ينخفض إنتاج النفط الصخري بشكل متسارع الآن لأسباب عدة، أهمها إغلاق المنتجين الآبار كافة بسبب انهيار أسعار النفط والغاز الطبيعي والغازات السائلة. وقد لعب انخفاض الطلب دوراً كبيراً في انخفاض الأسعار، ولكن هذا يعني أيضاً أن هناك نفطاً لن يباع، وبالتالي فإنه من الأفضل أن لا يُنتج. كما أن الخوف من امتلاء الخزانات أسهم في غلق الآبار، إضافة إلى ضرورة ظهور الشركات أمام المستثمرين على أنها مسؤولة وموثوقة. ومن أسباب الانخفاض في الإنتاج هبوط الاستثمار، حيث إنه من الطبيعي أن ينخفض الاستثمار في الصناعة مع انخفاض الطلب على منتجاتها.
وأعلنت غالبية الشركات عن تخفيض إنفاقها الاستثماري، الذي تطلب انخفاض عمليات الحفر والإكمال، وبالتالي انخفاض إنتاج النفط مستقبلاً. ويتوقع أن تعلن شركات عدة عن تخفيض إضافي في استثماراتها بسبب الوضع السيئ للأسواق حالياً.
ومن الأسباب أيضاً ارتفاع معدلات النضوب مقارنة بآبار النفط التقليدي. فقد استطاع منتجو الصخري زيادة الإنتاج عن طريق الاستثمار المستمر في الصناعة وحفر وإكمال المزيد من الآبار، فعوّض ذلك عن ارتفاع معدلات النضوب وزيادة، فزاد الإنتاج.
ولكن الآن مع انخفاض الاستثمار، فلن يتم التعويض عن معدلات الهبوط، وبالتالي فإن الإنتاج سينخفض على كل الحالات. كما أن الانشغال بحالات الإفلاس والاندماج سيسهم أيضا في تأخير المشاريع.
والسؤال الذي يسأله كثير من الناس: هل هذا يعني انتهاء نمو الصخري؟ هل وصل إنتاجه إلى ذروته؟
الإجابة على هذه الأسئلة ليست بهذه السهولة، إلا أن القول إن النفط الصخري لن ينمو مرة أخرى غير صحيح، والقول إنه وصل إلى ذروته هو مجرد احتمال وارد يعتمد على ظروف مستقبلية عدة. فلو نظرنا إلى بعض أسباب هبوط الإنتاج المذكورة أعلاه، نجد أنه يمكن عودة الآبار المغلقة، بغضّ النظر عن المواضيع التقنية والاقتصادية المتعلقة بذلك، متى ما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات مناسبة. كما أن الاستثمار يمكن أن يتغيّر بسرعة مع تغيّر الأسعار. وبهذا يستطيع منتجو الصخري أن يسترجعوا جزءاً كبيراً من الإنتاج الذي خسروه الآن.
الأثر الفعلي على المديين المتوسط والطويل يكمن في أنه لا يمكن التعويض عن الإنتاج الذي تم خسارته بسبب ارتفاع معدلات النضوب. فعودة الاستثمار للصناعة لا يمكنها أن تعوّض عن ذلك بسرعة، وبالتالي فإن إنتاج النفط الأميركي سيظل منخفضاً عما كان عليه في فبراير (شباط) لفترة طويلة من الزمن نسبياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن، هل وصل إنتاج النفط الصخري إلى ذروته؟ هذا يعتمد على مستقبل أسعار النفط والغاز الطبيعي والسوائل الغازية. ولكن بشكل عام، يتوقع أن يكون لإنتاج النفط الصخري ذروات عدة، أولاها كانت في عام 2015 عندما انخفضت الأسعار. وقتها خسر الصخري نحو مليون برميل يومياً، ثم عاد فأضاف 4.3 مليون برميل يومياً. وفي الحقيقة، فإن الإضافة الجديدة منذ أقل مستوى له في عام 2016 أكبر بكثير من 4.3 مليون برميل، لأنه تم التعويض أيضاً عن معدلات النضوب في الصخري والتقليدي معاً. وهنا السؤال، ما الذي يمنعه من تكرار ما حصل سابقاً عندما ترتفع أسعار النفط؟ وهل كان ما حصل منذ عام 2016 تجربة فريدة من نوعها أم يمكن أن تتكرر؟
الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب الإجابة على سؤالين مهمين: ما هي تكلفة إنتاج النفط الصخري؟ وما هو السعر الذي يجعله ينمو مرة أخرى؟
الإجابة ليست بهذه السهولة. وللأسف فقد دأبت وسائل الإعلام وبعض الناس على القذف بالأرقام هنا وهناك، ولكن الواقع معقّد جداً، وليس هناك إجابة واحدة.
فالتكلفة تختلف من بئر إلى بئر، ومن طبقة جيولوجية إلى أخرى في مناطق الإنتاج متعددة الطبقات، ومن حقل إلى حقل، ومن شركة إلى أخرى. كما أن نسبة الغاز والغازات السائلة في الإنتاج تلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع.
كما أن ما يذكر من تكاليف، بخاصة في الإعلام العربي، لا معنى له. فمتوسط تكاليف عشرات الآلاف من الآبار، وآلاف الشركات، وحقول عدة، لا معنى له إطلاقاً. كما أن الأرقام التي تذكر لا تُعرف ما هي: هل هي متوسط التكاليف التشغيلية؟ أم متوسط التكاليف الكلية؟ وهل تتضمن التكاليف عائد رأس المال أم لا؟ هل تتضمن تكاليف الأرض؟ هل تتصمن الفوائد على رأس المال؟ هل تتصمن الضرائب؟ أعرف أن البعض يسمع هذا الكلام للمرة الأولى، ولكن لهم أن يقدّروا مقدار الألم الذي مررت به من الخلط بين الحابل والنابل بذكر هذه الأرقام في وسائل الإعلام المختلفة.
وتتعقد الأمور أكثر عند معرفتنا للحقيقة الاقتصادية التالية: عند انحسار الطلب على سلعة ما وانخفاض أسعارها، فإن هدف المنشأة يصبح تخفيض الخسائر، وبالتالي فإن التركيز يكون على التكاليف التشغيلية، وليس الكلية، والتكاليف المتغيرة تبلغ نحو نصف "الكلية" في أغلب الشركات. (إذا تم حفر بئر فإن تكاليفه ثابتة لأن تكاليف الحفر لا تتغير، سواء أنتج أم لم ينتج، ولكن تكاليف النقل بالأنابيب أو الشحنات متغيرة لأنها تعتمد على الكمية، مثلاً).
فإذا انخفضت أسعار النفط إلى ما دون التكاليف التشغيلية، فإن فكرة تخفيض الخسائر إلى أدنى حدّ ممكن تتطلب إغلاق المنشأة أو البئر لأن الاستمرار بالإنتاج يعني خسائر أكبر. لهذا، فإن القول إن تكاليف الإنتاج الكلية 50 دولاراً للبرميل مثلاً، لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن هذه الشركات تحقّق خسائر، ولكن لا يعني بالضرورة إفلاسها أو وقف إنتاجها. ويمكن أن تستمر الشركة بالإنتاج لسنوات عدة وهي تحقق خسائر، طالما أن وقف الإنتاج سيحقق خسائر أكبر.
ولكن الأمور في مجال أعقد من ذلك. فإغلاق البئر أو تخفيض إنتاجها قسرياً مكلّف، وإعادة فتحها مكلّف، وقد يخسر جزء من الإنتاج نتيجة تغيّر الضغط أو هجرة النفط أو أي عوامل فنية وجيولوجية أخرى. هذه التكاليف والخسائر يجب أن تحسب أيضاً.
مثلاً، إذا كانت التكاليف التشغيلية 22 دولاراً للبرميل، فإن انخفاض الأسعار إلى 21 دولاراً للبرميل يستوجب إغلاق البئر. ولكن إذا كانت تكاليف إغلاق البئر وإعادة فتحها وتكاليف خسارة النفط الذي لا يمكن استخراجه 3 دولارات للبرميل مثلاً، فإن البئر يجب أن تستمر في الإنتاج حتى سعر 19 دولاراً للبرميل. إلا أنه يمكن للمنتج أن يستمر بالإنتاج حتى لو انخفضت الأسعار تحت 19 دولاراً للبرميل لأسباب قانونية بحتة.
هل الأمور معقدة بما فيه الكفاية؟ انتظر! أغلب العقود في الولايات المتحدة بين منتجي النفط وأصحاب الأراضي تتضمن فقرتين ملزمتين لمنتج النفط: الاستمرار بالإنتاج وحفر بئر أو آبار عدة ضمن فترة معينة في الأقل. فإذا توقف المنتج عن الإنتاج اختيارياً، أو لم يحفر الآبار في الوقت المعين والعدد المطلوب، فيمكن لصاحب الأرض أن يطرده، وبالتالي يخسر المنتج كل شيء، بما في ذلك المبالغ الأوليّة التي دفعها لصاحب الأرض كي يوقّع على العقد. هذا يعني أن بعض المنتجين مضطر إلى أن ينتج تحت أي ظروف وأي أسعار، وعلى البعض أن يحفروا آباراً مهما كانت الأسعار. لهذا قررت مفوضية الشركات في ولاية أوكلاهوما، وهي الهيئة المكلفة الإشراف على قطاع النفط والغاز في الولاية، أن تعطل هاتين الفقرتين في كل العقود بها عندما قررت أن البيع بخسارة يمثّل "هدراً اقتصادياً"، لذلك يمكن للمنتج التوقف عن الإنتاج من دون أي مخاوف من عقوبات أو محاكمات.
ماذا يعني ما سبق؟ إن الحديث في التكاليف موضوع محاسبي غالباً، ولكن لا يمكن استنتاج الكثير منه في ما يتعلق بكميات الإنتاج، ومصيره. التخفيض سيأتي من كل ما هو فوق المطلوب في العقود، أو إذا امتلأت الخزانات والأنابيب، بحيث يصبح وقف الإنتاج قسرياً، عندها يمكن للمنتج أن يستخدم فقرة "القوة القاهرة" في العقد لوقف الإنتاج.
أما بالنسبة إلى المستقبل، فإن الانهيار الحالي وانخفاض إنتاج النفط الأميركي يعني حقيقة جديدة على أرض الواقع: انخفاض التكاليف! وهذا ما يساعد الصخري لاحقاً مع ارتفاع الأسعار وعودة الإنتاج.
أما بالنسبة إلى السعر، ما هو سعر النفط الذي يجب أن يحصل عليه المنتجون حتى ينمو إنتاج الصخري مجدداً؟ هذا أيضا سؤال إجابته صعبة لأسباب عدة، أهمها أسعار الغاز والسوائل الغازية ونسبتهما في إنتاج البئر، ووجود أنابيب، وتكاليف النقل في الأنابيب، وإلى أي سوق تأخذ الأنابيب هذا النفط. وهنا لا بد من ذكر حقيقة هامة، وهي أن بعض منتجي النفط الأميركي يسعّر نفطه حسب خام برنت، وليس حسب خام غرب تكساس، وبالتالي يحصلون على سعر أعلى من غيرهم. وبحساب مختلقف التغيرات، وبافتراض تضاعف أسعار الغاز والسوائل الغازية عما هي عليه، فإن النمو سيعود إلى النفط الصخري مع تجاوز أسعار خام غرب تكساس 43 دولاراً للبرميل.
وزيادة في تعقيد الأمور: كثير من الشركات تحوَّط عندما كانت الأسعار فوق 45 دولاراً للبرميل. هذا يعني أنه مع وجود سعر 20 دولاراً للبرميل، فإن هذه الشركات تحصل على أسعار فوق 45 دولاراً للبرميل! ما سبق يبيّن لماذا لم يتوقف جزء كبير من الإنتاج الأميركي، ويبين أن ما حدث ليس نهاية الصخري، وليس نهاية نموه، بخاصة أن التكاليف سنتخفض بشكل ملحوظ مقارنة بالفترات الماضية.