على الرغم من هدوء نسبي عمّ العاصمة السورية في الفترة السابقة، إلاّ أنّ العبوات الناسفة التي انفجرت في عاصمة الأمويين رسمت مشهداً مُربكاً للحكومة والأهالي على حد سواء. وممّا لا شك فيه أن لهذه الحوادث المتفرقة دلالات لا سيما أن الحكومة أعلنت مراراً تقدمها في ريفَيْ حلب وإدلب.
على وقع الهجوم
وتزامناً مع ما تصفه دمشق "بالانتصار في حلب" بعد سيطرتها على ريفَيْ حلب الغربي والجنوبي، وتقدمها في ريف إدلب الجنوبي وخلال استعدادها لاقتحام المدينة، بدت معها مشاهد التفجيرات بواسطة العبوات الناسفة المزروعة داخل المركبات في العاصمة، أشبه بردٍّ على هذا التقدم.
ويأتي كل ذلك من دون أن تعلن أي جهة أو تنظيم تبنيها لهذه العمليات، التي بدأت بتفجير عبوة في شارع الوليد يوم 7 فبراير (شباط) الحالي، وكان آخرها انفجار عبوة ناسفة مساء أمس الثلاثاء في مركبة تعود إلى إحدى الشخصيات المسؤولة في مؤسسة تابعة لوزارة الإعلام السورية.
وبحسب مصدر في شرطة دمشق، فقد "زُرعت العبوة في سيارته من نوع تويوتا/ بيك آب وانفجرت في نهاية نفق الأمويين، ما أدى إلى إصابة شخص".
وتعليقاً على الحادثة، يرى عضو مجلس الشعب السوري آلان بكر في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، أنه "لا يجب استباق التحقيقات والتحريات التي تجريها الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية سعياً منها لكشف الحقائق".
تشويش وردود فعل
في الوقت ذاته، يربط البرلماني بكر هذه الأحداث، إلى جانب القصف الجوي الإسرائيلي لمواقع في العاصمة وريفها، بما يحرزه النظام من تقدم في الشمال، مرجّحاً أن يكون الهدف من هذه التحركات إعطاء دعم للتنظيمات المقاتلة ضد جيش النظام السوري على الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت إلى سلسلة من الإنجازات تحققت وتشكل ضربة موجعة لآخر "معاقل التنظيمات المتشددة في الشمال الغربي من سوريا، منها فتح طريق دمشق حلب الدولي وعودة الملاحة إلى مطار حلب"، قائلاً "عودة شريان حلب الأساسي إلى الحياة مع كل هذه الانتصارات يحاول من خلالها العدو الإسرائيلي إلى جانب أدوات طيّعة في الداخل، خلق بلبلة وتشويش وكل محاولاتهم باءت بالفشل".
في سياق متصل، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه بالتوازي مع انفجار ناجم عن عبوة ناسفة في نفق ساحة الأمويين، دوّى انفجار سيارة في منطقة البرامكة أيضاً بواسطة عبوة ناسفة، ما أدى إلى مقتل السائق وإصابة أربعة أشخاص.
أجواء حذرة
في غضون ذلك، يتسلّل الحذر والترقب بين الأهالي إبان ما شهدوه خلال الأسبوع المنصرم من سلسلة تفجيرات، توزعت في عدد من المناطق في أحياء عاصمة "الياسمين".
الانفجارات حدثت بطريقة واحدة عبر عبوات ناسفة زُرعت داخل مركبات مع تشابه في أسلوب وطريقة التنفيذ، مستهدفةً أحياء سكنية مثل المزة وباب توما والبرامكة والمرجة وآخرها نفق الأمويين، وكلها مناطق مزدحمة ومكتظة، ما يوحي بأن الجهة التي تنفذ واحدة.
وحيال ذلك، تحدث وزير الإعلام عماد سارة، عقب زيارته أحد المستشفيات للاطمئنان على أحد المصابين من كوادر الوزارة، قائلاً "الإعلام الوطني كان منذ البداية هدفاً للإرهاب الذي يحاول اليوم تشويه فرح السوريين"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية "سانا".
أما البرلماني السابق وسفير الاتحاد الدولي للسلام أنس الشامي، فيرجّح في تصريحه لـ "اندبندنت عربية"، أن يكون كل ما يحدث في الشمال قد انعكس بالنتيجة على الجنوب للفت النظر وضرب الاستقرار وزعزعة ما وصفه بـ "انتصار الشرعية".
من جهة ثانية، ينظر الشامي إلى تلك الانفجارات، "بحسب علم التكتيك العسكري"، إلى أنها "تحدث إبان انتهاء المعارك العسكرية الكبرى لاستهداف شخصيات أو اغتيالات، بغية زعزعة الاستقرار، لكنها سرعان ما تتلاشى".
وتتطابق وجهة نظره مع معنيين في الشأن المحلي على "التأكيد أن تقدم الجيش السوري في ريف إدلب وحلب دفع منفذي العمليات إلى اللجوء إلى الحرب الناعمة من اغتيالات فردية وتفجيرات".
الإرهاب العابر للحدود
مقابل هذا، يرسم السوريون في الداخل أملاً بعودة استقرار البلاد، مع تحييد المدنيين عن الحرب العسكرية والنزاع المسلح المستعر منذ عام 2011 إلى هذه اللحظة.
ويصف بكر ما يحدث بـ"الإرهاب الذي يعبر الحدود، حتى كبرى الدول في العالم يضربها الإرهاب، لقد ضرب لندن وباريس ومدريد وواشنطن وألمانيا على الرغم من تطور أجهزة المراقبة والتعقب، فما بالك بدولتنا التي تقاطرت عليها استخبارات دولية مع وجود تنظيمات إرهابية".
ويضيف "يتدخل الطيران الإسرائيلي بشكل يومي لإعطاء معنويات للتنظيمات المقاتلة على الأرض، أقول الحرب لم تنته لكن إيماننا بالنصر موجود".
تفجيرات متكررة
في السياق ذاته، يذهب الشامي إلى حض السوريين على امتلاك روح المسؤولية وعدم تمكين أيدي مخربة وعابثة بأمنهم من التغلغل لضرب استقرارهم ليتمكنوا من العيش بسلام وينعموا بالهدوء، "مطلوب منا كسوريين أن نستشعر حس المسؤولية للوقوف في وجه هؤلاء".
هذا وتكررت الانفجارات في العاصمة منذ 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، في منطقة الفحامة بعد مصرع شخص مجهول الهوية، يليها في حي المزة يوم 10 فبراير الحالي، مع انفجار في باب مصلى بتاريخ 18 فبراير وفي حي المرجة في 20 فبراير، والقاسم المشترك بين هذه التفجيرات أنها متوسطة الشدة بأسلوب موحد وبطريقة العبوات الناسفة.
أما المعارك في الشمال الغربي السوري، فلا تزال مستعرة مع تقدم واسع للقوات النظامية التي تحشد باتجاه قرى وبلدات الريف الجنوبي والشرقي، تمهيداً للوصول والسيطرة على إدلب المدينة.