هل يمكن للعالم أن يجد نفسه في مواجهة الإنفلونزا و"كورونا المستجد"، في الوقت نفسه، الخريف المقبل؟ أثار هذا الاحتمال المخيف الدكتور روبرت ريدفيلد، مدير "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" الأميركية، خلال مقابلة أجرتها معه في 21 أبريل (نيسان) صحيفة "واشنطن بوست". إذ أشار ريدفيلد إلى احتمال تزامن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوررونا المستجد مع بدء موسم الإنفلونزا المقبل، ما قد يسبّب أزمة أشد صعوبة من تلك التي تواجهها الولايات المتحدة (والعالم) الآن. وقال "سيحاصرنا تزامناً وباء الأنفلونزا ومعه وباء الفيروس التاجي".
وفي مؤتمر الإحاطة الصحافي الذي عُقد بالبيت الأبيض في اليوم التالي، أي 22 أبريل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن كلام الدكتور ريدفيلد قد أسيئ نقله وإنه سيوضح ملاحظاته. لكن ريدفيلد أوضح بعد ذلك أن الصحيفة نقلت كلامه بشكل صحيح، وحاول تبرير البلبلة الإعلامية التي أثارتها تصريحاته، قائلاً "أعتقد أنه من المهم التأكيد على ما لم أقله. إن هذا الاحتمال في حال تحققه سيجعل وضعنا أسوأ من ما نحن فيه الآن. عنيتُ أن وضعنا سيكون أكثر صعوبة وربما أكثر تعقيداً". وكرّر مرات عدة أنه إذا أصبح الوضع أكثر صعوبة، فهذا لا يعني أنه سيصبح أسوأ.
لقاح الإنفلونزا
وأضاف الدكتور ريدفيلد أن "الهدف الرئيس وراء ما ذكرته، وما أرغب حقاً في التشديد عليه، هو مناشدة الشعب الأميركي الحصول على لقاح الإنفلونزا من دون تردد. إن أحد أعظم أدوات المواجهة التي نمتلكها خلال موسم الخريف والشتاء المقبلين هو جعل الشعب يحصل على لقاح الإنفلونزا، وبالتالي تقليل تأثيراتها حتى لا تشكل وباءً تنفسياً آخر يفرض علينا مواجهته".
ثم عقّب ترمب على كلام ريدفيلد، قائلاً "قد لا يكون فيروس كورونا موجوداً بيننا الخريف المقبل. حتى لو حدثت موجة فيروسية ثانية فلن تكون بالشكل الذي كانت عليه، وإنما ستكون على شكل موجات صغيرة يمكننا احتواؤها. ما كان يقوله ريدفيلد، وتحدثتُ معه بإسهاب حوله، إنه إذا كان ثمة موجة مقبلة فالمرء سيصبح معرضاً للإصابة بالإنفلونزا وكورونا. ولكن في رأيي بعد كل ما عايشناه، لا يمكن أن يحدث شيء مماثل لما شهدناه الآن".
شكّك اختصاصيو الأوبئة وخبراء الأمراض المعدية الذين قابلتهم صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل إحاطة يوم 22 أبريل، في قرب اختفاء فيروس كورونا المستجد في الخريف المقبل، ولم يستبعدوا احتمال حدوث أزمة أشد سواء خلال تلك الفترة في ما لو ضرب المرضان في التوقيت نفسه. ويقول الدكتور توماس فريدن، الرئيس السابق لـ"مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" ورئيس "عازمون على إنقاذ الأرواح"، وهي منظمة غير ربحية تركّز على الوقاية من الأمراض "عندما يحلّ موسم الإنفلونزا، فثمة احتمال أن نتعامل مع فيروسين في الجهاز التنفسي في وقت متزامن: الإنفلونزا وكورونا. سيشكل هذا التعامل تحدياً مزدوجاً لأنظمة الرعاية الصحية لدينا".
كورونا يتراجع لكن لا يختفي
وأضاف فريدن أنه حتى إذا نجح التباعد الاجتماعي وإجراءات التخفيف الأخرى في "تسطيح منحنى" الإصابة، فإنه وبمجرد أن يتم تخفيف هذه القيود ستعود الإصابات لترتفع مرة أخرى. وقد أوضحت سياسة فتح الأسواق والمدن الأخيرة التي تمت في اليابان وسنغافورة، حيث بدا أن كورونا المستجد تحت السيطرة، أن الفيروس قد يتراجع ولكنه لا يختفي. ويقول الدكتور مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا "الهدف الأسمى لهذا الفيروس هو محاولة إصابة أكبر عدد ممكن منا. ومع خصائص الانتشار الفريدة التي يمتلكها ستتطلب محاربة هذا الفيروس، من أجل تقليل انتقال عدواه بشكل كبير، مناعة قطيع لا تقلّ عن 60 إلى 70 في المئة من مجمل السكان أو إيجاد لقاح بسرعة". وأضاف "ثمة طريق طويل أمامنا علينا أن نقطعه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء تحليل الدكتور فريدن مشابهاً لأوسترهولم، إذ قال "من المرجّح أن يستمر كورونا في الانتشار حتى ظهور لقاح مضاد. وهذا يعني أننا بحاجة إلى أن نكون مستعدين لإعادة فرض التباعد الاجتماعي إذا عاودت كثرة الحالات لتهدّد بإرباك أنظمة الصحة العامة". ويتفق معظم الخبراء على أن اللقاح يحتاج على أقل تقدير إلى عام أو أكثر في أحسن الأحوال. وقال أوسترهولم "يسود اعتقاد خاطئ على نطاق واسع أنه إذا بدأت الحالات الجديدة في التقلص، فإنه يمكن للناس مباشرة أعمالهم، وأن التقلص سيستمر حتى يختفي المرض وتعود الحياة إلى طبيعتها. ويضيف "الفيروس أشبه بالجاذبية الأرضية. سيستمر في محاولة جذبنا للأسفل مهما حاولنا القفز إلى أعلى".
وكانت لجنة علمية تابعة للبيت الأبيض قالت هذا الشهر، إنه لا يوجد دليل على أن درجات الحرارة المرتفعة خلال فصلي الربيع والصيف ستتمكن من النيل من الفيروس، مشيرة إلى أن الأخير ينتشر بسرعة في بلدان ذات طقس حار، بما في ذلك أستراليا وإيران. ووجدت دراسات أجريت في المختبر أن تعريض الفيروس لدرجات حرارة مرتفعة وللرطوبة يمكن أن يقلل من قدرته على البقاء. لكن نتائج الدراسات لم تكن حاسمة قاطعة، وفقاً للتقرير الصادر عن" الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب"، وهي وكالات مستقلة تقدم المشورة للحكومة والجمهور.
كورونا والشتاء
وقال الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، في مقابلة سابقة له قبل إدلاء الدكتور ريدفيلد بتعليقاته المثيرة للجدل "بشكل عام، يرتفع أداء الفيروسات التنفسية، بما في ذلك الإنفلونزا وبعض الفيروسات التاجية الباردة الشائعة الموسمية، كثيراً خلال الشتاء وينخفض نوعاً ما خلال الصيف. لا نعرف على الإطلاق ما إذا كان ذلك سينطبق على فيروس كورونا، لكن ثمة مؤشرات أن الأمر قد لا يكون كذلك".
وأضاف فوسي "مع حلول الطقس الدافئ، يخرج الناس، كما هو الحال في سنغافورة. في تصوري أن إجراءات الحماية التي اتخذناها ستسهم في تخفيض حدة الإصابات بحلول أشهر مايو ويونيو ويوليو. لكن الناس قد يعتقدون أن ارتفاع حرارة الطقس أسهم في تحجيم الفيروس. لا، التحجيم أتى نتيجة الحماية". ووصف فوسي قدرة الفيروس على الانتشار بأنها "رائعة". وفي المقابلة وفي الإحاطة الإعلامية يوم 22 أبريل، أوضح أن أميركا ستظل تتعامل مع الجائحة حتى حلول الخريف، متوقعاً حدوث موجة جديدة في ذلك الوقت. وقال "قد تكون موجة صغيرة أو انفجاراً كبيراً. من الأفضل أن نكون مستعدين مع عدد كافٍ من أجهزة الاختبار وجميع المعدات التي نحتاجها في المستشفيات إذا انفجرت العدوى مجدداً".
ورجّح الدكتور فريدن إمكانية أن تؤدي الخطوات المتخذة حالياً لوقف انتقال فيروس كورونا المستجد إلى الحدّ من انتشار الإنفلونزا، لكنه أضاف أنه من السابق لأوانه التنبؤ بما سيكون عليه موسم الإنفلونزا المقبل أو القول على وجه اليقين ما إذا كان سيحدث تداخل بين الوباءين. وختم فريدن قائلاً "الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به بشأن الإنفلونزا، هو أنه لا يمكن التنبؤ بها".