في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها قطاع النقل الجوي، نحو مزيد من عزلة العالم دعا الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" حكومات العالم إلى الاستعداد جيداً للتعامل مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس "كوفيد-19"، والاستجابة بشكل سريع لمعالجة الأداء المالي المتراجع لشركات الطيران، واتباع توصيات منظمة الصحة العالمية.
وتقدّر منظمة النقل الجوي الدولية، وهي مجموعة تجارية لشركات الطيران، أن يخفض وباء كورونا من إيرادات شركات النقل ما بين 63 مليار دولار و113 مليار دولار اعتماداً على مدى انتشاره وعمقه. وقالت المجموعة نفسها إن الهجمات الإرهابية في عام 2001، والتي دمّرت صناعة الطيران الأميركية، كان لها تأثير أقل مقارنة بتداعيات كورونا، حيث خفّضت الإيرادات بنحو 20 مليار دولار.
وتتجه شركات الطيران في العالم إلى خفض الرحلات، وتجميد التوظيف، وتقديم إجازات طوعية غير مدفوعة الأجر، وتأخير إسهامات التقاعد الطوعية، وتعليق إعادة شراء الأسهم، في محاولة لوقف نزيف الخسائر التي تتعرض له بفعل الجرح الغائر في خاصرتها، والذي خلّفه كورونا والذي سيبقى دامياً، بحسب المحللين حتى بعد انتهاء الوباء.
كورونا يدمي شركات الطيران الأميركية
في الولايات المتحدة ومع تفشي وباء كورونا في 11 ولاية بإصابات تصل إلى نحو 2000 إصابة وأرقام وفيات في تصاعد، أعلنت مجموعة الخطوط الجوية الأميركية عن مزيد من الخفض في جدول رحلاتها عبر الأطلنطي مع تقليل الخدمة إلى أميركا الجنوبية حتى منتصف أبريل (نيسان) المقبل، كما أعلنت عن تعليق جميع رحلاتها الجوية إلى الأرجنتين بسبب الذعر الذي خلفه تفشي وباء كورونا، مما دفع آلاف المسافرين إلى إلغاء رحلاتهم.
وقالت الشركة إنها ستواصل تشغيل الرحلات من وإلى أوروبا حتى سبعة أيام. وأضافت شركة الطيران أنه من المتوقع أن تستأنف الرحلات الجوية المعلقة في وقت مبكر من 7 مايو (أيار).
وتوقعت يونايتد أيرلاينز خسارة مالية في الربع الأول من هذا العام للمرة الأولى منذ ست سنوات. وقالت يونايتد إن مبيعات التذاكر في الولايات المتحدة انخفضت من 25 في المئة إلى 70 في المئة في الأيام الأخيرة بعد إلغاء ضخم للرحلات، والذي يعدّ الأسوأ في آسيا وأوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إلغاء الاجتماعات والمعارض في العالم، فرغت مقصورات الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال من المسافرين. في الوقت ذاته، لم تفلح جُهود شركات الطيران في جذب المسافرين، فعادةً ما تحاول شركات الطيران جذب المسافرين المترددين عن طريق خفض أسعار التذاكر، ولكن تفشي كورونا حال دون ذلك، وقد علّق رئيس "دلتا جلين هاوينشتاين" على ذلك بالقول "إذا كنت خائفاً من الطيران، فربما ستبقى خائفاً مهما كان ثمن التذكرة".
يقول الرئيس التنفيذي لشركة ساوثويست إيرلاينز، جاري كيلي، إن تفشي المرض قد يكون أسوأ بالنسبة إلى شركات الطيران من الهجمات الإرهابية عام 2001. وتعتقد المجموعة التجارية الصناعية أن الوضع سيكون أكثر ضرراً.
وقالت شركة دلتا إيرلاينز، يوم الثلاثاء، إن الطلب على السفر انخفض بشدة في الأسبوع الماضي لدرجة أنها تتوقع أن يكون ثلث المقاعد فارغا هذا الشهر على الرحلات الجوية داخل الولايات المتحدة. وأضافت أكبر شركة طيران في العالم من حيث الإيرادات أن صافي الحجوزات انخفض بنسبة 25 في المئة إلى 30 في المئة في الأسبوعين الماضيين ويمكن أن يزداد سوءاً، وستنخفض الرحلات الدولية بنسبة 20 في المئة إلى 25 في المئة، وستقل رحلات الولايات المتحدة 10 في المئة إلى 15 في المئة، وهو ما يقارب التخفيضات التي أعلنتها الخطوط الجوية المتحدة سابقاً.
فترة استثنائية
دعوات "إياتا" جاءت في أعقاب قرار الحكومة الأميركية الأخير بخصوص حظر دخول المواطنين غير الأميركيين والأفراد ممن لا يملكون إقامة دائمة شرعية في الولايات المتحدة، والذين كانوا في منطقة شنغن خلال الأيام الـ 14 الماضية قبل دخولهم إلى أميركا.
وتعليقاً على ذلك، قال ألكساندر دي جونياك، المدير العام والرئيس التنفيذي للاتحاد الدولي للنقل الجوي "نشهد حالياً فترة استثنائية تفرض على الحكومات اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لضمان السلامة والصحة العامة للمجتمع المحلي والعالمي، وهذا جانب تلتزم به شركات الطيران، إذ تحرص على تطبيق جميع التوصيات والتعليمات ذات الصلة. ولكن على الحكومات أن تدرك أيضاً حجم الضغوطات المالية والتشغيلية التي تتعرض لها شركات الطيران، ولا سيما أن هناك نحو 2.7 مليون شخص يعمل فيها، مما يستدعي الحاجة إلى توفير الدعم لهذا القطاع أيضاً".
التأثير الاقتصادي
دعا الاتحاد الدولي للنقل الجوي جميع الحكومات للاستعداد جيداً للتعامل مع النتائج الاقتصادية السلبية التي ستنتج عن اتخاذ مثل هذه التدابير. والتي سيكون لها أبعاد عديدة على حركة سوق السفر بين الولايات المتحدة وأوروبا.
في عام 2019، بلغ إجمالي عدد الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة ودول الشنغن 200 ألف رحلة، بمعدل 550 رحلة في اليوم. وبلغ إجمالي عدد المسافرين نحو 46 مليون، بمعدل 125 ألف مسافر في اليوم. وعلى الرغم من مراعاة الولايات المتحدة في إجراءاتها الأخيرة ضرورة الحفاظ على حركة التجارة عبر المحيط الأطلسي، فإن العواقب الاقتصادية ذات الصلة ستكون كبيرة.
وأضاف دي جونياك "يجب على الحكومات المسارعة في اتخاذ التدابير الاحترازية التي تراها مناسبة لمنع تفشي الفيروس. كما يجب عليها الاستعداد لتقديم الدعم اللازم للتخفيف من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الناجمة عن مثل هذه التدابير. ولا سيما أن قطاع النقل الجوي يعدّ من العوامل المحفزة لنمو وتطور الاقتصاد. لكن تعليق الرحلات الجوية على هذا النطاق الواسع سيؤثر سلباً على الاقتصاد. لذا يجب على الحكومات إدراك تداعيات هذا الأمر جيداً واتخاذ التدابير اللازمة لتقديم الدعم المناسب".
الجدوى المالية لشركات الطيران
تواجه شركات الطيران حالياً العديد من التحديات الصعبة بسبب أزمة فيروس كورونا وتأثيرها المباشر على أعمال شركات القطاع، حيث قدّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي في 5 مارس (آذار) 2020 حجم الخسائر المحتملة في الإيرادات بسبب هذه الأزمة بنحو 113 مليار دولار. ولكن هذه التقديرات لم تشمل تلك الخسائر التي قد تنجم عن مثل هذه الإجراءات المطبقة أخيرا من الولايات المتحدة وحكومات أخرى، مثل إسبانيا والكويت.
وستزيد هذه الإجراءات والتدابير الوقائية، ولا سيما التي فرضتها الولايات المتحدة، من الضغوطات المالية على القطاع. ففي عام 2019، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية ودول منطقة شنغن 20.6 مليار. وتشمل قائمة الأسواق الأكثر تضرراً كلاً من السوق الأميركية- الألمانية (4 مليارات دولار أميركي)، والسوق الأميركية-الفرنسية (3.5 مليار دولار)، والسوق الأميركية- الإيطالية (2.9 مليار دولار).
وقال دي جونياك "ستفرض هذه الإجراءات المزيد من الضغوطات على حركة السيولة النقدية لدى شركات الطيران. وشهدنا أخيرا كيف دفع فيروس كورونا وما رافقه من إجراءات وتدابير احترازية شركة (فلاي بي) البريطانية إلى الإفلاس. وهذا ما قد تشهده شركات أخرى بعد إعلان الولايات المتحدة عن الإجراءات الأخيرة، ما سيدفع شركات الطيران إلى اتخاذ إجراءات طارئة لتجاوز هذه الأزمة. وبالتالي، يجب على الحكومات إيجاد أي وسائل ممكنة لمساعدة قطاع الطيران لتجاوز هذه الظروف العصيبة، مثل توسيع خطوط الائتمان، وخفض تكاليف البنية التحتية، وتخفيف الأعباء الضريبية وغيرها. وعلينا ألا ننسى أن قطاع النقل الجوي من القطاعات الحيوية والمهمة، ولكن من دون الدعم اللازم من الحكومات، سنواجه بكل تأكيد أزمة مالية خطيرة على مستوى القطاع لا تقل أهمية عن حالة الطوارئ الصحية العامة".
توصيات منظمة الصحة العالمية
لا تؤيد منظمة الصحة العالمية فرض أي قيود على حركة السفر والتجارة بين الدول التي تشهد حالات إصابة بفيروس كورونا، حيث أصدرت في فبراير (شباط) الماضي عددا من التوصيات والتي تنصّ على عدم الحاجة لفرض قيود على حركة السفر، والتي من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على حركة النقل الدولية، إلا في الفترة الأولى من تفشي الفيروس، وذلك فقط لإتاحة بعض الوقت حتى تستطيع الدول الاستعداد جيداً للتعامل مع حالات الإصابة به واتخاذ التدابير الوقائية منه. ويجب أن تستند هذه القيود إلى تقييم دقيق للمخاطر، وأن تكون متناسبة مع مخاطر الصحة العامة، وتطبّق خلال فترة قصيرة، على أن يعاد النظر فيها بانتظام مع تطور الحالة العامة".
وفي الختام، قال دي جونياك "نحثّ الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي فرضت قيوداً على حركة السفر على اتباع إرشادات وتوصيات منظمة الصحة العالمية. فالأوضاع في تطور متسارع، ونحن نشارك حكومات العالم في إيلاء الأولوية لكل ما يتعلق بصحة وسلامة المجتمع. ولكن نشدد أيضاً على ضرورة المراجعة الدائمة لفعالية القيود المفروضة على حركة السفر ومدى تأثيرها على الاقتصاد وأداء القطاع".