رغم أن عنوان القمة العربية الأوروبية الأولى من نوعها بشرم الشيخ جاء تحت شعار "في استقرارنا نستثمر"، التي اختتمت فاعلياتها الإثنين بحضور قادة ورؤساء 50 دولة عربية وأوروبية، فإن قضايا الاقتصاد في القمة، كانت أقل الموضوعات طرحا، في وقت سيطرت القضايا ذات الطابع السياسي والأمني والأزمات في الكتلتين على مباحثات القادة خلال القمة وحتى في اللقاءات الثنائية التي عقدت على هامشها.
ووفق عدد من الدبلوماسيين ممن حضروا القمة، فإن القضايا الاقتصادية، ومع أولويتها بالنسبة للأطراف الحاضرة فقد جاءت في المرتبة الثانية، رغم تربع الاتحاد الأوروبي على رأس الشركاء التجاريين الدوليين للدول العربية، حيث تركزت أغلب النقاشات حول القضايا الأمنية والسياسية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلا عن القضية الفلسطينية والأزمات الليبية والسورية واليمنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقرتان في البيان الختامي عن الاقتصاد
في الوقت الذي دعا فيه البيان الختامي للقمة، لـ"بداية عصر جديد" في العلاقات بين الطرفين، وتعزيز التعاون والتنسيق من أجل الاستقرار والازدهار والرفاه في المنطقتين والعالم بأسره"، لم يذكر البيان المكون من 17 فقرة القضايا الاقتصادية إلا في فقرتين.
ففي الفقرة الرابعة من البيان اتفق الطرفان على مزيد من التعاون لإرساء الأمن وتسوية النزاعات وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي الفقرة الخامسة، أعاد المجتمعون التأكيد على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادى بين الجانبين وإرساء شراكة قوية مبنية على الاستثمار والتنمية المستدامة، وتطوير برنامج عمل تعاونى إيجابي خاصة في مجالات التجارة والطاقة بما فيها أمن الطاقة والعلوم والبحث والتكنولوجيا والسياحة وصيد الأسماك والزراعة والمجالات الأخرى التي تحقق المصلحة المشتركة بهدف زيادة الثروة ومعدلات التنمية وخفض البطالة استجابة لاحتياجات الشعوب.
وبحسب دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، حضر القمة، فإن الملف الاقتصادي كان بمثابة "الحاضر الغائب" وركز النقاش بشأنه على قضايا التنمية بشكل عام، وسط سيطرة الأجواء السياسية والأمنية والقضايا ذات الصلة على كواليس اللقاءات.
الدبلوماسي الأوروبي، أوضح أن أغلب النقاشات ركزت على القضايا الخلافية ومحاولة إيجاد رؤى مشتركة لحلها فضلا عن بناء عصر جديد بين الكتلتين وبداية فصل جديد على ان تترك تفاصيل تعميق القضايا الاقتصادية لاجتماعات لاحقة أو للأطر الثنائية بين دول المجموعتين.
أولويات مختلفة
أرجع دبلوماسي عربي، رفيع المستوى، عدم تصدر الملف الاقتصادي رغم أهميته مباحثات القمة وإيجاد سبل واضحة لتعميقها بين الطرفين، إلى اختلاف الأولويات للكتلتين. ووفق الدبلوماسي العربي، فإن قادة التكتلين حضروا القمة بأولويات مختلفة، إذ سعى الجانب العربي لاستيضاح الرؤية الأوروبية في قضايا بعينها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية لاسيما مع قرب إعلان الإدارة الأميركية لمقترح سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي الخطة المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"، فضلا عن ملفات أخرى، وهي الأزمة الليبية والسورية واليمنية.
وفي المقابل، ووفق الدبلوماسي العربي، حاول الطرف الأوروبي تشكيل موقف عربي جامع تجاه قضايا بعينها لاسيما الهجرة غير الشرعية واللجوء. ورغم ذلك، لم تغب الطموحات الاقتصادية للطرفين في القمة، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول للمنطقة العربية.
وخلال تصريحات لرئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، على هامش القمة، ذكر أنه بالنسبة للأوروبيين، فإن القمة ينبغي أن تسهم في تعزيز التعاون مع الدول العربية من أجل تثبيت الوجود الأوروبي في جنوب المتوسط في مواجهة قوى دولية أخرى، لم يسمها، تسعى لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي من المنطقة.
وقال توسك مساء الأحد إن المنطقتين الجارتين يجب أن تعملا معا من أجل مصلحة الشعوب في مواجهة "قوى دولية بعيدة عن منطقتنا". ولم يسمّ توسك هذه القوى، لكن مسؤولاً أوروبياً أوضح أنه يعني الصين وروسيا. مشيرا إلى أن الأوروبيين يرون في هذه القمة فرصة للمحافظة على مصالحهم الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.
وقبيل تصريحات توسك، قال الناطق باسم الاتحاد الأوروبي بريبن أمان، في تغريدة له على "تويتر" إن "الاتحاد الأوروبي هو بفارق كبير الشريك (التجاري) الأهم لدول الجامعة العربية"، موضحا أن حجم هذه التجارة "يوازي التجارة مع الصين والولايات المتحدة وروسيا مجتمعة". وذلك بالتزامن مع بيان للحكومة الألمانية قبل ساعات من انطلاق القمة ذكرت فيه أن "قوى دولية أخرى نشطة في المنطقة" مثل روسيا والصين على سبيل المثال، موضحة أنه "لذلك فمن المهم أن يكون الاتحاد الاوروبي موجودا هناك، فهم جيراننا الجنوبيون".
على الصعيد ذاته قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للصحفيين على هامش أعمال القمة إنها تحدثت عن أهمية تحسين مستوى الرفاهية الاقتصادية في دول الجامعة العربية، وهو ما يمكن أن يتحقق "فقط إذا كان المجتمع المدني قويا، وفي إطار احترام حقوق الإنسان والاستماع إلى الشباب".
من جانبه، سعى رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتيل لخفض التوقعات، قائلا "من السذاجة الاعتقاد أننا نلتقي 24 ساعة في شرم الشيخ، ثم يعم السلام العالم والمنطقة وينتهي كل شيء"، وتابع "كان تواصلاً أولياً بين دول الجامعة العربية والدول الأوروبية. إنها أول مرة نلتقي، آمل أن نجتمع مجددا، لأنه من المهم أن تجري مداولات بيننا فى كافة المجالات".
مصر أكثر المستفيدين اقتصاديا
في الوقت الذي أوضح فيه الدبلوماسي الأوروبي، إن القمة تعتبر نجاحاً لمصر التي توضح بتنظيمها هذه القمة أنها تعود إلى مقدمة الساحة الدبلوماسية، وأجمل دبلوماسي مصري أن مصر حققت الكثير اقتصاديا خصوصا أن مباحثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الثنائية على هامش القمة ركزت على ضرورة زيادة التعاون من الأطراف الأوربية عربيا ومحليا في قطاعات اقتصادية بعينها لاسيما في مجالات الطاقة والسياحة وزيادة الاستثمار". لاسيما مع حضور هذه العدد الضخم من القادة في مدينة شرم الشيخ السياحية.
وحسبما جاء في المؤتمر الصحفي الختامي، أثنى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي استضافت بلاده القمة، بنوعية المحادثات التي تناولت الأمن والهجرة والتنمية الاقتصادية، وكذلك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والحرب في اليمن وسوريا والوضع في ليبيا. وأوضح السيسي أن القمة التي وصفها بـ"التاريخية"، أكدت أنها "خير دليل على أن ما يجمع المنطقتين، العربية والأوروبية، يفوق بما لا يقاس ما يفرقهما".
ووفق الخبير الاقتصادي، إبراهيم عبدالحميد، فإن القمة فتحت المجال أمام المزيد من التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والاتحاد الأوروبي الذي ينتج ما يقرب من ربع إنتاج العالم كله، موضحا أن نسبة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية ارتفعت بنسبة 7% ليبلغ 315.9 مليار يورو خلال 2017 مقارنة بـ295.5 مليار يورو عام 2016، فضلا عن ارتفاع الصادرات العربية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20% لتصل إلى 121.6 مليار يورو خلال عام 2017 مقارنة بـ101.2 مليار يورو خلال العام 2016. مشيراً في الوقت ذاته إلى الاهتمام المصري الخاص بتعميق تعاونها الاقتصادي مع "القارة العجوز"، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد ارتفع خلال عام 2017 ليصل إلى 28 مليار يورو، مقارنة بـ17.4 مليار يورو خلال عام 2007.