خلال نشاط لشرطة حرس الحدود الإسرائيلية بالتعاون مع سلطة حماية الطبيعة وجهات معنية أخرى، ضُبطت 3 شاحنات محمّلة بـ11 طناً من "العكوب" يُقدَّر ثمنها بمئات آلاف الشواكل (العملة الإسرائيلية) واعتُقل مشبوهون. وأوضحت الشرطة في بيانها أنه "وفقاً للشبهات، فإن الشاحنات كانت في طريقها إلى الضفة الغربية من أجل بيعها هناك، علماً أن التحقيقات تتركز حول أماكن جمع هذه الكمية الكبيرة من العكوب".
قد يعتقد القارئ للوهلة الأولى أن بيان الشرطة الإسرائيلية يشير إلى أن العكوب نوع من المتفجرات أو السلاح أو ما شابه، لكنه في الحقيقة نبتة موسميّة شائكة، يشيع انتشارها في بعض المناطق الفلسطينية كالبطّوف والنقب ونابلس تحديداً، وتنظَّف من الأشواك، وتُعَدّ منها أكلات فلسطينيّة شهيرة وشعبيّة.
فالقانون الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، يجرّم قطف العكوب والزعتر البري والميرامية (القصعين) ونباتات أخرى، ضمن ما يُعرف بقانون "النبات المحمي" بحجّة أن قطفها يسبّب أضراراً للطبيعة، وفُرضت بموجب ذلك على كلّ مَن يقطف أو يحوز أي كمية كانت من تلك النباتات، عقوبات وغرامات كبيرة. فحسب تقارير السلطات الإسرائيلية، فإنه بين عامي 2016 و2018 جرى تقديم 26 لائحة اتهام بشبهة ارتكاب مخالفات تتعلق بالقطف، كما فُرضت 151 غرامة مالية، غالبيتها بسبب قطف نباتات العكوب والزعتر.
من جهة أخرى، توجه "مركز عدالة" (وهو المركز القانوني لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل) في أعقاب الاحتجاجات العربية، إلى سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية طالباً تغيير هذه السياسة ليُتاح مجدداً قطف هذه النباتات للاستهلاك الفردي. يقول ربيع اغبارية وهو محامي وطالب دراسات متقدمة في جامعة هارفرد شارك في تحرير كتاب "دراسات في القانون والطعام" الصادر عن المجلة الأكاديمية في جامعة تل أبيب عام 2017، أنه "بعد جهود حثيثة وضغط كبير قام به مركز عدالة، عدّلت سلطة الطبيعة الإسرائيلية قانون النبات المحمي، وذلك بقطف محدود لنبتة الميرامية والزعتر والعكوب في مناطق معينة مع التركيز على القطف بكميات تجارية لكن لا يوجد شيء واضح حتى اللحظة والقانون القديم الذي يجرّم القطف ما زال يُطبَّق إلى اليوم، والتعديلات لم تدخل حيّز التنفيذ، ولم تتّضح الصيغة النهائية بعد. كشفنا بعد أبحاث ودراسات عدّة، ألاّ أساس علمي للمنع الإسرائيلي، ومنذ عشرات السنين يُلاحَق قاطفي العكوب والزعتر والميرامية كمجرمين ويُحتجزون بطريقة مهينة وتُصادَر نباتاتهم وأحياناً يحرقونها، ومن ثم يجرّمون بفرض غرامات باهظة وعقوبات قد تصل إلى السجن المشروط، وكل ذلك تحت شعار حماية الطبيعة".
يجرمون وهم مجرمون
وأضاف اغبارية أن "القانون الذي يمنع قطف النبات البرية ومن ضمنها الزعتر والعكوب والميرامية، يلخَّص بحيثياته وتطبيقه مأساة النكبة عام 1948، إذ يتم أولاً انتزاع ومصادرة الأرض من سكانها الأصليين، ومن ثم يُجرَّم استخدامها بأبسط المفاهيم، وتتم تحت غطاء بيئي وعلمي معاملة الإنسان الفلسطيني كأنه عدو الطبيعة ومجرم بحقها بسبب قطف أي كمية من الزعتر أو العكوب. في الحقيقة، التدقيق في الأسس القانونية والعلمية يظهر ألاّ يوجد استناد متين لهذه الادعاءات، وأنها لطالما استُخدمت لتبرير فرض غرامات باهظة على الفلسطينيين بشكل حصري، ولا يمكن بأي حال من الأحوال قراءة انعكاس هذا القانون خارجاً عن السياق الاستعماري العام، بما يتعلق بسياسات الأرض والطبيعة: من جهة، يدمر الاستيطان الإسرائيلي المشهد الطبيعي، ومن ضمنه آلاف أشجار الزيتون الخاصة بالمزارعين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 من دون أي رقابة. ومن جهة أخرى يتم تجريم الإنسان الفلسطيني تحت راية حماية الطبيعة ذاتها".
وفرضت الحكومة الإسرائيلية عام 1977 حظراً على قطف نبات الزعتر، وذلك في سياق استخدام الطعام والطبيعة كأدوات للسيطرة على الإنسان الفلسطيني بحسب ما يقول ناشطون وحقوقيون، في حين يزرعه الإسرائيليون في الجليل (شمال فلسطين) على مساحة بلغت أكثر من 550 دونماً، ويُسوّق تحت راية الطعام الإسرائيلي! وعام 2005، أُجري تعديلٌ آخر على لائحة "النبات المحميّ"، لتشمل نبتة العكّوب، التي يُخالَف بسببها عشرات الفلسطينيّين سنوياً.
شوكولا بطعم الزعتر
وفي الوقت الذي يُجرَّم فلسطينيون لقطفهم نبات الزعتر والميرامية وغيرها من النباتات، استطاع آخرون استخدامها للإبداع والابتكار، وإيداع رائحة فلسطين في الطعام، فالشيف الفلسطينية ريم شهاب (42 سنة) أخرجت من بين أروقة مطبخها الجميل في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، شوكولاته بطعم الزعتر الأخضر والميرامية (عشبة القصعين) واليانسون والهيل والريحان وإكليل الجبل.
وقالت شهاب "عشقي لفلسطين ونكهاتها الغنية ونباتها وأعشابها، دفعني إلى البحث عن نكهات جديدة غير مألوفة وترمز إلى فلسطين. في الوقت ذاته وبعد التقصي، وجدت أن الأعشاب العربية الشهيرة لا مكان لها بين أصناف الشوكولا، والإسرائيليون يسرقونها وينسبونها إليهم، فجرّبتها بمعايير دقيقة معقولة كي لا ينفر المتذوق من نكهة الأعشاب، إذ من الصعب إقحام نكهات قوية كتلك التي في الزعتر الأخضر والميرامية. وبعدما تمكنّت من النكهات الجديدة، أعلنت عنها وأدركت أن الكل متلهف لتذوقها، فالشوكولا أصبحت بحسب بعض المتابعين، بخاصة المغتربين منهم "بنكهة البلاد"، وهذا ما أسعدني ودفعني إلى إنتاج وابتكار أصناف جديدة، من شأنها بحسب تقديراتي تعزيز اسم فلسطين ونباتها الغني بالفوائد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراث فلسطيني
لا يُعتبر الزعتر والميرامية على وجه الخصوص، نباتاً عادياً في فلسطين بل رموز باتت ترتبط بالتراث والتاريخ والرواية الفلسطينية الشعبية. وعرف الفلسطينيون الزعتر بأنواعه المختلفة واستخدموه في الطعام والأكلات الشعبية. وبحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، فإن رقعة زراعة الزعتر في الضفة الغربية اتسعت كثيراً ووصلت إلى أكثر من 10 آلاف دونم (1000 متر مربع) وذلك بسبب تزايد الطلب عليه من قبل الشركات الأجنبية التي تسوّقه في أوروبا والولايات المتحدة، كعنصر غذائي أو دوائي، إذ يُنتج الدونم الواحد المروي من الزعتر، 2.5 طن في العام، أما غير المروي (الذي يُسمى بعلي) فيُنتج 1.5 طن وتتركز زراعته في شمال الضفة الغربية.