Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفريقيا وطريق الأفغنة الجديدة

هل تدفع حرب أميركا على الإرهاب في القارة السمراء إلى تعزيز الراديكاليات الأممية؟

المساعدات الأميركية لم تؤدّ إلى هزيمة "حركة الشباب" الصومالية (رويترز)

ملخص

لماذا تحول عديد من الدول الأفريقية إلى حاضنة وملاذ لـ"داعش" والقاعدة"؟ وكيف يمكن للتنمية أن تكون سلاحاً فعالاً أنفع وأرفع من العسكرة؟

في أواخر فبراير (شباط) الماضي أظهرت إحصاءات نشرها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهي مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023، بسبب الهجمات الإرهابية بزيادة بلغت نحو 19 في المئة مقارنة بعام 2022، حيث ارتفع العدد الكلي من 19 ألفاً إلى 23 ألف شخص.

وبحسب المركز فقد ارتفعت نسبة الوفيات الناجمة عن العنف المتشدد في أفريقيا خلال العام الماضي بصورة كبيرة، لتصل إلى "مستوى قياسي من العنف المميت".

 

هل تحولت القارة السمراء إلى حاضنة وملاذ للإرهاب وللإرهابيين إذاً؟

لم يعد هناك شك في أن تنظيمات إرهابية دولية من عينة "داعش" و"القاعدة"، قد وجدت مواطئ أقدام لها هناك، لا سيما في منطقة الساحل في غرب أفريقيا، وعدد من البلدان شرق القارة، وأدت الهجمات المتواصلة التي تشنها تلك الجماعات إلى زعزعة الاستقرار في الصومال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا.

ولعل التساؤل الذي بات يزعج الدوائر الغربية عامة والأميركية خاصة "لماذا هذه النتائج المؤسفة على رغم الجهود العسكرية المستمرة والمستقرة التي تبذلها دول الاتحاد الأوروبي من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة مقابلة، وبصورة أوسع وأعرض؟ ثم هل اعترفت واشنطن بالفعل بهذه النتائج وبات عليها أن تفكر في أدوات أخرى لمحاربة الإرهاب هناك، لا سيما في ضوء الصراع القطبي القائم والمقبل على الأراضي الأفريقية بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى، وفي ظل تراجع مربعات النفوذ الأوروبية عامة والفرنسية بنوع خاص؟

"البنتاغون" وإشكالية حرب الإرهاب

في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تناول موقع "كونتر بنش" الأميركي الشهير أوضاع المشهد الأميركي في أفريقيا، لا سيما من ناحية الحرب على الإرهاب، وكيف تضاعف آلاف المرات وبصورة مرعبة خلال العقدين الماضيين.

يشير المقال إلى أنه حين شرعت الولايات المتحدة في "حربها الأبدية" على الإرهاب، في الفترة ما بين عامي 2002 و2003، مدفوعة بهستيريا الـ11 من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، أحصت وزارة الخارجية الأميركية تسع هجمات إرهابية فقط في أفريقيا، ومقارنة مع 2023 فقد نفذت الجماعات المتشددة في القارة السمراء، وفقاً لـ"البنتاغون" 6756 هجوماً، وبعبارة أخرى، منذ أن كثفت الولايات المتحدة عملياتها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا ارتفع منسوب الإرهاب بعشرات الآلاف من المرات.

هل كانت حرب واشنطن على الإرهاب في أفريقيا عنصراً جاذباً للجماعة الأصولية المتشددة الكارهة والرافضة بل المناوئة عسكرياً للوجود الأميركي حول العالم؟

 

الثابت أنه منذ عام 2000 سنت الولايات المتحدة خطة موازية لدعم وتدريب القوات الأفريقية من مالي في الغرب إلى الصومال في الشرق، عطفاً على إنشاء قوات تقاتل إلى جانب "الكوماندوز" الأميركي، وتنفيذ مهمة إنشاء الجيش الأميركي شبكة من المواقع الأمامية عبر الأقاليم الشمالية من القارة السمراء، بما في ذلك قواعد كبيرة للطائرات من دون طيار، أهمها معسكر "ليمونير" في دولة جيبوتي، إلى القاعدة الجوية في أغادير في النيجر، إضافة إلى انتشار مرافق ووحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة في ليبيا وجنوب السودان وحتى وسط القارة.

لما يقارب عقداً من الزمن ظلت حروب واشنطن في أفريقيا طي الكتمان بصورة كبيرة، إلى أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن قرار إرسال قوات عسكرية أميركية إلى ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي الشاسع، مما تسبب في حالة من الفوضى التي يصعب التعافي منها، وقد كان ضحيتها السفير الأميركي في ليبيا نفسه في ذلك الوقت، كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين معه في سبتمبر 2012.

إخفاقات عسكرية وفشل دبلوماسي

تكاد البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية أن تخبرنا بأن هناك في جماعة الجنرالات، ومنذ زمن جورج بوش الابن، من لا يوافق طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً، على التوجه الأميركي لمحاربة الإرهاب على هذا النحو المثير للقلق، والمكلف جداً لا سيما على صعيد مربعات النفوذ الأميركية التي تفرغها واشنطن لصالح قوى أخرى، ربما منها ما هو أيديولوجي كما الحال مع إيران.

حكماً تقودنا المعلومات العسكرية الأميركية إلى القطع بأن الجيوش التي دربتها الولايات المتحدة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، لم تتمكن من وقف تعديات الجماعات الإرهابية على السكان الآمنين، وخلال عامي 2002 و2003، قتلت هذه الجماعات 23 ضحية في عموم أفريقيا مقارنة مع 2023، إذ تظهر تقارير "البنتاغون" مقتل 9818 شخصاً في منطقة الساحل الأفريقي وحدها، بزيادة مهولة قدرها 42.500 في المئة.

ولعله من الواضح أن أخطاء شركاء أميركا في أفريقيا تكاد تقترب من حد الخطايا، فقد ارتكب عديد منهم في تلك المنطقة، وخلال حملاتهم لمكافحة الإرهاب، فظائع جسيمة وعمليات قتل خارج نطاق القضاء.

خذ إليك على سبيل المثال اعتراف زعيم سياسي بارز في بوركينا فاسو بأن قوات الأمن في بلاده تنفذ عمليات إعدام "هادفة"، وعنها قال ذات مرة "نحن نفعل ذلك، لكننا لا نصرخ من فوق أسطح المنازل"، مشيراً إلى أن عمليات القتل هذه كانت سرية "واعتبرها جيدة لمعنويات الجيش".

أما عن الفشل السياسي، فقد كانت له قصة أخرى أكثر مأسوية، إذ لم يحقق الحكام الذين توجههم الولايات المتحدة في تلك المنطقة سوى نوع واحد من "النجاح" الواضح، وهو إطاحة الحكام الذين دربتهم الولايات المتحدة لحماية تلك البلدان لا للانقلاب على شرعيتها، وقد شارك ما لا يقل عن 15 ضابطاً في 12 انقلاباً عسكرياً في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى خلال عقدي الحرب على الإرهاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشمل قائمة الانقلابات دول بوركينا فاسو في عامي 2014 و2015، ومرتين في عام 2022، وتشاد عام 2021، وغامبيا في عام 2014، وغينيا في 2021، ومالي في أعوام 2012 و2020 و2021، وموريتانيا عام 2008، والنيجر عام 2023.

هنا يبدو وكأن أميركا تختار عناصر عسكرية تنقلب عليها ولا تحقق أهدافها، ومع ذلك تواصل واشنطن تزويد هذه الأنظمة بدعم مكافحة الإرهاب.

على سبيل المثال العقيد أسيمي غويتا الذي عمل مع قوات العمليات الخاصة الأميركية، وشارك في التدريبات الأميركية، والتحق بكلية العمليات الخاصة العسكرية في ولاية فلوريدا، قبل أن يطيح حكومة مالي في عام 2020، ثم تولى غويتا منصب نائب الرئيس في حكومة انتقالية (مكلفة رسمياً بإعادة الحكم المدني إلى البلاد)، فقط للاستيلاء على السلطة، مرة أخرى في عام 2021، مما يعتبر فشلاً سياساً واستخباراتياً أميركياً دفعة واحدة.

"داعش" وحضور متزايد أفريقياً

يتبدى الإخفاق الأميركي العسكري في مواجهة الإرهاب والأصولية على الأراضي الأفريقية من خلال التحذير الذي صدر، منتصف فبراير الماضي، من جانب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، من أن "داعش" يشكل تهديداً متزايداً وسط عدم الاستقرار السياسي في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، وأنه لا يزال عازماً على تنفيذ هجمات في الخارج، إضافة إلى تزايد نشاطاته في الشرق الأوسط، على رغم التقدم المطرد الذي أحرزه المجتمع الدولي في الحد من القدرات العملياتية لهذا التنظيم.

هنا يبدو الحصاد الأميركي كارثياً، إذ تؤكد النتائج التي توصل إليها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بأن التنظيم "لا يزال يشكل تهديداً كبيراً للسلم والأمن الدوليين، بخاصة في مناطق الصراع، على رغم التقدم الكبير الذي أحرزته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مواجهة هذا التهديد، ولاحظ أن التنظيم زاد أيضاً عملياته في معاقله السابقة في العراق وسوريا وكذلك في جنوب شرقي آسيا".

أما عن غرب أفريقيا، فقال فورونكوف إن الوضع هناك وفي منطقة الساحل، وهي منطقة واسعة تمتد عبر القارة، تدهور وصار أكثر تعقيداً، حيث تتقاطع النزاعات العرقية والإقليمية المحلية مع أجندات وعمليات الجماعات المتطرفة، ولفت إلى أن الجماعات التابعة لـ"داعش" واصلت العمل باستقلالية متزايدة عن تنظيم "داعش" الأساس، ومحذراً من أنه إذا استمر هذا الاتجاه فهناك خطر من ظهور منطقة واسعة من عدم الاستقرار من مالي إلى حدود نيجيريا، وأكد أن مكافحة تهديد الإرهاب في أفريقيا تظل أولوية بالنسبة إلى مكتبه.

هنا لا يبدو أننا نذيع سراً إن قلنا "إن مقاتلي الجماعات المتطرفة يستغلون عدم الاستقرار السياسي في دول القارة الأفريقية ويوسعون دائرة نفوذهم وعملياتهم وسيطرتهم الإقليمية في منطقة الساحل، مع تزايد المخاوف في شأن غرب أفريقيا الساحلي".

أما الحقيقة التي لم يعد من الممكن إنكارها، فهي أن القارة الأفريقية تمثل الآن زهاء نصف الأعمال الإرهابية في كل أنحاء العالم، إذ يمثل وسط الساحل نحو 25 في المئة من هذه الهجمات.

 

أميركا والنيجر مقابل روسيا وإيران

ولعل الأحداث التي تجري في النيجر دعت إلى فتح ملف مكافحة الولايات المتحدة للإرهاب في القارة السمراء، والتبعات التي تمثلها قضية الانقلاب التي جرت في يوليو (تموز) من عام 2023، حين اعتقل الرئيس محمد بازوم على يد أفراد حرسه الخاص، ووضع قيد الإقامة الجبرية.

في مقدمة المراكز البحثية الأميركية التي اهتمت اهتماماً بالغاً بأزمة النيجر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، الذي شارك عدد من باحثيه في ورقة عنوانها "انقلاب النيجر يهدد استراتيجية الولايات المتحدة في شأن مكافحة الإرهاب وروسيا".

تمثل النيجر نقطة مهمة للجماعة الأصولية المعروفة باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، هذا التنظيم الذي شن هجمات متفرقة ضد جيش النيجر، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017 نصبت هذه الجماعة مكمناً أسفر عن مقتل أربعة جنود من "القوات الخاصة الأميركية"، وأربعة عناصر من جيش النيجر قرب الحدود مع مالي، مما دفع واشنطن إلى إجراء مراجعات شاملة لإجرائها وعمليات انتشارها إضافة إلى تقديم تمويل إضافي بمئات ملايين الدولارات لجيش النيجر.

وفي الجزء الجنوبي الشرقي من النيجر، شن متشددون يمثلون ما يسمى "ولاية غرب أفريقيا" التابعة لتنظيم "داعش" ما لا يقل عن 50 هجوماً عبر الحدود انطلاقاً من نيجيريا، وفي الجنوب الغربي من البلاد نشأت الجماعات المتشددة بصورة أساسية، من حركات التمرد في مالي وبوركينا فاسو بقيادة "ولاية الساحل" التابعة للتنظيم، التي تبنت ما يصل إلى 10 هجمات في النيجر عام 2023 .

وتبدو النيجر في الأيام القليلة الماضية وكأنها وجهت لطمة قاسية للجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب أفريقياً، بعد أن ألغت اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، الذي يستتبعه إنهاء الوجود العسكري الأميركي في القارة السمراء.

والمثير في هذا المشهد هو ملامح الصراع القائم بين القوى القطبية مثل روسيا، ودول أخرى تدور في فلكها مثل إيران في أفريقيا، وهذا ما دعا نائبة المتحدث باسم "البنتاغون" سابرينا سينغ، إلى الإعراب عن قلقها من العلاقة بين النيجر وروسيا وإيران، وذلك في إشارة إلى محادثات جرت بين وفد أميركي تقوده مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في مع عدد من المسؤولين بالنيجر.

والمعروف أنه بعد ساعات من مغادرة وفد أميركي العاصمة نيامي ألغى المجلس العسكري الحاكم في النيجر اتفاق التعاون العسكري الذي يربط البلد الواقع في غرب أفريقيا مع الولايات المتحدة، في خطوة من شأنها التأثير في الجهود الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب، والأميركية بنوع خاص، وهو الاتفاق الذي يعود إلى عام 2012.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن مصدر حكومي نيجري "لم يتمكن الوفد الأميركي، الذي بقي في العاصمة النيجرية نيامي ثلاثة أيام، من مقابلة الجنرال عبدالرحمن تياني قائد المجلس العسكري".

هل خسرت واشنطن مربع نفوذ جديداً في أفريقيا؟

 بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن المتحدث باسم حكومة النيجر أمادو عبدالرحمن قال إن الوفد الأميركي اتهم المجلس العسكري زوراً بتوقيع اتفاق سري مع إيران، كما أعرب عن استيائه من علاقة النيجر الأمنية مع روسيا.

ولعل مشهد النيجر يؤكد أن أدوات واشنطن العسكرية في أفريقيا لم تعد كافية أو قادرة على تغيير مشهد مكافحة الإرهاب هناك. هل من مزيد من التحليل؟

الصومال... العسكرة فقط لا تجدي

عبر موقع "ناشيونال إنترست" الأميركي الشهير، يكتب المحلل السياسي الأميركي ويليام رامبي عن جدلية العلاقة بين الأمن والديمقراطية والتنمية، وكيف أن واشنطن لا تزال تراهن على اليد الخشنة، ومن غير اهتمام كاف بالبدائل السياسية الخلاقة مثل مزيد من التنمية الاقتصادية والبشرية.

رامبي يكاد في مقاله يقطع بأن الجهود التي بذلها صناع السياسات الأميركيون لمحاربة الجماعات المتطرفة من طريق المساعدة العسكرية الإقليمية، تعد سبباً رئيساً في تحفيز الانقلابات العسكرية ولو عن غير قصد. من هنا يرى أنه يجب على واشنطن أن تغير تركيزها على المساعدات العسكرية وتتوجه نحو تعزيز الديمقراطية والمجتمع المدني لمكافحة نفوذ هذه الجماعات بصورة فعالة.

الطرح الذي يقدمه رامبي يميل إلى تعزيز مفاعيل القوى الناعمة للولايات المتحدة، بأكثر من القوى الخشنة التي يركز عليها الجيش الأميركي، والذي يتلقى تعليماته من رئيس البلاد.

على سبيل المثال يقترح مقال "ناشيونال إنترست" تقوية المجتمع المدني بما فيه من مسؤولين محليين وزعماء دينيين ومجتمعيين بما يساعد هذه الجماعات في الدعوة بصورة أفضل إلى سياسات لتحسين حياة الأفارقة.

ويتوقف الكاتب عند الصومال التي زخمتها واشنطن بعديد من الأسلحة المتقدمة في حربها ضد جماعات متطرفة، توصف بالإرهابية، مثل "حركة الشباب"، ومنها الطائرات المسيرة التي شنت بضع مئات من الهجمات منذ عام 2007، غير أن هذه المساعدات لم تؤد إلى هزيمة الحركة الراديكالية، وعلى رغم أن الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش الوطني الصومالي والميليشيات العشائرية المتحالفة معه، إلى جانب ضربات الطائرات المستمرة والمستقرة، سواء الأميركية أو التركية، والتي نجحت بالفعل في استعادة البلدات والقرى في مناطق هير شبيلي وغلمدغ، في وسط الصومال، فإن "حركة الشباب" أثبتت أنها قوة فاعلة.

الخطوة الملموسة الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها في هذا الصدد هي زيادة التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصومال، وتحديداً من خلال الموافقة على طلب الصومال في شأن قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي يوفر للدول الأفريقية وصولاً متزايداً إلى الأسواق الأميركية من خلال إزالة التعريفات الجمركية على السلع الأفريقية.

هل يمكن لهذه الأدوات تغيير موقع وموضع أميركا في حربها ضد الإرهاب هناك؟

يبدو أن هذا ما يتم القطع به بالفعل، ذلك أنه من الوارد والممكن أن تؤدي زيادة الاستثمارات الناتجة من تحسن العلاقات التجارية إلى تحسين النمو الاقتصادي الضعيف في دول مثل الصومال، مما يساعد على تهيئة الظروف لزيادة الأجور وتحسين الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، كما أنه لا ينبغي معاقبة الشركات والعمال الصوماليين على الفشل الديمقراطي لحكومتهم، كما قررت إدارة الرئيس جو بايدن في ما يتعلق بالغابون والنيجر وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

هل تستمتع واشنطن بحال من الأحوال بمثل هذه الرؤى؟ وحتى تتجنب تكرار تجارب خاسرة جرت بها المقادير طوال العقدين السابقين؟

مرة جديدة تنحو واشنطن للخيار العسكري، ففي تتويج للتعاون العسكري بين البلدين، وقعت واشنطن مع الصومال، منتصف فبراير الماضي، اتفاقاً عسكرياً تقوم بموجبه بتعزيز قدرات الجيش الصومالي في مواجهة "حركة الشباب".

وتعد هذه الخطوة امتداداً للانخراط العسكري الأميركي في الساحة الصومالية، الذي شهد تنامياً مستمراً منذ مايو (أيار) 2022، حين قرر الرئيس بايدن إرسال المئات من الجنود الأميركيين إلى الصومال في تراجع لافت عن سياسة الانسحاب من "الحروب الأبدية" التي أطلقها سلفه دونالد ترمب.

وعلى رغم أن قرار بايدن يعكس الأهمية الجيواستراتيجية والأمنية للصومال المشرف على كل من المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، حيث يمثل بوابة مفتوحة إلى شرق وعمق القارة الأفريقية، ونقطة محورية في القرن الأفريقي الذي يشكل إحدى ساحات الحرب الباردة الحالية بين واشنطن ومنافسيها، على رغم هذا فإن عديداً من الأصوات المشابهة لصوت رامبي في "ناشيونال إنترست" تقطع بأنه لا توجد صيغة سحرية لجعل الصومال وأفريقيا ككل أكثر أماناً لشعبها بصورة عامة، وترى أنه من الواضح أن التركيز على الديمقراطية والدبلوماسية والنمو الاقتصادي سيذهب بالولايات المتحدة إلى نتائج أفضل من مجرد إعطاء الأولوية للمساعدات العسكرية.

حرب على الإرهاب أم على الغضب؟

هل تكرر واشنطن أخطاءها في أفريقيا من دون أن تتعلم من عقدين من الزمن في أفغانستان ثم في العراق وتالياً في سوريا، وغيرها من بقاع وأصقاع العالم، حيث مضت مسرعة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر لمقاتلة قوى الشر؟

من الواضح أن هذا التساؤل لا يزال يتردد في جنبات واشنطن، لا سيما بعد الانسحاب المخزي والمشين من جانب أفغانستان، والتهديدات القائمة والقادمة لبقية القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، حيث الإجراءات للانسحاب، مما يعني أن المحصلة النهائية لأكثر من 23 عاماً من الحرب الشعواء على الإرهاب هي صفر، فيما الخطر الأكبر يتمثل في نشوء وارتقاء جماعات الإرهاب "الداعشي" و"القاعدي" مرة جديدة ومن غير أدنى مكاسب طوال هذه السنوات.

هل أخطأت واشنطن ورجالات عسكرتها واستخباراتها في تقدير أبعاد مشهد الإرهاب في العالم كافة وفي القارة الأفريقية بخاصة؟ وهل حربها هي على الإرهاب أم على الغضب؟

هذا التساؤل والبحث الجاد له عن إجابة كان محور أحد الملفات البحثية المعمقة، من جانب مجلة "يو أس فورين بوليسي"، ومركز "ودرو ويلسون" للشؤون العامة والدولية في جامعة "برينستون" العريقة.

ضمن الإجابات عن التساؤلات المتقدمة، تقول البروفيسورة آن ماري عميدة جامعة "برينستون"، "إننا نخسر الحرب على الإرهاب لأننا نتعامل مع العرض وليس مع الأسباب الجوهرية وراء المرض، إن إصرارنا على إحلال تلك الجماعات الإرهابية محل الشيوعية كعدو للغرب يغذي رؤية (القاعدة) للعالم، مما يزيد من الدعم الذي يقدم لها، ويدفع المثيرين في الوقت نفسه باتجاه التطرف".

أما المتخصص الأميركي السابق في قسم مكافحة الاستخبارات الأجنبية آلن كوهين فيذهب إلى أنه "كان مشروعاً فاسداً من البداية. إن شن الحرب على الإرهاب أشبه بما يكون بشن الحرب على الغضب"، ويضيف "إنك لا تشن الحرب على الإرهاب بل على البشر"، ويكمل قائلاً "إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط قد حولت العراق إلى أفغانستان جديدة مما أسهم في تجنيد مزيد من الإرهابيين، ودفع آخرين نحو التطرف".

هل أفريقيا ماضية في طريق الأفغنة الجديدة؟

المزيد من تقارير