أغلب الظن أنها المرة الأولى التي يرى فيه أحد هذا الجيش الجرّار المؤلف من ملايين الرجال والنساء من شتى الأعمار. الجميع يعتبر وجودهم إما أمراً مفروغاً منه، أو لا يراهم من الأصل. فطالما الطبيب يعالج والممرضة تمرّض والمريض يُشفى أو حتى يموت، فإن هذا يعني أن العملية الصحية حيّة ترزق.
لكن "كورونا" جعل هؤلاء يرزقون من حيث لا يعلمون. رِزق جيش المستشفيات المتأرجح بين الأزرق والبني والأخضر، يأتي هذه الأيام في صورة اهتمام شعبي، وقلق رسمي، وقيد صحي، وجميعها يدور في فلك هلع الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
جيش مصر الأبيض
الإعلام المصري يتغنّى منذ أسابيع بجهود الأطباء والممرضين ويتبارى مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على تحويل "البروفايل" إلى عبارات تبجيل لـ"جيش مصر الأبيض" بعنصريه: الطب والتمريض، لكن الضلع الثالث الذي يضمن مستشفى بلا قمامة وغرفاً من دون فضلات وطرقات خالية من الفيروسات وعيادات ومعدات منزوعة الأتربة والأوساخ يبقى غائباً.
غابت "أم شيماء"، عاملة النظافة المسؤولة عن العيادات الخارجية في أحد المستشفيات الخاصة في حي المطرية الشعبي في شرق القاهرة، ليوم عن العمل لظروف شخصية، فانقلب حال المستشفى رأساً على عقب. لم يتوقف هاتفها المحمول عن الرنين، بين مهدّد ومتوعّد ومتودّد. المدير الإداري يهددها بالتوقيع على الخصم من مرتبها لو لم تتوجه فوراً إلى العمل. ورئيس العيادة الخارجية يتودد لها ناصحاً إياها بالنزول فوراً والتوجه إلى المستشفى لمصلحتها ومصلحة أبنائها المعتمدين على راتبها. فقد تم تقليص عدد عمّال النظافة في المستشفى منذ بداية أزمة "كورونا"، وذلك لأسباب عدة تتراوح بين انخفاض أعداد المرضى المترددين على المستشفيات خوفاً من الفيروس، وانخفاض أرباح المستشفى نتيجة لذلك، واتجاه الإدارة لتقليص النفقات بالضغط على الحلقات الأضعف.
الحلقات الأضعف
الحلقات الأضعف الأكثر حظاً تتراوح رواتبها الشهرية بين 800 و1200 جنيه شهرياً (نحو 50- 76 دولاراً)، وهي رواتب المعينين في المستشفيات الكبرى الخاصة. أغلب هذه العمالة يتم التعاقد معها من خلال شركة متخصصة في توريد عمّال الأمن والنظافة. الغالبية المطلقة من هؤلاء تنتمي لفئة اجتماعية واقتصادية بالغة التواضع، حتى لجهة الالتزام بقواعد النظافة العامة والشخصية، وتحديداً في ما يختص بالعمل في المستشفيات.
في زمن ما قبل "كورونا" كانت تمضي هذه الثقافة السائدة قدماً بشكل أو بآخر. فبين ضغط الرقابة الصارم على أداء العمال والعاملات وإجبارهم على التزام قواعد النظافة والتدريب على كيفية التخلص من المخلفات الطبية وتعقيم أدوات النظافة من جهة، وعدم اقتناع داخلي من قبل الكثيرين منهم بهذه "القواعد الصارمة دون داعٍ"، وتلك "التضييقات الهايفة دون مبرر" من جهة أخرى، يمضي عمل هؤلاء العمال والعاملات من دون كوارث تذكر. لكن في الوقت نفسه، فإن مستشفيات أخرى تعاني ضعفاً أو إهمالاً في الإدارة تظهر فيها كوارث افتقاد قواعد النظافة وعدم التزام أسس التعامل مع الفضلات والمعدات الطبية المستخدمة بين الحين والآخر. لكن آخر ما تحتاجه المستشفيات، والقائمون عليها - أطباؤها وممرضوها وعمال نظافتها- هذه الآونة في ظل وباء "كورونا"، أن يسهو أحدهم سهواً تافهاً أو يخطئ خطأ سخيفاً ما قد يؤدي إلى تفاقم الكارثة.
كورونا المستجد
يقول مسؤول مكافحة العدوى في أحد المستشفيات الخاصة، الدكتور وائل منير، إن خطاً بسيطاً ناجماً عن قلة وعي أو عدم اتباع القواعد الصارمة الواجب اتباعها في ظل انتشار وباء "كورونا المستجد"، كأن يخفض عامل نظافة الكمامة لتكون تحت أنفه أو يتساهل لجهة غسل اليدين بالماء والصابون وتطهيرهما بكحول بتركيز 70 في المئة، قبل أن ينتقل من غرفة مريض لآخر لتنظيفها، قد يؤدي إلى كوارث حقيقية. وقد ينجم عن هذا الخطأ إصابة العامل، ومن ثم تعريض أسرته ومن يتواصل معهم أو يرافقهم لخطر العدوى.
خطر تباين مستويات مكافحة العدوى بحسب نوعية المستشفيات في مصر يكشف عن وجهه في زمن الأوبئة. اختلاف المستشفيات بين حكومية وخاصة واستثمارية وجامعية وغيرها، ينعكس كذلك من خلال فئة عمال وعاملات النظافة. شتّان بين "أم شيماء" التي تعمل في مستشفى صغير في حي شعبي، حيث لم تسمع من قبل عن دورات مكافحة العدوى أو قواعد السلامة المهنية أو حتى معدات الوقاية الشخصية، وبين "منال طه"، التي تعمل في أحد أكبر المستشفيات في القاهرة، حيث يتم إعطاء دورات لمكافحة عدوى لا سيما للعمال والعاملات في أقسام زرع الأعضاء وأمراض الدم والأورام وزرع النخاع والرعاية المركزة وغيرها من الحالات الحرجة التي تحتاج حرصاً بالغاً في أمور النظافة.
كارثة عمال النظافة
مشكلة عمّال النظافة في الأحوال العادية وانتقادات نقص الوعي واستنكار الخلط بين الحذر، الذي لا ينجي من القدر، تحوّلت في زمن "كورونا" إلى قصائد غزل ومعلقات تبجيل لـ"جيش مصر"، (الأزرق أو الأخضر أو البني) كل بحسب الزيّ المفروض في المستشفى الذي يعمل فيه.
البعض من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي دشن "هاشتاغات" لدعم هذه الفئة التي انتشلها "كورونا" من غياهب النسيان ودهاليز التجاهل إلى منصات التكريم الشعبي وعوالم التقدير الرسمي.
رسمياً، تتواتر أخبار يومية تفيد بتكريم الطواقم الطبية العاملة في مستشفيات عزل مصرية هنا وهناك. ويجد عمال وعاملات النظافة أنفسهم ضمن المكرمين، في سابقة لم تحدث في زمن ما قبل "كورونا".
واقع سيء
لكن تبقى أحوال هذه الفئة - التي لا يوجد حصر رسمي لها في ظل تعاقد الآلاف بنظام العمل اليومي حيث لا أوراق رسمية أو التزامات من حيث الحقوق والواجبات - رثة وأوضاعها مهترئة. الغالبية المطلقة تسكن في أماكن شعبية أو عشوائية ورواتبها متدنية لمستويات تؤهل أغلبهم للهيمنة الكاملة على خط الفقر.
المواصلات العامة المكتظة وسيلتهم الوحيدة للذهاب للعمل، الأسواق الشعبية المزدحمة بالبشر طريقتهم الوحيدة للحصول على مستلزماتهم، أدوات النظافة والحماية الشخصية في غير أوقات العمل رفاهية، وفرص تعرضهم للعدوى بالفيروس كبيرة.
الأيام القليلة الماضية شهدت مطالب برلمانية عدة لدعم هؤلاء العمّال باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى بعد الأطباء. فهم يتعاملون مع القمامة والنفايات الطبية بشكل مباشر يومياً. إلا أن هذه المطالب لم تخرج عن إطار المطالبة بزيادة بدل المخاطر الخاص بهم ودعمهم بحوافز مالية في فترة الوباء فقط.
النفايات الطبية
وإذا كان التعامل مع النفايات الطبية أمراً يستلزم الحرص البالغ ما قبل كورونا، فإنه يتطلب حرصاً مضاعفاً في زمن الوباء. وزيرة البيئة المصرية، ياسمين فؤاد، تقول إن هناك خطة متكاملة للتخلص من النفايات الطبية تبدأ بفصل هذه المخلفات. وأوضحت أنه تم تدريب 68 شخصاً على ذلك، وهم بدورهم يدرّبون غيرهم، وأضافت أنه تم توفير قفازات قابلة للغسل والاستخدام أكثر من مرة لعمال نظافة المستشفيات المتعاملين مع مرضى "كورونا".
لكن واقع الحال يشير إلى أن هؤلاء العمّال يحتاجون ما هو أكثر من ذلك، رفع الوعي بالنظافة وقواعدها الصحية والطبية، إذ أن تطبيق هذه القواعد يتم فقط عبر الرقابة والعقوبة، وليس من خلال الاقتناع بجدواها وضرورة استدامتها.
هل يغير "كورونا" من الإجراءات الوقائية في المستشفيات السعودية؟
وفي السعودية، باتت الحاجة ملحة إلى تشديد الإجراءات الوقائية في المستشفيات، لضمان سلامة عاملي النظافة، كونهم يمثلون الشريحة الأكثر تعرضاً لمخاطر الفيروس، وعلى الرغم من أنهم يحصلون على التدريب الكافي الذي يؤهلهم لمكافحة الحشرات، كونها أحد المسببات الرئيسة للأوبئة، ويتم تعليمهم كيفية التعامل مع المبيدات، واستعمال وسائل الحماية الشخصية، ضمن آلية يلتزمون خلالها جدولا لعملية الرش، التي تشمل كل أقسام المرفق الصحي من الساحات والحدائق ودورات المياه، مع ضرورة تجنب الأسرّة والمفارش ومخازن الأطعمة، فإنه من غير المعلوم ما إذا اتخذت الصحة السعودية إجراءات إضافية، أم اكتفت بالتدابير الاحترازية التي ضمّها دليل سياسات إجراءات صحة البيئة، الذي يكّلف إدارات المنشآت الطبية بمتابعة نظافة المرافق.
مخاطر الإصابة عالية
وفيما لم يوضح الدليل الإجرائي المرفق على موقع الوزارة، وجود خطط أو إجراءات استثنائية عند الأزمات الوبائية بما يتعلق بهذا الصدد، فإنه ينصّ على تطهير الأسطح من الميكروبات الضارة، ضمن عملية تلتزم فيها الجهة المتعهدة توفير العدد الكافي من عمال النظافة المدربين، ووسائل الحماية الشخصية، وأدوات التنظيف اللازمة، بالإضافة إلى التأكد من صلاحية أجهزة الشفط والتهوئة، وتنظيف دورات المياه يومياً بصورة منتظمة قبل بداية الدوام وبعده، وتسجيل وقت إتمام العملية إلى جانب توقيع العامل المسؤول.
وتحدّد وزارة الصحة احتياج العمالة المطلوبة حسب السعة السريرية للمستشفى، كما تنتهج إجراءات صارمة للتخلص من النفايات العامة خارج المنشأة الصحية بشكل دوري لمنع تكدسها، مع تغطية حاويات النقل والتخزين وتنظيفها، وتشدّد على الحدّ من تسرب الغبار من خلال غلق الأبواب بإحكام، باستعمال الأشرطة اللاصقة، والتأكد من عمل مرشحات الهواء، ومراوح الشفط، لسلامة المرضى والمراجعين، لا سيما من يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي، وألزمت الوزارة، أخيراً، الأطباء والممارسين الصحيين عدم ارتداء الزي الرسمي خارج أوقات العمل، كما تؤكد على العمال إزالة الغبار من الأحذية والملابس بعد انتهاء عملهم.
المخاوف تجتاح الأوساط العمالية
وفي ظل المخاوف من تحول مساكن العمال إلى بؤرة قاتلة يتفشى فيها الوباء، حولت وزارة التعليم السعودية، التي تواصل أعمالها عن بعد، أكثر من 3000 مدرسة، إلى مجمعات سكنية مجهزة لاحتواء الأعداد الهائلة، كما سارعت لجنة تنظيم سكن العمالة بالتنسيق مع عدد من الوزارات والهيئات إلى توجيه المنشآت المالكة لوحدات سكنية بتوفير غرف خاصة ومجهزة للعزل عند إصابة أحد العاملين، وتطهير وتعقيم السكن أسبوعياً، كما أوصت بتنظيف دورات المياه، والأسطح البيئية، وأماكن التلامس مرتين يومياً، بالإضافة إلى توفير المعقمات والمطهرات، والتأكد من سلامة فلاتر المكيفات ومراوح الشفط.
الفحص عن بعد
وتوصي الصحة السعودية المواطنين والمقيمين باستخدام خدمة "موعد" التي تساعد على الكشف عن بعد من خلال اثنتي عشرة خطوة وسؤال لتقييم الحالة الصحية للفرد، وأوضح المتحدث الرسمي للوزارة، محمد العبد العالي، في وقت سابق، أن الاختبار أسهم في اكتشاف 40 حالة مصابة.
وعلى الرغم من فاعلية المبادرة، فإن نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية تواجه صعوبات، على رأسها عدم امتلاك هواتف ذكية، وعند استطلاع واجهة التطبيق، يتبين وجود عوائق أخرى مثل توفّر لغتين فقط هي العربية والإنجليزية، فيما تتشكل غالبية الوافدين من دول آسيوية، كما لا يمكن للمقيمين غير الشرعيين الاستفادة من الخدمة كونها تتطلب التسجيل في بوابة النفاذ الوطني الموحد، ما يقلل احتمالية وصولها لأكثر الشرائح عرضة للإصابة بالفيروس في البلاد.
ومع ذلك، فقد سمحت السلطات، الشهر الماضي، بتقديم العلاج المجاني للعمالة غير الشرعية من دون أي تبعات قانونية، في إطار جهودها الحثيثة لمنع تفشي الفيروس، ويربط البعض القرار بالقفزة الأخيرة في أعداد المصابين، ومنذ الثالث والعشرين من مارس (آذار) الماضي، تطبّق الحكومة حظراً للتجول بالمدن كافة، يتراوح ما بين جزئي وكلي، حسب الانتشار الجغرافي.
وفي بدايات تطبيق منع التجول، تداول مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً تظهر تجمعات في أحد الأحياء المكتظة بالعمالة الأجنبية بالعاصمة الرياض، ما دفع وزارة الحرس الوطني إلى نشر لواء التدخل السريع، الذي سارع بإقامة عدد من نقاط التفتيش لضبط الحركة، ورصد المخالفين، وفي الوقت نفسه، تعكف وزارة الصحة، على تسيير فرقها الميدانية بالأحياء والمجمعات السكنية، لإجراء الفحوص المخبرية التي تجاوزت حتى الآن نصف مليون فحص.
عاملات النظافة بمستشفيات المغرب يروين معاناتهن
ويخشى عمال النظافة في المستشفيات على حياتهم، لا سيما وأن كورونا أودى بحياة نسبة كبيرة من العاملين في مجال الرعاية الصحية في مختلف دول العالم.
"اندبندنت عربية" تحدثت إلى عاملات نظافة في المستشفيات المغربية، اللواتي كشفن عن مخاوفهن من نقل العدوى إلى منازلهن، وتحدثن عن الضغط النفسي الذي يرزح بعضهن تحت ثقله، وكيف غيّر وباء كورونا علاقاتهن بعائلاتهن.
"لا أحد يُقدّر تعبنا"
"أخاف من الإصابة بالفيروس، لكن لا يُمكنني أن أتوقف عن العمل لأنني أعيل عائلتي"، تقول خديجة (43 سنة) عاملة نظافة بمستشفى في مدينة الدار البيضاء غرب البلاد، يستقبل حالات مصابة بفيروس كورونا.
وتحدثت خديجة، وهي أرملة تُعيل طفلين، عن الصعوبات التي تواجهها خلال أدائها عملها، قائلةً "من التحديات التي تواجهني، الإرهاق في العمل والتعب، ودائماً أفكر بعائلتي. نُعرّض حياتنا للخطر يومياً، لا أحد يتحدث عنا، أو يهتم لوضعنا الاجتماعي، ولا أحد يُقدّر تعبنا فنحن مجرد عاملات نظافة".
"أخشى من نقل العدوى لعائلتي"
وتابعت خديجة "ألتزم إجراءات الوقاية وغسل اليدين وارتداء الملابس الواقية، لكن على الرغم من كل شيء ينتابني الخوف، وأخشى من نقل العدوى إلى عائلتي". واعتبرت أن خطر الإصابة بأي مرض يُهددها دائماً، لكنه تضاعف مع تفشّي كورونا.
من الصعب التمييز داخل المستشفيات بين الأطباء والممرضين وعمال النظافة، فجميعهم يرتدون الملابس الواقية ذاتها، إذ يتهددهم الخطر عينه.
ولفتت خديجة إلى أنه وعلى "الرغم من كل التحديات والصعوبات، أحضر في الوقت المعيّن، وأعمل بمسؤولية لتنظيف الغرف والممرات، لنُساعد الأطباء والممرضين على ممارسة عملهم وعلاج المرضى".
تتراوح أجرة عاملات النظافة في المستشفى، بحسب خديجة، بين 100 و120 دولاراً في الشهر، وتقول "راتبي الشهري بالكاد يكفيني، ومنذ فرض الحجر الصحي، أصبحتُ أجد صعوبة في إيجاد وسيلة نقل، وأحياناً أتنقل سيراً على الأقدام، ما يعرّضني إلى خطر السرقة".
"بدأت أبكي وساورني القلق"
في جنوب المغرب، تعمل "فاطمة" عاملة نظافة في مستشفى آخر يستقبل حالات مصابة بفيروس كورونا أيضاً، وبلهجة أمازيغية تتحدث عن تجربتها، قائلةً "في البداية، شرحوا لنا في اجتماع أن هناك مرضى مصابين بفيروس خطير سيستقبلهم المستشفى، وينبغي أن نرتدي ملابس واقية، ونُعقّم، كما أوضحوا لنا طرق انتقال العدوى، فبدأتُ أبكي وساورني قلق من المخاطر التي ينطوي عليها ذلك". وبخلاف خديجة، تبيتُ فاطمة في أحد الفنادق برفقة زميلاتها في العمل، لكي لا ينقلن الفيروس إلى أقاربهن.
وتضيف "على الرغم من الوقاية، لكنني أخاف من الإصابة، أشعر دائماً بالقلق والوسواس من أنني أحمل عوارض الإصابة بالفيروس"، موضحةً "أتقاضى 100 دولار في الشهر، تكفيني لإعالة عائلتي وتلبية حاجات أطفالي". وتضاعفت ساعات عمل فاطمة بسبب إعادة تجهيز المستشفى وتشييد مدخل خاص بالأطباء والمرضى. وتقول في هذا الصدد "خلال تجهيز المستشفى، تضاعفت ساعات عملنا، وأصبحنا نعمل من الـ9 صباحاً حتى الـ 9 ليلاً، أتعبني ذلك كثيراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"حياتي تغيرت بشكل كبير بسبب هذا الفيروس"
وتعتبر فاطمة أن ما يرفع معنوياتها، هو أن أحد المسؤولين يزور العاملين كل صباح ويتحدث معهم، ويُحيّيهم على جهودهم في معركة احتواء فيروس كورونا. وتعمل فاطمة لصالح شركة خاصة وسيطة تؤمّن عمال النظافة للمستشفيات.
وتُضيف فاطمة (45 سنة) "أفكر دائماً في أطفالي وزوجي، حياتي تغيّرت بشكل كبير بسبب هذا الفيروس".
وتعيل فاطمة أسرة تتكوّن من 4 أفراد، وتأمل في أن يُقدّر المغاربة والجهات المسؤولة الدور الذي يبذله عمال النظافة في الحرب على الفيروس، مشيرةً "نحن بحاجة إلى التقدير، وأن يدرك المغاربة أن عمال النظافة يؤدون دوراً مهماً في المجتمع وأنهم ليسوا أقل قيمة من الآخرين".
"أتمنى أن لا أكون سبباً في إصابة والدتي"
في السياق ذاته، تخشى سعيدة (35 سنة)، عاملة نظافة في مستشفى بمدينة الدار البيضاء، أن تنقل العدوى إلى والدتها الكبيرة في السن، وتقول "يساورني الخوف والقلق، وأتمنى ألّا أكون سبباً في إصابة والدتي بالفيروس لأنها مريضة". وتضيف "لا توجد فرص عمل حالياً، أنا مجبرة على الاستمرار في أداء وظيفتي بشكل جيد. أدرك حجم المسؤولية وأهمية دورنا في المستشفى، لكنني حقاً خائفة على والدتي".
وتروي سعيدة "يجب أن أعمل لإعالة والدتي وشراء الدواء لها، وفي الوقت ذاته، يُهدّد عملي حياتها. إنه أمر صعب ومعقد جداً بالنسبة إلي، لكن لا حل سوى الصبر والتزام تدابير الوقاية".
جو الخوف والقلق في المستشفى تتخلّله أحياناً لحظات فرح، تتقاسمها سعيدة مع الطاقم الطبي، وتقول في هذا الصدد "أجمل شيء يحدث لنا، عندما نسمع أن مريضاً تعافى، فنشعر بأهمية عملنا. إنه إحساس رائع أن تشارك في مهمة إنقاذ أرواح الآخرين".