تبادل الديون على مستوى الاتحاد الأوروبي قضية مثيرة للجدل إلى حد كبير، ولكن الفكرة الرئيسة هي الخروج بتمويل جديد للتخفيف من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، الذي خلف مئات الضحايا وآلاف الإصابات وشل اقتصادات دول الاتحاد، مما دعا محافظي البنوك المركزية ورؤساء الدول والاقتصاديين في منطقة اليورو إلى تطوير ما يُسمى بـ"سندات كورونا"، وهي أداة جديدة تجمع بين الأوراق المالية من دول أوروبية مختلفة.
على الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يتفقون على أن تبادل الديون على مستوى الاتحاد الأوروبي سيكون منطقياً، فإن الفكرة أثبتت دائماً أنها مثيرة للجدل، لأن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى خصائص الدولة الفيدرالية ولا يتحكم في جميع أدوات الاقتصاد. ويجادل العديد من المحللين بأن أدوات الأزمة القديمة (آلية الاستقرار الأوروبية) صُممت للصدمات غير المتكافئة، حيث إنها تفترض أن البلدان ارتكبت أخطاءً منهجية في الماضي، في حين أن لا شيء من هذا ينطبق على الأزمة الحالية التي اشتعلت بسبب تفشي كورونا حول العالم.
وفي السياق ذاته، دعا محللون اقتصاديون ألمان، حكومات منطقة اليورو إلى ضرورة إصدار سندات مشتركة تصل إلى تريليون يورو (1.08 تريليون دولار)، في إجمالها لتغطية كلفة تداعيات الفيروس القاتل.
التخلف عن السداد
وغالباً ما يشعر صانعو السياسات المحافظون في دول مثل ألمانيا وهولندا والنمسا بالقلق من فكرة إصدار الديون مع الدول المثقلة بها، مثل إيطاليا واليونان والبرتغال. لقد أجروا مناقشات أولية حول هذه المسألة في ذروة أزمة الديون السيادية لعام 2011، لكن بعض الدول اعتقدت أنه من الخطر للغاية الانضمام إلى ديونها مع دول أخرى، والتي اعتبرت أنها أكثر عرضة لخطر التخلف عن السداد، ومع ذلك، يعيد فيروس كورونا إحياء الجدل بالنظر إلى الصدمة المالية واسعة النطاق التي يسببها الوباء.
انقسام أوروبي تجاه إصدار دين مشترك
وفي حين أيدت فرنسا وإيطاليا فكرة إصدار سندات اليورو المشتركة خلال أزمة الديون السيادية 2010-2012، قاومت ألمانيا الأمر بشدة، مشيرة إلى المسؤولية الفردية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للحفاظ على تمويلها. ومع تفشي الفيروس في بلدان الكتلة الأوروبية تتعالى أصوات فيها مطالبة بضرورة إصدار "سندات كورونا"، أو إصدار ديون أوروبية مشتركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إيطاليا التي أنهكها الفيروس مخلفاً ضحايا تجاوزت أعدادهم نظراءهم في الصين موطن اندلاع الوباء، حث رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، زعماء الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات استثنائية والنظر في إصدار دين مشترك على مستوى الاتحاد من أجل مساعدة الاقتصاد الأوروبي على التعافي من أزمة كورونا. وقال لرؤساء دول الاتحاد الأوروبي خلال مكالمة هاتفية عبر الفيديو أخيراً بشأن أزمة الوباء على أوروبا أن تستجيب لأزمة غير عادية بنفس القدر من الوسائل وأن تفعل "كل ما يلزم" لدعم الاقتصاد.
كان كونتي يشير إلى الكلمات الشهيرة لماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق(ECB) ، الذي يمثل تعهده بالقيام "بكل ما يلزم للحفاظ على اليورو" نقطة تحول في أزمة الديون في منطقة اليورو.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي، إنه لا يمكن لأي دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي أن تعيش بسلام "بسبب هذه التسونامي الاجتماعي والاقتصادي" ويقصد به فيروس كورونا، مضيفاً أن أي تأخير في الاستجابة المشتركة سيكون غير مسؤول، وقد يؤدي إلى مزيد من الوفيات، وحث قادة الاتحاد على النظر في جميع الأدوات المحتملة، بما في ذلك إصدار "سندات كورونا" أو اللجوء إلى صندوق ضمان أوروبي. وقال "في الوقت الحالي، يجب أن نفعل كل ما يلزم من أجل تزويد المواطنين الأوروبيين بالرعاية الطبية اللازمة والحماية الاجتماعية والاقتصادية التي يحتاجونها".
صندوق إنقاذ منطقة اليورو
قد يكون هناك خيار آخر يتمثل في استخدام آلية الاستقرار الأوروبية European Stability Mechanism - (ESM)، وهي صندوق إنقاذ منطقة اليورو، الذي يمتلك حالياً 410 مليارات يورو تحت تصرفه.
وجادل بعض المحللين بأنه بعد أيام من الاضطراب المتجدد في أسواق الديون في الاتحاد الأوروبي، فإن استخدام القوة النارية الخاصة بالإدارة السليمة بيئياً سيساعد في إرسال إشارة واضحة للمستثمرين.
وقد دعم الفكرة رئيس الوزراء الإيطالي السابق، إنريكو ليتا، الذي كتب على "تويتر" أن الصندوق قد تم تصميمه خصيصاً لهذا النوع من الأزمات، ويجب أن يكون ركيزة الاستجابة الأوروبية لأزمة فيروس كورونا. ومع ذلك، قال وزير المالية الألماني، أولاف شولتز، إن الجدل حول مشاركة الإدارة السليمة بيئياً لا يزال "سابقاً لأوانه" في هذه المرحلة.
ويبدو أن خطة الزعماء الأوروبيين الرئيسة في توقيت الأزمة الراهنة، تكمن في تطوير خطوط ائتمان باستخدام آلية الاستقرار الأوروبية، وهو صندوق أنشأته جميع دول منطقة اليورو في ذروة أزمة الديون السيادية لتقديم قروض طارئة للدول المعرضة لخطر الانهيار المالي.
ومن أجل توفير خط الائتمان هذا، يتعين على الإدارة السليمة بيئياً جمع الأموال من الأسواق المالية، ويمكن أن يُنظر إلى هذا أيضاً على أنه إصدار سندات كورونا، نظراً إلى أن الصندوق مدعوم من جميع دول منطقة اليورو وسيستهدف خط الائتمان للتعامل مع تأثير فيروس كورونا.
مهما تكن ملامح خطة الزعماء الأوروبيين المقبلة في مواجهة الوباء المتفشي عبر حدود الدول الأعضاء، يبقى أن تفشي الفيروس يشكل أكبر اختبار من نوعه لمستقبل الوحدة الأوروبية منذ نشأتها.