حذّر اقتصاديون من أن يؤدّي تفشي فيروس كورونا إلى إغراق معظم دول أوروبا في ركودٍ اقتصاديّ، وخفض النموّ العالمي إلى النصف هذا العام.
وأشارت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD في تقرير حديث لها إلى احتمال دخول منطقة اليورو التي تضمّ عدداً من أكبر اقتصادات أوروبا حالة انكماش اقتصادي خلال أشهر. واعتبرت الأسبوع الماضي أنّ النموّ العالمي قد لا يتخطّى نسبة 1,5 في المئة هذا العام، مقارنةً بتلك المتوقعة في بيانات سابقة والتي بلغت 2,9 في المئة.
وأضافت المنظمة التي تمثّل 36 دولة غنية أن اليابان قد تتعرض هي الأخرى أيضاً لركود اقتصادي. ونبّهت إلى أنّ فيروس كورونا الذي يُعرف بـ"كوفيد 19" يمثّل التهديد الأبرز للنموّ الاقتصادي العالمي منذ الأزمة المالية العالمية. واعتبرت أن بإمكان المرض أن يتسبّب بـ "سيناريو تأثير الدومينو" تشهد فيه دول متقدمة أخرى، الأثر الهائل ذاته الذي أحدثه فيروس كورونا في الصين، ممّا سيلحق ضرراً كبيراً بثقة المستهلك والسفر والإنفاق.
في غضون ذلك، تتوقع المنظمة في تقريرها أن يعاني اقتصاد الصين من تراجعٍ حاد وقصير الأمد مع هبوط نسبة النموّ من 6,1 في المئة عام 2019 إلى أقلّ من 5 في المئة العام الحالي، قبل أن يستعيد زخمه من جديد في 2021.
في هذا السياق، قالت لورانس بون، وهي كبيرة الاقتصاديين في المنظمة، إنّ "الفيروس يهدّد بتوجيه ضربة أخرى إلى الاقتصاد العالمي الذي أضعفته سلفاً التوترات التجارية والسياسية في الأساس... ينبغي على الحكومات أن تتحرّك فوراً لاحتواء تفشي الوباء ودعم نظام الرعاية الصحية وحماية الأشخاص ودعم الطلب وتوفير طوق نجاةٍ ماليّ للعائلات والأعمال التجارية الأكثر تأثراً".
وذكرت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" أنّه يجب السماح للموظّفين بالعمل من المنزل وذلك بهدف التخفيف من حدّة التداعيات الاقتصادية. كما حثّت الحكومات على تقديم الدعم للقطاعات الأكثر تأثراً بفعل انتشار الفيروس كقطاعات السفر والسياحة وصناعة السيارات والصناعات الإلكترونية. ودعت البنوك المركزية إلى تأمين المزيد من السيولة للمصارف حتى تتمكّن من مدّ يد العون للأعمال التي تعاني بشكل مباشر مشاكل تتّصل بتوفر النقد.
ولفت التقرير أيضاً إلى أنّه في حال انتشار الوباء بشكلٍ أوسع، يجب على مجموعة العشرين أن تشكّل رأس حربة في قيادة إطار عملٍ يجري تنسيقه دولياً ويشتمل على دعم الرعاية الصحية إلى جانب حوافز مالية وضريبية منسّقة لإعادة بناء الثقة.
ووسط التجاذبات التجارية والشكوك السياسية المهيمنة، كانت أوروبا واليابان تواجهان أصلاً نموّاً متباطئاً قبل بدء فيروس كورونا الجديد بالانتشار. وأدى احتمال تفشّيه إلى حصول عمليات بيعٍ متسارعة في سوق الأسهم عالمياً أخيراً، بينما رزح المستثمرون تحت تأثير إغلاق المعامل وتعليق الرحلات الجوية والخلل في تسليم السلع.
يُذكر أنّ مؤشر فوتسي 100 استعاد بعض خسائره الأسبوع الفائت، إذ ارتفع بنسبة 1 في المئة عن معدله في نهاية الأسبوع الذي سبقه. ولن تشعر الأسواق بمزيد من الطمأنينة بسبب تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، أو من البيانات المنفصلة التي تظهر أن ركوداً قد أصاب القطاع الصناعي الصيني.
وتراجعت نشاطات المعامل خلال فبراير (شباط) الماضي بشكل حاد بعدما كانت تشتغل بأسرع وتيرة لها وانخفضت إلى مستويات غير مسبوقة مع تسبّب إجراءات مكافحة الفيروس بإيقاف بعض خطوط الإنتاج.
وأظهر مؤشر مشتريات المدراء للقطاع الصناعي نشرته مجلّة "كايكسن" تراجعاً إلى 40,3 بعدما بلغ 51,1 في يناير (كانون الثاني) الماضي، علماً أنّ قراءة أقلّ من مستوى 50، تدلّ على الانكماش.
ومع اعتماد عددٍ كبيرٍ من الشركات والبلدان على استيراد السلع من الصين، سيبدأ هذا التباطؤ تأثيره في الواردات عالمياً خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
ماذا جاء في تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"؟
يظهر السيناريو الرئيس أو "الأساسي" أنّ النموّ الاقتصادي العالمي سيتراجع هذا العام إلى 2,4 في المئة من نسبة 2,9 في المئة التي كانت متوقعة قبل نوفمبر (تشرين الثاني). بيد أنّ التقرير حذّر أيضاً أنّ الغموض الشديد ما زال يلفّ الأثر الاقتصادي جرّاء فيروس كورونا، وقد يشهد النمو هبوطاً أكبر بكثير ليسجّل 1,5 في المئة هذا العام.
وتقول المنظمة في تقريرها إن هذه التعديلات لخفض المعدلات المتوقعة ذات العلاقة، ناتجة من تباطؤ في الصين، حيث أُقفلت المدن وأبواب المصانع لاحتواء الفيروس. ومن المتوقع أن تلحق أضرار اقتصادية بالبلدان التي ترتبط بشكلٍ وثيق بالصين على غرار اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتقد المنظمة أنّ السيناريو الأقرب إلى الواقع هو أن تتلاشى تأثيرات الفيروس في وقت قريب نسبياً. ففي حال اتخذت البلدان الأكثر عرضة للفيروس تحركاً فعلياً لتخفيف آثاره، من الممكن أن ينتعش النمو العالمي ليبلغ 3,4 في المئة العام المقبل.
ماذا عن "سيناريو تأثير دومينو"؟
تعتبر المنظمة أنّه "من شأن تفشّي فيروس كورونا لفترةٍ أطول وبحدّةٍ أكبر وانتشاره بشكلٍ واسع في منطقة آسيا والمحيط الهادىء وفي أوروبا وأميركا الشمالية، أن يضعّف الاحتمالات والفرص بشكلٍ هائل".
وفي ظلّ هذا السيناريو، ستشهد اقتصادات أوروبا وأميركا الشمالية تراجعاً كبيراً بسبب الفيروس. كما سيتأثّر الطلب على السلع بشكلٍ ملحوظ في معظم دول العالم على مدى فترةٍ أطول، مع احتمال تأثر البلدان التي تقدم 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في هذا السياق، قد لا تفرض البلدان الأخرى قيوداً صارمة على الحركة كما تفعل الصين ولكن من المحتمل أن تكون الآثار الاقتصادية مشابهة للغاية. ومن شأن هذا أن يصيب الثقة بالكثير من الأذى، ممّا سيعزّز الشكوك، بينما ستؤدّي القيود الطوعية على السفر والفعاليات الاقتصادية والرياضية إلى تراجع الإنفاق.
هكذا لم يستبعد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك الأسبوع الماضي إقفال مدن بأكملها في حال تفشّى الفيروس بشكلٍ واسع في البلاد. وحين سُئل في لقاء له مع برنامج "آندرو مار" على القناة الأولى التابعة لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) عن إمكانية اتّباع حجر صحي شبيه بأسلوب ووهان الصينية، أجاب الوزير أنّه لا يستبعد أيّ إجراء في هذه المرحلة. وأضاف "لا شكّ أننا نشهد تراجعاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً جرّاء ذلك، ولكننا لن نستبعد أيّ خيارٍ مطروح على الطاولة في هذه المرحلة لأنّه علينا التأكّد أننا نملك الوسائل المتاحة كافة في حال كان ذلك ضرورياً".
© The Independent