انكمش الاقتصاد الياباني، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، للربع الثاني على التوالي في الأشهر الثلاثة حتى مارس (آذار)، مما يزيد من حدة التحدي الذي يواجهه صُنّاع السياسات الذين يكافحون (كوفيد-19)، جائحة القرن التي تسبّبت بالفعل في اضطرابات واسعة النطاق وتركيع الاقتصاد العالمي.
وأظهرت البيانات الرسمية الأوليّة في اليابان انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4 في المئة في الربع الأول من العام، حيث انخفض الاستهلاك الخاص والإنفاق الرأسمالي والصادرات، بعد انخفاض 7.3 في المئة في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول)، مستوفياً التعريف الفني للركود.
وكان متوسط توقعات السوق لانكماش 4.6 في المئة في الربع الأول. وكانت المرة الأخيرة التي واجهت فيها اليايان ركوداً اقتصادياً في النصف الثاني من عام 2015.
وبينما يتوقع الاقتصاديون انكماش الاقتصاد الياباني بوتيرة سنوية تبلغ 22 في المئة خلال الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، إلا أنهم يتوقعون أيضاً أن تنكمش الولايات المتحدة بأكثر من 25 في المئة. كما أن معدل الانخفاض السنوي بنسبة 3.4 في المئة في الربع الأول يقارن بشكل إيجابي بـ4.8 في المئة، التي عانت منها الولايات المتحدة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
كان هذا أكبر انخفاض للاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات.
حزمة تحفيز بتريليون دولار
وكانت الحكومة اليابانية قد أعلنت عن حزمة تحفيز قياسية بقيمة 1 تريليون دولار، ووسّع بنك اليابان إجراءات التحفيز للشهر الثاني على التوالي في أبريل.
وتعهد رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، ميزانية ثانية في وقت لاحق من هذا الشهر لتمويل إجراءات إنفاق جديدة لتخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.
وقال يويتشي كوداما، كبير الاقتصاديين في معهد "ميجي ياسودا" للأبحاث، إنه "من شبه المؤكد أن الاقتصاد عانى من تراجع أعمق في الربع الحالي، لقد دخلت اليابان في ركود كامل".
ودمّر فيروس كورونا، الذي ظهر للمرة الأولى في الصين أواخر العام الماضي، الاقتصاد العالمي، حيث فرض العديد من الدول قيوداً صارمة للحدّ من تفشي المرض الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 300 ألف شخص في جميع أنحاء العالم. وكان الوباء مدمراً بشكل كبير في سلاسل التوريد والشركات، بخاصة في الدول التي تعتمد على التجارة، مثل اليابان.
انخفض الاستهلاك الخاص، الذي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد الياباني البالغ 5 تريليونات دولار، بنسبة 0.7 في المئة، مقابل انخفاض 1.6 في المئة يتوقعه الاقتصاديون.
ويمثل ذلك الربع الثاني على التوالي من التراجع، حيث تضرّرت الأسر من الضربة المزدوجة للوباء وزيادة ضريبة المبيعات إلى 10 في المئة من 8 في المئة في أكتوبر من العام الماضي.
كورونا أوجع الشركات اليابانية
كان تأثير الفيروس على الشركات اليابانية واضحاً، حيث أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً حاداً في الصادرات بنسبة 6 في المئة في الربع الأول.
تم إبراز الهزّة في التجارة العالمية في بيانات مارس الأخيرة، حيث تراجعت صادرات اليابان بشكل أكبر في ما يقرب من أربع سنوات بسبب انخفاض الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة بما في ذلك السيارات.
وأظهرت البيانات تراجع الإنفاق الرأسمالي بنسبة 0.5 في المئة في الربع الرابع، مقابل متوسط انخفاض 1.5 في المئة، مسجلاً تراجعاً للربع الثاني على التوالي.
أطاح الطلب المحلي نسبة 0.7 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي، في حين انخفض الطلب الخارجي 0.2 نقطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل هذا وضع ضغطاً على سوق العمل. وارتفع معدل البطالة في اليابان في مارس إلى أعلى مستوياته في عام، في حين انخفض توفّر الوظائف إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وكان أكيو تويودا، الذي يقود أيضاً أكبر شركة سيارات يابانية، تويوتا موتور كورب، قد قال "الحقيقة، إنها كانت صادمة، إلى أي مدى يمكن أن يتغير العالم في لحظة".
وأضاف تويودا، الذي يتولى أيضاً رئاسة رئيس الجمعية اليابانية لمصنعي السيارات "في هذه المرحلة، لا يمكننا أن نتوقع ما ينتظر شركات صناعة السيارات".
وفي إعلانات منفصلة، قالت تويوتا ونيسان موتور وهوندا موتور إنهم سيوقفون مؤقتاً مصانع أميركا الشمالية لحماية صحة العمال وسط ضربة متوقعة للطلب.
كما أوقفوا الإنتاج في العديد من المصانع في أوروبا، مع إغلاق هوندا مصنعها في سويندون في بريطانيا حتى 5 أبريل في الأقل، بحسب ما أوردته "رويترز".
وعلى الرغم من عدم اليقين، قال تويودا إنه لا يتوقع أن يؤثر تفشي الفيروس على الإنفاق على البحث في التقنيات المتقدمة، مثل القيادة الذاتية والسيارات الكهربائية.
الأثر الاقتصادي لانخفاض أسعار النفط
وطبقاً لورقة أعدها كل من توموكو هوسوي وأوسامو فوجيساوا من (FGE)، سيكون للتراجع الكبير في أسعار النفط أخيراً تأثير محدود على الطلب على النفط في اليابان وتوجهاتها في قطاع الطاقة، حيث سيحافظ على اتجاهه الهبوطي، بسبب العوامل الديموغرافية بالإضافة إلى تحسين كفاءة الوقود. حتى قبل حادثة فوكوشيما، كانت الحكومة قد وضعت بالفعل خطة حازمة للحدّ من اعتماد البلاد على النفط. في الواقع، إن تقلّب أسعار النفط لا يبشّر بالخير لأمن الطاقة في اليابان. ستواصل سياسة الطاقة اليابانية طويلة المدى في البلاد التركيز على الطاقة النووية وتشجيع الاستخدام المتزايد لها، وكذلك المصادر المتجددة للتخفيف من تغيّر المناخ والابتعاد عن النفط. وتريد الحكومة أيضاً تقليل اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي المسال (LNG)، الذي يمثل ما يقرب من 50 في المئة من إجمالي مزيج توليد الطاقة على الرغم من حقيقة أنه غير معرف كوقود أساسي.
تعثر الاقتصاد الياباني
تواجه اليابان تحدياً فريداً، حيث ظل اقتصادها راكداً لعقود، مقارنة باقتصاديات المنافسين الأكثر ازدهاراً، الولايات المتحدة والصين.
وتعتمد أيضاً بشكل كبير على تصدير سلعها ولا تسيطر على طلب المستهلكين في دول أخرى، الأمر الذي تأثر بشدة من الإغلاق الذي تسبّب به وباء كورونا. وكان العديد من أكبر علاماتها التجارية، مثل شركات السيارات تويوتا وهوندا، قد شهد تراجعاً في المبيعات في جميع أنحاء العالم.
كما تضرّرت السياحة، التي كانت منذ فترة طويلة دعماً للاقتصاد الياباني، بشدة حيث أدى الوباء إلى إبعاد الزوار الأجانب. ويوجد في اليابان أكثر من 16 ألف حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، في ما سُجلت 740 حالة وفاة.
تبدو الأمور قاتمة بالنسبة إلى الاقتصاد الياباني على المدى القصير، إلى جانب الاقتصادات الكبرى الأخرى حول العالم. ولكن على الرغم من كونها أول الاقتصادات الثلاثة الأولى في العالم التي تقع رسمياً في الركود، يبدو أن أداء البلاد في الواقع أفضل، أو أقل سوءاً، من الاقتصادات الرئيسة الأخرى.
الصين، التي أزاحت منذ سنوات اليابان عن عرش ثاني أكبر اقتصاد في العالم لتحلّ محلها، شهدت هي الأخرى انكماشاً للنمو الاقتصادي بنسبة 6.8 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 مقارنة بالعام الذي سبقه، وهو أول انكماش ربع سنوي منذ بدء التسجيل.