رُغم أنّ الحرب التجارية الأميركية الصينية المُشتعلة، تخللتها هدنة "المرحلة الأولى" من الاتفاقية التجارية التي وُقّعت بين البلدين أخيراً، ورغم وعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب لشعبه بـلجم التنين الصيني، فإنّ تفشي "كورونا" أظهر حاجة العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، إلى الصين والصناعة الصينية والاقتصاد الصيني ككل، وأهمية أن ينوّع العالم مصادر الاستيراد.
الضرر الذي لحق بأسواق المال والأسهم والمصانع والتجارة العالمية ربما يغيّر المقولة المُتعارف عليها، التي تقول "إذا ما عطست الولايات المتحدة أُصيب العالم بالزكام". اليوم، تعطس الصين بسبب تفشي فيروس كورونا، ومعها تتهاوى أسواق الأسهم والعملات وشركات الطيران وقطاعات التجارة والمال والسياحة والصناعة.
ما كشف عنه فيروس كورونا هو أنّ جزءاً كبيراً من الاقتصاد الأميركي يعتمد بشكل كبير على الصين، ومع الأنباء عن تفشي المرض في عددٍ من الولايات الأميركية اجتاحت موجة من القلق وول ستريت وعدداً من الولايات، وخصص حاكم نيويورك أندرو كومو، 40 مليون دولار في صورة تمويل طارئ لتجهيز الولاية لمواجهة فيروس كورونا المُحتمل، بينما أعلنت ولايات أخرى ملاحقة الأشخاص الذين قد يكون لديهم احتمال التعرّض لهذا المرض.
وكانت إدارة ترمب أرسلت، هذا الأسبوع، طلب ميزانية إضافي بقيمة 2.5 مليار دولار للحصول على أموال إضافية لمحاربة فيروس كورونا، وهو رقم قال الديمقراطيون إنّه "غير كافٍ". ويعد الزعيم الديمقراطي بمجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر طلباً للحصول على تمويل بقيمة 8.5 مليار دولار من التمويل الطارئ للفيروس.
خسائر الطيران والفنادق في أميركا
مِن المتوقّع أن يكلّف فيروس كورونا صناعة السفر بالولايات المتحدة أكثر من 10 مليارات دولار خسائر على مدى السنوات الأربع المقبلة، مع أكثر من نصف هذه الخسائر في عام 2020، وعلى الرغم من أنّ شركات الطيران الأميركية تعمل على تقليل التأثير، فإنه من المتوقع أن تواجه الفنادق والمتاحف وقطاعات التجزئة وتناول الطعام وغيرها من الشركات التي تعتمد على الدولارات، تداعيات اقتصادية كبيرة منذ اندلاع المرض.
ورُغم أنّ الغالبية العظمى من حالات الإصابة بفيروس كورونا تتركّز في الصين وآسيا، فإنّ صناعة السفر بالولايات المتحدة تأثرت بتداعيات المرض، ويتوقّع أن تفقد الولايات المتحدة نحو 1.6 مليون زائر من البر الرئيسي للصين نتيجة الفيروس، ما أدّى إلى انخفاض بنسبة 28 في المئة لعام 2020، والخسائر المتوقعة من إنفاق الزوار الصينيين تقدر بـ10.3 مليار دولار، أكثر من نصفها من المتوقع أن تحدث هذا العام.
ويتوقع أن يستغرق تعافي قطاع الفنادق الأميركي من تداعيات كورونا نحو أربع سنوات، مع أن يُجرى فقد 4.6 مليون ليلة في غرف الفنادق هذا العام - 8.1 مليون إقامة حتى عام 2024.
مجموعة الفنادق الأميركية ماريوت إنترناشونال، توقّعت أيضاً خسائر شهرية في عائداتها تصل إلى 25 مليون دولار، بسبب ضعف الطلب على السفر بآسيا، وقالت إنّ الفيروس سيكون له "تداعيات على أداء المجموعة في نتائج الربع الأول والعام الحالي".
أسواق المال وتراجع المكاسب
انخفض مؤشر S&P500 القياسي لليوم الخامس على التوالي، إذ هبط بنسبة 0.4 في المئة بعد صعوده إلى 1.7 في المئة في التعاملات الصباحية، وكانت الطاقة إلى حد بعيد الخاسر الأكبر في مؤشر S&P 500 خلال اليوم، إذ عوّضت المكاسب في قطاع التكنولوجيا، وخسر المؤشر 6.3 في المئة هذا الأسبوع حتى الآن، في وتيرة لأدائه الأسبوعي الأسوأ منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وتمكّنت "ناسداك" ذات التقنية العالية من تحقيق مكاسب بنسبة 0.2 في المئة، وأغلق مؤشر داو جونز الصناعي، الذي جرى تداوله في نطاق من 651 نقطة في يوم متقلب من التداول، على خسارة 0.5 في المئة.
في الوقت نفسه مسحت مكاسب الأسهم في وقت مبكر وسط عدم اليقين بشأن انتشار فيروس كورونا، وارتفع الذهب الذي يعد ملاذاً للمستثمرين خلال أوقات الاضطرابات، بنسبة 0.3 في المئة، وارتفع مؤشر الدولار 0.1 في المئة.
عكس العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات مساره ليصل إلى 1.4 نقطة أساس ليصل إلى 1.3421 في المئة، وهبطت في وقت سابق لأقل من 1.3 في المئة للمرة الأولى على الإطلاق.
تداعيات كورونا على الشركات الأميركية
أظهرت دراسة جديدة أن تفشي فيروس كورونا الجديد والإغلاق اللاحق لمساحات شاسعة من الصين ربما يؤثران في أكثر من 5 ملايين شركة بجميع أنحاء العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورصدت، التي أصدرتها شركة تحليل البيانات العالمية "دون آند برادستريت"، المقاطعات الصينية الأكثر تضرراً من الفيروس، ووجد أنّها مرتبطة بشكل معقّد بشبكة الأعمال العالمية.
ووفقاً للدراسة، تعد المناطق المتأثرة التي تضم 100 حالة أو أكثر من الحالات المؤكدة موطناً لأكثر من 90 في المئة من جميع الشركات النشطة بالصين، ونحو 49 ألف شركة بهذه المناطق هي فروع لشركات أجنبية.
ويقع ما يقرب من نصف (49 في المئة) الشركات التي لها فروع بالمناطق المتأثرة في هونغ كونغ، في حين أنّ الولايات المتحدة تمثل 19 في المئة، واليابان 12 في المئة، وألمانيا 5 في المئة.
قطاع الطاقة
من جانبها، أكدت وكالة الطاقة الدولية التأثير المأساوي لفيروس كورونا للمرة الأولى منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن، وتوقّعت أن ينخفض الطلب العالمي على النفط الخام في الربع الأول من العام بسبب الانخفاض الحاد في الطلب على النفط بالصين، أكبر مستورد نفط بالعالم.
ومِن المُحتمل أن تؤدي تأثيرات سوق الطاقة لفيروس كورونا إلى إلغاء 50 مليار دولار من مشتريات النفط والغاز الطبيعي الإضافية، التي كان ترمب يعتمد عليها كإحدى النتائج الإيجابية لحربه التجارية، التي استمرّت 18 شهراً مع الصين، وأدّت إلى تباطؤ النمو في كلا الاقتصادين.