمال، وانخفاض الطلب على المنتجات الزراعية، وإحدى الأولويات إذن هي السماح للعمال المهاجرين بالعودة إلى هذه الوظائف.
وسيتأثر إنتاج المحاصيل الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز والخضراوات إذا استمرّ تفشي المرض في فترة زراعة الربيع الحرجة، وما إذا كان يمكن توزيع المدخلات الزراعية في الوقت المناسب لزراعة الربيع لا يزال غير واضح. فعلى سبيل المثال أدّى وباء الإيبولا لعام 2014 إلى زيادة في المناطق الزراعية المهجورة، وتقليل استخدام الأسمدة في غرب أفريقيا، إذا تأثر إنتاج الأغذية الأساسية، فقد يكون التأثير في الأمن الغذائي خطيراً.
الاضطرابات التجارية
حذّر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية من أن وقوع اضطرابات تجارية محلية ودولية ربما تؤدي إلى حالة من الذعر بسوق المواد الغذائية. وخلال اندلاع السارس عام 2003 أصاب الذعر شراء المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية بكثير من الأماكن في الصين.
وإذا حدث هذا مرة أخرى، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم النقص المؤقت بالأغذية، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتعطيل الأسواق، وإذا لم يُجرَ التحكّم بسرعة، يمكن أن ينتشر الذعر الغذائي، ويهدد الاستقرار الاجتماعي على نطاق أوسع.
وربما تؤدي القيود المفروضة على التنقّل إلى نقص العمالة، ومنحَ كثيرٌ من الشركات العمال إجازةً طويلةً بسبب تفشي كورونا، وقد يسبب ذلك أن تبقى شركات التصنيع والخدمات من دون عددٍ كافٍ من العمال، وأعدادٌ كبيرة من العمال المهاجرين الذين عادوا إلى بلدهم لقضاء عطلة رأس السنة الجديدة محاصرون الآن هناك بسبب تدابير الحجر الصحي، بالتالي من المحتمل أن يؤثر نقص العمالة الناتج في سلاسل الإمداد المحلية والعالمية.