مطلع كلّ صباح، يجلس الصياد خميس الهسي في خيمته الصغيرة التي تطل مباشرة على شاطئ بحر قطاع غزّة، تحيط به خيوط خضراء طويلة، جلبها معه من منزله والعديد من شباك الصيد الخاصة به. يتفقدها باستمرار بحثاً عن الأماكن الممزقة، ليقوم بإصلاحها قبل البدء في رحلة صيدٍ جديدة.
على هذه الحالة يقضي الهسي أوّل ثلاث ساعات من يومه، عاملاً على خياطة الأماكن الممزقة في شباك الصيد التي يستخدمها، بمعدات بسيطة وطرق بدائية جداً، فوضعه الاقتصادي لا يُمكّنه من شراء معداتٍ جديدة.
خسائر يومية
تتمزق شباك الصيد مع الهسي بشكلٍ يومي، ويرجع ذلك إلى مهاجمة الأسماك الكبيرة للغزِل (مصطلح يطلقه الصيادون في غزّة على شباك الصيد)، أو نتيجة ارتطامها بالصخور المنتشرة على طول ساحل القطاع. غير أنّ ممارسات إسرائيل تجاه الصيادين الفلسطينيين أثناء الإبحار تعد سبباً رئيساً في الإتلاف، فجنودها يشعلون النار في المعدات ويطلقون النار على الصيادين.
يصف الهسي رحلته في البحر بالمعركة داخل المياه. ففي كل يوم هناك خسائر، خصوصاً في شباك الصيد التي تتمزق باستمرار، وعادة ما يعود إلى الشاطئ ومعظم غزلِه ممزق ويحتاج إلى ترقيع سريع، ليتمكن في اليوم التالي من النزول إلى عرض البحر.
مهنة مرهقة
يقول "صيانة شباك الصيد وإعادة حياكتها من جديد متعبة جداً وتحتاج إلى كثير من الصبر. كما أن لها أدوات خاصة غير متوفرة في القطاع باستمرار، نتيجة إغلاق المعابر والحصار المفروض على غزّة منذ 14 عاماً".
تعلّم الهسي صيانة الشباك من جده الصياد. ويقول "مهنة حياكة وصيانة الغزل قديمة جداً، لكنها اختفت فترة طويلة عندما كانت الأوضاع في القطاع مستقرة، لكن بعد فرض الحصار وتشديده، عاد الصيادون إلى هذه المهنة".
صنارة خشبية وخيط حرير
لصيانة التمزق في زوايا الشباك، يستخدم الهسي صنارة خشبية أو بلاستيكية، وفق نوع الشباك المستخدم. يحيك التمزق بواسطة خيوط حريرية، وفي بعض الأحيان يستخدم النايلون المقوى.
يحيك الهسي الخيوط الحريرية مع خيوط الشباك الأصلية، في محاولة منه لترقيع التمزق الموجود فيها. ويحتاج ترقيع 20 سنتيمتراً إلى حوالى نصف ساعة.
يعمل الهسي منحني الظهر، ما يسبب له آلاماً مزمنة أسفل ظهره، نظراً للانحناء لفترات طويلة أثناء عملية ترميم الشباك، إضافة إلى إحداثها ضعفاً حاداً في البصر نتيجة ضيق فتحات الشباك.
في العادة، يلجأ الهسي والكثير من الصيادين إلى ترقيع وصيانة شباك الصيد على الرغم من عدم صلاحيتها للصيد من جديد، لكن ارتفاع أسعار الشباك وعدم وفرتها في القطاع بشكل مستمر، جعلا الصيادين يلجؤون إلى صيانة الشباك غالباً.
سياسة إسرائيلية
في الواقع، تسمح إسرائيل بدخول شباك الصيد إلى القطاع لكنها تمنع إدخال الخيوط الحريرية أو البلاستيكية، في حين يصل سعر الشبكة الواحدة (10 أمتار) إلى 100 دولار أميركي.
وكذلك تمنع السلطات الإسرائيلية دخول ماكينات حديثة ومخصصة لصناعة الشباك عبر المعابر الحدودية التي تسيطر عليها.
وتعتمد عملية صيانة الغزل على نوعية السمك الذي ينوي الصياد اصطياده، فيُحدد حجم فتحة الشباك (يطلق عليها الصيادون اسم العين)، وهي التي تتحكم في نوعية السمك المراد صيده.
بطالة في قطاع الصيد
يمتهن حياكة الشباك قرابة 400 صياد فلسطيني. وهذه المهنة تعد من أقدم الحرف التقليدية التي عرفتها فلسطين، وانتقلت من الأجداد إلى الأبناء منذ مئات السنوات.
في قطاع غزّة، وصلت نسبة البطالة إلى حوالى 65 في المئة بين صفوف العمال، وقرابة 30 ألف عاطل من العمل بين الخريجين، وكذلك وصلت نسبة الفقر إلى حوالى 70 في المئة، ونسبة الفقر المدقع إلى حوالى 12 في المئة.
وفي مهنة الصيد، يعمل حوالى 4 آلاف صياد، يعيلون نحو 70 آلاف مواطن، في حين فقد 300 صياد مصدر رزقهم الوحيد بشكل نهائي، لينضموا إلى قائمة العاطلين من العمل، بعد قيام البحرية الإسرائيلية بمصادرة مراكبهم وتدميرها، فيما قتل صيادان خلال العامين الماضيين، وجرح أكثر من 47، بالإضافة إلى اعتقال عدد منهم.
وفضلاً عن ذلك، لم ينزل حوالى 3 آلاف من الصيادين إلى المياه، بسبب الممارسات الإسرائيلية وتضييق مساحة الصيد لأكثر من مرة، وكذلك لعدم وجود أسماك في المياه المسموح الإبحار فيها. وهكذا، تزداد نسبة العاطلين من العمل في قطاع الصيد، وتصل إلى 70 في المئة بحسب نقابة الصيادين الفلسطينيين.
وبحسب اتفاقية أوسلو 1993، فإنّه من المفترض أن يبحر الصياد الفلسطيني إلى مساحة تصل إلى 22 ميلاً بحرياً، لكن إسرائيل لم تسمح لهم في أحسن الأحوال بالإبحار حتى 12 ميلاً. وبعد سيطرة حركة "حماس" على سدة الحكم في غزّة، باتت المساحة المسموحة تتراوح ما بين ستة إلى تسعة أميال بحرية.