أعلن لبنان رسمياً قراره عدم دفع ديونه بالعملات الأجنبية كلها باستحقاقات تمتد حتى عام 2035 وبقيمة إجمالية تبلغ 30 مليار دولار، لتبدأ مع هذا الإعلان رحلة المفاوضات في زمن شح السيولة العالمية وانهيار الأسواق وركود الاقتصادات بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد الذي أصبح رسمياً أيضاً وباءً عالمياً.
بيان وزارة المال
ربطت وزارة المال توقف لبنان عن دفع كل مستحقات سندات اليوروبوند بالعملات الأجنبية مع انطلاق خطة الحكومة الآيلة إلى إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد اللبناني وإنعاشه في ظل عدم الاستقرار السائد في العالم.
وبيّنت الوزارة أن هذه الخطوة تأتي للحفاظ على احتياطي العملات الأجنبية في البلاد نظراً إلى الضغوط المتزايدة على الولوج إلى العملات الأجنبية، كما ستتخذ الحكومة الإجراءات التي تعتبرها ضرورية لإدارة احتياطي لبنان المحدود من العملات الأجنبية بحكمة وحذر. وبيّنت التزام الحكومة بشكل صارم بمبادرتها الثلاثية المحاور، الخاصة بالإصلاح الاقتصادي وتطوير خطة اقتصاد كلي مستدامة لتصحيح وضع الاقتصاد اللبناني عبر:
- إعادة الاستدامة إلى المالية العامة من خلال إعادة هيكلة الدين العام واعتماد سلسلة من التدابير المالية.
- إرساء بيئة مؤاتية للنمو من خلال برنامج إصلاحي هيكلي شامل يتضمّن تدابير آيلة إلى تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد.
- إعادة الاستقرار إلى النظام المالي وإصلاحه من خلال إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
كما وبحسب وزارة المال، تعتزم الحكومة إجراء "محادثات حسن نية" مع دائنيها في أقرب وقت ممكن عملياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، تخطط وزارة المالية إجراء تبيان للمستثمرين (Investor Presentation) في 27 مارس (آذار) 2020. وتم إعطاء توجيهات إلى المستشارين الماليين للبنان، أي شركة لازارد المالية (Lazard Frères)، ليباشروا بالترتيبات المناسبة في ظل الظروف الحالية لتسهيل هذه المحادثات.
تأمين ديون لبنان من الأغلى عالمياً
ارتفعت كلفة التأمين على الديون السيادية اللبنانية بعد إعلان التعثر رسمياً إلى 15000 نقطة أساس للديون الممتدة على فترة الخمس سنوات المقبلة لتصبح ثاني أعلى كلفة حول العالم بعد الأرجنتين وفقاً لمؤشر "Markit Emerging Markets".
كما بات على مؤسسات التأمين على الديون اللبنانية دفع تعويضات بنحو 400 مليون دولار لحاملي السندات السيادية اللبنانية بعد تخلّف بيروت عن تسديد استحقاق اليوروبوند البالغ 1.2 مليار دولار مطلع هذا الشهر بقرار ملزم من لجنة مقايضات التخلف عن السداد الائتماني.
بيان المالية يغازل صندوق النقد
يرى الأستاذ في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير أن "البيان الصادر عن وزارة المالية لافت في توقيته باعتبار أن لبنان أصبح ومن جانب واحد متخلف عن السداد منذ 9 مارس (آذار) الماضي".
وبحسب صفير، "تستبق الحكومة المفاوضات للتأكيد مرة جديدة وبوضوح على عدم قدرة لبنان على الدفع. ويحمل البيان اليوم أيضاً رسالة إلى المجتمع الدولي وتحديداً صندوق النقد .وفي هذا الموضوع، ربط البيان الوضع الحالي بسلسلة إجراءات ضرورية لإدارة احتياطي لبنان المحدود وسلّط الضوء بوضوح، على أن الوضع المتعلق بالسيولة والملاءة أصبح بخطر ويجب إرساء الإصلاح الاقتصادي الذي يُدخِل معايير جديدة لإدارة موجبات الدولة".
كان باستطاعة لبنان بحسب صفير إعلان التعثر فقط، إلا أن إضافة البيان جملة إصلاحات جوهرية ومركزية، تأتي تماشياً مع الخطة التي تكلم عنها البيان الوزاري، يُعدّ استباقاً للمفاوضات ورسالة إيجابية باتجاه المجتمع الدولي لأن لبنان يسير من دون مساعدات جدية وخطط إنقاذ. وأضاف أن "لبنان أصبح بواقع الانهيار وضغوط الكورونا على الاقتصاد المتعثر هي اليوم بمثابة الضربة القاتلة".
أما عن المفاوضات، فيؤكد صفير ضرورة أن تكون "جدية وسريعة ونتائجها واضحة مع الدائنين، لأن لبنان سيصبح فعلياً وفي حال فشلت المفاوضات، متخلفاً عن موجباته تجاه الدائنين". وزاد أن "عدم الاتفاق مع أكثرية الدائنين على إعادة الهيلكلة أو إعادة جدولة الدين، تعرض لبنان للملاحقات القانونية ووضع اليد على أصوله في الخارج، وهو ما يعرض بدوره المؤسسات التي يمكن للمحاكم الأجنبية اعتبارها تابعة للدولة اللبنانية ومنها مصرف لبنان والشركات التي يملكها، للحجز في ظل اعتبار الأملاك العامة مكفولة بموجب القانون الدولي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأزمة المالية العالمية فرصة أمام الحكومة
وفي وقت أخذ انتشار وباء كورونا اقتصادات العالم إلى الركود وكبّد كبرى الشركات خسائر بالمليارات، يأتي اليوم تعثر لبنان كفرصة أمام الحكومة لتحسين وضعها التفاوضي بحسب الأستاذ الجامعي في الاقتصاد الدولي، الدكتور كامل وزني، الذي قال إن "لبنان هو واحد من دول عدة ديونها متعثرة وبحاجة إلى إعادة الجدولة مع المحافظة على حقوق الدائنين. ويحاكي الموقف المعلَن اليوم رسمياً من وزارة المالية الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعيشه لبنان في ظل الأزمة المالية والسياسات الخاطئة التي أنتهجها منذ أكثر من 20 سنة. ولكن مع الاعتراف بالخطأ والتعثر والمبادرة إلى بدء المفاوضات، يأتي اليوم الواقع العالمي والإقليمي ليعطي لبنان ظرفاً أفضل للتفاوض على ديونه وطبعاً ربما تتفهم أكثرية الدائنين اليوم الوضع المالي المتأزم الذي يعيشه هذا البلد".
ويرى وزني أن "لبنان يسعى إلى الحفاظ على سمعة جيدة كما يريد أن يكون متعاوناً مع الدائنين الذين يحتاجون بدورهم إلى علاقة جيدة مع لبنان .وما حصل اليوم من تعهدات على المستوى الحكومي فيه الكثير من الصراحة والشفافية". وزاد أن "لبنان أمام أزمة حقيقة وبحاجة إلى الوقت لإعادة صياغة الاقتصاد والديون والتركيبة الاقتصادية .وستفهم الشركات التي تعاني اليوم من انهيارات رسالة وزارة المالية. كما أن تعثر لبنان ليس بكبير نظراً إلى الأسواق العالمية والخسائر في الاقتصادات العالمية والأسواق".
إذاً يبدو أن التعثر عن السداد أصبح اليوم خلف لبنان الساعي بإيجابية إلى المجتمع الدولي للوصول إلى حلول تضمن عدم انزلاقه في العزلة الدولية، كما تضمن عدم وقوعه في فخ نضوب احتياطياته من العملات الأجنبية في اقتصاد مدولر (يعتمد الدولار) وغير منتج.