سيسفر تطبيق ذكيّ لتتبّع مخالطي مرضى فيروس كورونا، صنعته هيئة "الخدمات الصحيّة الوطنيّة" ("إن. آتش. أس") NHS في المملكة المتحدة، عن "عواقب غير متعمّدة"، وفقاً لماثيو غولد، الرئيس التنفيذيّ لـ"إن. آتش. أس. إكس" الذراع التكنولوجيّة لتلك الهيئة الصحيّة، وقد تولّت تطوير تقنية التتبع.
وأمام لجنة برلمانيّة، أقرّ غولد إنّ المسؤولين لا يعرفون "تحديداً كيف سيعمل التطبيق"، لكنه سيترك "عواقب غير مقصودة، ولا شكّ في أنّه سيتعيّن علينا تطوير بعض المناحي فيه".
وأضاف، "ينبغي أن نكون صريحين مع الناس بشأن ذلك، نظراً إلى أنّنا عندما نطلقه (التطبيق)، لن يكون مثاليّاً، وكلما تعمّق فهمنا للفيروس (كورونا)، سيتطوّر التطبيق أيضاً."
وفي خطوة مهمة، باشرت السلطات تعميم التطبيق على سكان جزيرة "آيل أوف وايت" Isle of whight البريطانيّة على سبيل التجربة، قبيل إطلاق مرتقب له داخل المملكة المتحدة، في وقت لاحق من الشهر الجاري.
في الإحاطة الإعلاميّة اليوميّة بشأن فيروس كورونا في "10 داونينغ ستريت" الاثنين الماضي، ذكر مات هانكوك وزير الصحة البريطانيّ إنه "في الأسبوع الماضي انتهينا من التحقّق من اختبار قدرات [التطبيق]. واعتباراً من الليلة، يبدأ العمل على إمكانية تتبّع المخالطين، ومن الغد، سيكون موظّفو "إن. آتش. أس" NHS في الجزيرة قادرين على تحميل التطبيق، بدءاً من يوم الخميس المقبل، ستحصل كل عائلة من بين 80 ألف أسرة في الجزيرة على رسالة من مديرة التمريض تتضمّن معلومات شاملة عن التجربة. عندئذ، سيتمكّن سكان الجزيرة من تثبيت التطبيق".
واستطراداً، حثّ هانكوك سكان الجزيرة على "تقبّل ذلك بحماسة"، مشيراً إلى إنه "عبر تحميل التطبيق، أنتم تصونون صحتكم، وصحّة أحبائكم ومجتمعكم". في الوقت نفسه، شدّد على أنّ تجربة التطبيق لا تعني وقف إجراءات التباعد الاجتماعيّ في الجزيرة.
وفي سياق متصل، أثار نشطاء في مجال الدفاع عن الخصوصيّة مخاوف بشأن إمكانية أن يطاول البيانات التي ستُجمع (عبر التطبيق) عن تحركات الأشخاص واتصالهم بالآخرين، ما يُسمى "زحف المهمة"، بمعنى خروج التطبيق عن أهدافه الأصليّة.
وذكرت مجلة "هيلث سيرفيس جورنال" أنّ التطبيق لم يجتز بعد اختبارات الأمن السيبراني والأداء والسلامة السريريّة اللازمة لإدراجه في مكتبة تطبيقات "إن. آتش. أس".
بيد أنّ هانكوك أصرّ على أنّ التطبيق صُمِّم "مع مراعاة الخصوصيّة والأمان". إذ ذكر أن "البيانات تُخزَّن على هاتف المُستخدم وليس لدى "إن. آتش. أس"، [وتبقى كذلك] إلى أن يجد المرء أنّه يعاني أعراضاً قد تتصل بكورونا ويحتاج تالياً إلى الخضوع لاختبار، فيقصد عندئذ "الخدمات الصحيّة الوطنية" التي سيتعيّن عليها الاتصال بالأشخاص الذين كانوا على تواصل معه".
أضاف الوزير، "ينطوي ذلك على أعلى مستوى من الخصوصيّة المُثَبَّتَة [في الهواتف] بغية التأكّد من قدرتنا على طمأنة الناس بشأن الخصوصيّة، غير أنّه سيكون في الوقت نفسه فاعلاً وينقذ أرواحاً كثيرة".
وفي سياق متصل، تطرّق إلى التقنية جون نيوتن وهو منسِّق اختبارات كورونا في بريطانيا. إذ ذكر في الإحاطة الإعلاميّة اليومية في "10 داونينغ ستريت" إنّ التطبيق نفسه لن يحتوي على معلومات شخصيّة خاصة بالمستخدم، بل ببساطة سيتضمّن بيانات عن أمكنة وُجد فيها الهاتف مع هواتف أخرى كانت على مقربة منه، وذلك عبر استخدام أرقام غير مُعرَّفَة تُنشأ بشكل عشوائيّ.
كذلك ذكر نيوتن "إنّه استخدام آمن جداً للبيانات، ويجب أن يشعر الناس باطمئنان شديد إزاء الإجراءات الاحترازية المتّخذة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعدّ تطبيق "إن. آتش. أس. أكس" جزءاً من "الاختبار، والتعقّب والتتبّع"، التي تمثّل استراتيجية واسعة النطاق تعتمدها حكومة البلاد عند تخفيف قيود الإغلاق في المملكة المتحدة. وعلى نحوٍ مماثل، ستُستخدم تقنية "بلوتوث" في ترصد الأوقات التي يكون المستخدم فيها على مقربة شديدة من أشخاص آخرين، وإذا ظهرت عليه أعراض فيروس كورونا، يمكنهم أن يختاروا تنبيه أولئك الأشخاص باعتبار أنهم باتوا معرّضين للخطر.
واستطراداً، تُسَّجّل البيانات تحت هوية مجهولة، بدلاً من اسم المستخدم، ولن يعرف الشخص الذي يتلقى إشعاراً تحذيريّاً كيف وأين صار مهدداً بوصول العدوى إليه.
وبصورة عامة، صار معروفاً أن تكنولوجيا تتبّع مخالطي المرضى تُستخدم على نطاق واسع في كوريا الجنوبيّة وهونغ كونغ وألمانيا، وتلك بلدان احتوت تفشي كوورنا بسرعة أكبر من سواها.
وقد خضع تطبيق "إن. آتش. أس. أكس" للاختبار حتى الآن في قاعدة "سلاح الجو الملكيّ" ضمن ظروف مغلقة ومُسَيْطَر عليها. ثم بدأت تجربته في جزيرة "وايت" منذ الثلاثاء الماضي.
وتعتزم الحكومة توظيف 18 ألف متتبِّع لمخالطي المُصابين بكورونا مع حلول منتصف مايو (أيار) الحاليّ. وسيكون المتتبعون على اتصال مع الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض ولا يتوفّر التطبيق لديهم.
وفي ذلك الشأن، أطلع غولد "اللجنة المشتركة المعنيّة بحقوق الإنسان" في البرلمان البريطاني، أنّ التطبيق مُنِحَ حتى الآن إلى مستخدمين من عمر 16 سنة وما فوق. وأشار إلى إمكانية تغيير ذلك المستوى العُمري بعد الحصول على مشورة من "مكتب مفوض المعلومات" البريطانيّ (آي. سي. أو) و"مكتب مفوضيّة الأطفال".
وأضاف، "أُدرك أنّ استخدام الهواتف الذكيّة ينخفض لدى المسنين. ويشكِّل ذلك جزءاً من استراتيجية، لذلك نحرص على أن لا نعتمد على التطبيق من دون غيره".
عند سؤاله عن ضرورة وجود نسبة مئوية دُنيا من السكان يتوجب أن تستعمل التطبيق من أجل ضمان فاعليته، أجاب غولد إنّ الحكومة لم تضع هدفاً من هذا النوع.
وكذلك أخبر غولد النواب أنّ مشاريع مماثلة في دول من بينها أستراليا وسنغافورة والنرويج، أظهرت كل نسبة من خُمس السكان وما فوق، ستحمل "قيمة كبيرة".
وأضاف، "حتى عند هذا المستوى، يبدأ التطبيق في إعطائنا أفكاراً مهمة فعلاً حول الأعراض وكيفيّة انتشار الفيروس، وكيف ينبغي التعامل معه. في حال وصلنا إلى مستويات 40 أو 50 في المئة أو ما فوق، يمكن للتطبيق أن يُحدث فارقاً كبيراً في تحديد الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالحالات المشتبه فيها، والتأكّد من قدرتنا في تحديد هؤلاء الأشخاص وعزلهم بشكل أسرع وأكثر فاعلية".
وعلى نحوٍ مماثل، أشار غولد إلى أنّ التطبيق "يمكن أن يؤثر جوهريّاً" في قرار الحكومة بشأن سرعة رفع القيود المفروضة على التنقلّ والتجمّعات المعمول بها منذ مارس (آذار) الماضي.
ومع الإشارة إلى أنّ أجهزة الشرطة مخوّلة إلقاء القبض على الأشخاص بتهمة انتهاك لوائح الصحّة العامة الحالية وفرض غرامات عليهم أيضاً، ذكر غولد إنّ البيانات المستقاة من التطبيق لن تُحال إلى جهات إنفاذ القانون وإنّ الامتثال للتنبيهات سيكون اختياريّاً.في مقلب مغاير، وفي سياق حديثها إلى "اللجنة [البرلمانية] المشتركة المعنيّة بحقوق الإنسان]، ذكرت الدكتورة أورلا لينسكي، وهي بروفيسورة في القانون في "كلية لندن للاقتصاد"، إنّ ثمة مخاوف بشأن تولي التطبيق مهمة جمع بيانات متعلّقة بالمواقع التي يتنقل بينها الأفراد. أضافت، "تتسم بيانات المواقع بحساسية فائقة، إذ تدلّ إلى المكان الذي كنت فيه في وقت معين. لنقل، هل كنت عند الطبيب، أو عند المحامي، هل كنت في عيادة الصحة الجنسيّة؟".
في الواقع، "ثمة خطر متأصِّل في أنّك إذا أنشأت نظاماً يمكن الإضافة إليه تدريجيّاً، يمكنك حينها الوصول إلى درجة تتضمن مساساً شديداً بالخصوصية"، بحسب الدكتورة.
في سياق مماثل، أشار الدكتور مايكل فيل، المحاضر في القوانين الرقميّة بجامعة "كوليدج لندن"، إلى إمكانية حدوث ما يُسمى "زحف الوظيفة" [بمعنى انتهاء الغرض المُعلن من التكنولوجيا، ثم انتقال استعمالها إلى مجالات أخرى، من بينها المراقبة].
وكذلك ذكر إنه في حال أُدرجت تفاصيل تحدِّد هويّة الأشخاص في المستقبل، من قبيل تفاصيل جوازات السفر، ربما يسمح ذلك "بتطوّر التطبيق إلى شكل من "نظام تصنيف إشارات المرور"، بمعنى أن يصبح أداة في تقييم مدى خطورة شخص ما على أساس تلك التحركات". وفي سياق متصل، دعا خبراء إلى أن يكون الغرض من التطبيق محدوداً جداً، مع وضع بند "يحدِّد نهاية العمل به" عندما لا تعود له فائدة.
وفي ذلك الشأن، لم يستبعد غولد توسيع نطاق التطبيق، بل ذكر إنّ كل تغيير يُدخل عليه سيجري توضيحه للمجتمع البريطاني. وأضاف، "يمكننا أن نتيح للناس إمكانية تقديم مزيد من التفاصيل، لكنّها ستكون محلّ اختيار. وإذا حَذَفْتَ التطبيق، فستُحذف جميع البيانات غير المتبادلة طواعيّةً، التي تكون مخزّنة على الهاتف. وإذا اخترت أن تشاركها، فيمكنك الاحتفاظ بها لغايات بحثية".
كذلك ذكر غولد إنّ التطبيق لن يطلب أسماء الأشخاص و"لا يعرف من أنت"، لكنه يتطلّب إدراج النصف الأول من رموز العناوين البريديّة بغية جمع معلومات حول النقاط الساخنة المُحتملة، وتنبيه المستشفيات المحلية بشأن حدوث زيادة في الإصابات.
وفي السياق نفسه، أثار أعضاء "اللجنة [البرلمانية] المشتركة المعنيّة بحقوق الإنسان" مخاوف بشأن الطريقة التي يمكن أن يعمل بها التطبيق عندما تترافق معه تطبيقات تستخدمها دول أخرى، من بينها جمهورية أيرلندا التي تستخدم نوعاً مختلفاً من النظام "اللامركزيّ".
في هذا الصدد، ذكر غولد، "نحن قلقون بشأن التشغيل المشترك، لكننا لسنا وحدنا من يتّبع هذا النهج. إذا اتضح أنّ ثمة نهجاً مختلفاً أفضل وأنّنا نحتاج إلى تحقيق الأمور على نحو أكثر فاعلية، عندئذٍ سنلجأ إلى التغيير".
في سياق متصل، التزمت "إن. آتش. أش. أكس" نشر رمز التطبيق وتقييم الخصوصية ونماذج الأمان المتعلّقة به.
إذ أشارت إليزابيث دينهام، مفوضة "لجنة المعلومات البريطانيّة"، إلى إن مكتبها عمل على تقديم المشورة لمطوِّري التطبيق، وسيعمد إلى إجراء "تدقيقات صارمة" بشأنه في المستقبل.
أضافت، "نحن في صدد النظر في بيانات بشأن تقييم تأثير التطبيق في حماية البيانات، وتمثل [تلك البيانات] الوثيقة الأساسيّة بالنسبة إلينا التي ينبغي مناقشتها".
© The Independent