تقول بولا سبنسر التي تدير مركز الخدمات المجتمعية في ثانينغتون، المقاطعة المحرومة على أطراف كانتربري، "أوصلتُ معونات غذائية لأربع عائلات هذا الصباح". اتصلت بها عائلتان طلباً للمساعدة لأن عوارض فيروس كورونا ظهرت عليهما، وعائلتان لأنهما بحاجة للأكل ببساطة.
تغيب آثار التهافت على الشراء بدافع الهلع عن ثانينغتون التي يعيش فيها نحو 2700 شخص ويقع على مقربة منها متجر من سلسلة موريسونز. لكن نيك إيدن غرين، عضو حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي ينتمي إلى المجلس المحلي في هذه المنطقة من كانتربري يشرح، أن ضبط النفس لا يعود لعدم شعور الناس بالقلق من نقص المواد بل سببه أنّ الكثيرين "لا يملكون ما يكفي من المال لشراء المواد بكميات كبيرة وحتى لو كان معهم المال فلا يملكون السيارات لنقل الكثير من السلع".
تحدّثت إلى سبنسر عبر الهاتف بعد ظهر الخميس وكانت نبرتها تحمل قدراً من الإحباط بالفعل. وشرحت لي أنّ المشكلة تكمن في أنّ بنوك الطعام في كانتربري التي أصبح كثيرون في ثانينغتون يعتمدون عليها، تعتمد بدورها على متطوّعين هم غالباً من كبار السن أو المتقاعدين- ولأنهم عرضة للإصابة بفيروس كورونا والتزاماً بإرشادات الحكومة، لازم كثير منهم منزله.
هذا لا يعني أن الشراء بدافع الهلع لا يحدث. زرت أكبر فرع محلي لسلسلة متاجر ساينسبوري قبل أسبوع حيث كانت معظم الرفوف مليئة بالبضاعة ما عدا ورق المراحيض ومناديل المطبخ والشوربة المعلّبة أو المجففة والقهوة. لكن أحد الأصدقاء الذي قصد المكان هذا الصباح أشار إلى اختفاء "الخبز والخضروات والفواكه الطازجة والبيتزا- ومعظم البيرة".
ينهار مسار الحياة الطبيعية في كانتربري بسرعة أكبر من سرعة جهود الحكومة والسلطات المحلية والمتطوعين في مساندته. بعد ساعات قليلة على انتهاء حديثي مع سبنسر، أرسلت لي بريداً إلكترونياً جزعاً "جاءني جمع من الناس منذ تحدثت إليك يقولون إن أرباب عملهم سرّحوهم منذ اليوم. والسيدة التي غادرت للتوّ لديها 3 أطفال وتعمل في مطبخ إحدى المدارس التي قالت لها، إنها مضطرة أن تأخذ إجازة غير مدفوعة لمدة أربعة أسابيع ابتداءً من اليوم، وإن مرضت لن تقبض أي مخصصات مرضية. ماذا سيفعل هؤلاء؟ أنا أشعر بفرط من العجز والقصور ولا وجود لأي إرشادات من أي جهة".
سوف يسوء الوضع أكثر بكثير مع تقدّم فيروس كورونا نحو شرق منطقة كنت (Kent). فقد سُجّلت إصابة بالفيروس لشخص في مستشفى ويليام هارفي في آشفورد. وقال لي صديق "لم تقوَ المستشفيات الرئيسية الثلاثة على التكيف مع الأوضاع قبل الأزمة ولن تقدر على ذلك الآن بالطبع".
سيكون أكثر المتضررين كل أولئك الذين وقعوا ضحية عَوزِ تغلغل خلال عقد من التقشف. كانتربري مدينة تكثر فيها وظائف الحانات والمطاعم والفنادق أو الأعمال الحرة والمؤقتة. ويقول أليكس لستر، منسّق الحملات الاجتماعية، "يعتبر أصحاب هذه الأماكن أنه من المنطقي أكثر بالنسبة لهم أن يسرّحوا عمالهم الآن ويعيدوا توظيفهم بعد انتهاء الأزمة من أن يأخذوا قروضاً حكومية سيضطرون إلى إعادتها". جاء هذا الكلام قبل إعلان وزير المالية ريشي سوناك عن إجراءات هدفها مساعدة العمال المتضررين من انتشار الفيروس.
من السهل جداً الوقوع في حال من الكآبة والخوف بسبب مستقبل البلاد والعالم مع انتشار الجائحة لكن هناك أيضاً قوى نافذة تعمل من أجل ضمان استمرار المجتمع وتحرص على منع تفككه. إد ويذرز هو مؤسس ومنظم مجموعة سكان كانتربري على شبكة الإنترنت التي انضمّ إليها 37 ألف شخص على "فيسبوك"، وهي المنصة القوية ذات التأثير العالي التي يقصدها سكان منطقة كانتربري للحصول على أخبارهم المحلية والتعبير عن آرائهم. ويقول، إن الحكومة لا تنفك تتحدث عن "الابتعاد الاجتماعي" بينما ما علينا الحض عليه هو "الابتعاد الجسدي والتكافل الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا ينوي ويذرز أن يستخدم صفحة المجموعة على "فيسبوك" كي يجمع آلاف الأشخاص الراغبين بالتطوع ويصلهم بالقطاعات التي بأمسّ الحاجة للمساعدة. وإنجاز هذا العمل ليس سهلاً: ويقول ليستر الذي كان يعمل لصالح منظمة خيرية معنية بهذا الموضوع، إن "تنسيق عمل المتطوعين يتطلب دائماً جهداً جباراً". ويعتقد أن أُفضل المقاربات هي اللجوء إلى سياسات وتجارب المنظمات الخيرية التي سلكت هذا الطريق قبلاً.
ومن نقاط الضعف الجوهرية في عملية محاربة الفيروس أن الكثير من العمل سيقع على عاتق المنظمات البلدية والحكومية التي أفقرتها سنواتٌ من التقشف فرضتها الحكومة عليها. وكل هذه المؤسسات، بدءاً بمجلس كانتربري البلدي ووصولاً إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية قد أنهكت وحُرمت من التمويل. ولا يمكن إنعاش قدراتها التشغيلية بين ليلة وضحاها.
والمنظمات التي ستقف في صف المواجهة تنوء أكثر تحت وطأة الجائحة. ومن الأمثلة البسيطة على هذه المؤسسات مكتب إرشاد المواطنين في كانتربري الذي لم تكن الحاجة له يوماً أكبر من اليوم، والذي لن يستقبل الناس بعد الآن بالطبع مع أنه يعد بالرد على الاتصالات الهاتفية. أما مركز موارد حيّ ثانينغتون، إن أردنا استخدام الاسم الرسمي للمركز المجتمعي، فيجني معظم موارده المالية من تأجير مساحات للأندية والاجتماعات: ومع جفاف هذا المصدر، قد يُضطرّ لتسريح موظفيه أو الإغلاق في أكثر الأوقات احتياجاً له.
لن تقوَ أي من هذه الجهود، تطوعية كانت أم بلدية، على الاستمرار بحمل العبء الزائد المقبل عليها من دون الاستعانة بموارد الحكومة المركزية. لكن عملية اتخاذ القرار داخل الحكومة متعثرة ومتأخرة عن كل الأحداث، في غياب وضوح الاتجاه، ويبدو أن الحكومة تحاول أن تستخدم أساليب إدارية تقليدية وبطيئة ومثقلة ومنها التقدم بطلب الحصول على قروض وهي أساليب لن تنجح في خضم أزمة بهذه المأساوية.
ويحمل تدبير إغلاق المدارس الكثير من الاستثناءات لدرجة أنه من غير الواضح فعلياً عدد المدارس التي سيتسنى لها إغلاق أبوابها. وحَسَبَ أحد أهالي التلاميذ في كانتربري أن 68 في المئة من الأطفال في حضانة طفلته ما زالوا مؤهلين لارتياد الحضانة لأن أحد أهلهم أو كليهما "عمال في قطاعات حيوية". لا بد من وقوع ارتباك كبير حين يصبح من الضرورة تطبيق تغييرات تعرقل مسار حياة ملايين الأشخاص بين ليلة وضحاها تقريباً، لكن الشعور السائد هو أن القرارات التي تُتّخذ لم تخضع للكثير من التفكير والتمعن.
من الضروري وضع البلاد في حالة حرب- لكن إن كان القصد من هذه التدابير يتخطى الخطب الرنانة، يجب إعطاء أوامر واضحة والحرص على احترامها. وكل ما يقلّ عن ذلك يعني أن الحكومة لم تفهم بعد خطورة الكارثة المقبلة علينا.
© The Independent