كي نفهم موقف بوريس جونسون تجاه مجلس العموم، علينا العودة إلى زمن ما قبل الجائحة الذي يبدو الآن كأنه عصر ما قبل التاريخ، تحديداً إلى أكتوبر (تشرين أول) 2019.
وآنذاك، بإعلان جونسون أنه "لو كان البرلمان عبارة عن مدرسة، ستغلقه "أوفستيد [جهاز الرقابة على التعليم]"، فقد قصد حقاً القول إن البرلمان فشل مراراً في النهوض بما يعتبره جونسون وظيفته الحقيقية المتمثّلة في الموافقة على كل ما تريده الحكومة.
حدث ذلك عندما كان جونسون يكافح على رأس حكومة أقلية. ولأنه منذها حصل على أغلبية مريحة مكوّنة من 80 مقعداً، ينوي الآن استخدامها الأربعاء المقبل في الحد من الوظيفة الحاسمة التي عُهد بها تاريخياً إلى البرلمان، المتمثلة في الرقابة العامة الرشيدة التي تُحسّن جودة الحكومة، وثمة حاجة إلى تلك الوظيفة الآن أكثر من كل وقت مضى.
ومنذ 2010، كثّفت لجان متخصصة مشتركة بين الأحزاب في مجلس العموم من جهودها بشكل كبير. وقد أنشأت مساراً وظيفياً جديداً للسياسيين الأذكياء الذين يدركون أن تولي رئاسة لجنة مهمة يمكن أن يكون أكثر إنتاجية من مجرد الجلوس في المقاعد الأمامية من دون دور مهم. وبدلاً من النظام القديم المريح الذي يعمل فيه مساعدو زعماء الأحزاب على تعيين مرشحيهم المفضلين، جرى تعيين رؤساء اللجان من قبل النواب جميعهم في اقتراع سري، ما يزيد إمكانية اختيار أصحاب الكفاءات.
وكذلك عمل رؤساء اللجان على انتخاب رئيس لجنة الاتصال التي تشكّل لجنة رفيعة جداً والوحيدة التي لديها سلطة استجواب رئيس الوزراء. وعندما تجري رئاسة هذه الجلسات بشكل صحيح، فإنها تتطلب من رئيس الوزراء أن يكون مُلماً بتفاصيل السياسة، بعيداً عن الحشد المعتاد من الموالين الذين يهتفون لكل عبارة ساخرة بديلة عن إجابة حقيقية في جلسة أسئلة رئيس الوزراء. (ربما يعود النداء الأخير الذي وجّهه زعيم مجلس العموم جاكوب ريس-موغ إلى النواب للعودة إلى العمل على الرغم من قيود "كوفيد 19"، إلى رغبة في استعادة أجواء حشود كرة القدم في مجلس العموم).
والآن، تخطط الحكومة للقطع مع كل السوابق الحديثة العهد، من خلال تعيين رئيس "لجنة الاتصال" من اختيارها [= الحكومة]، وهو النائب المحافظ وحليف جونسون القوي السير برنارد جينكين. وتسعى النائبة العمالية هاريت هارمان إلى تعديل مقترح تعيين جينكين، في خطوة لا علاقة لها بانتماء جينكين إلى حزب المحافظين، لأن كل مرشح بديل سينتمي أيضاً إلى الحزب نفسه، وقد حدث ذلك مع رئيسيْن سابقين لتلك اللجنة هما أندرو تايري وسارة ولاستون (التي كانت محافظة على الأقل عندما تقلّدت المنصب). من ناحية أخرى، كان النائبان كلاهما مستقلين فكرياً، وأخذا بجدية مهمة الاستجواب الصارم لرئيس الوزراء. وكذلك عملا لمصلحة رؤساء اللجان المتخصصة، وانتخبا من قبل زملائهما. في المقابل، يفتقر جينكين إلى تلك الخصائص كلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد شرع جونسون في العودة إلى الأيام الخوالي السيئة للمحسوبية الحكومية، أيام كوفئ النواب على ولائهم إن لم يكونوا قد عُيّنوا كوزراء. ومع أن هذا الدافع مخيب للآمال، إلا أنه لا يمثل القصة الكاملة. إنّ تنصيب مقرب لك رئيساً للجنة الوحيدة القادرة على مساءلة مركز الحكومة يتوافق إلى حد ما مع ازدراء، أو ربما الخوف من، التدقيق البرلماني الجاد. وقد سبق فعلاً أن كشف فريق جونسون عن هذا الازدراء أو الخوف.
لقد رفض جونسون جميع الطلبات الثلاثة، بعذر أو آخر، التي تقدمت بها وولستون للمثول أمام لجنة الاتصال خلال عمل البرلمان الأخير. وفي العام الماضي، اتُهم مستشار جونسون المُقرب دومينيك كامينغز رسمياً بازدراء البرلمان بسبب عدم حضوره، باعتباره المدير السابق لحملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى جلسة استماع عقدتها لجنة الثقافة والإعلام والرياضة حول "التضليل والأخبار المزيفة" [التي يفترض أنها رافقت تلك الحملة].
وكذلك ظهرت تلك الحالة الغريبة بشأن التقرير الأخير الذي أصدرته "لجنة المخابرات والأمن"، وقد احتفظ به جونسون إلى ما بعد مرور الانتخابات. وعلى الرغم من أن اللجنة تتألف من برلمانيين كبار، إلا أنها ليست لجنة متخصصة، ولا يزال كل رئيس وزراء جديد يعيّن أعضاءها بشكل اعتيادي. (وحتى الآن، عيّن جونسون رئيس اللجنة وحده، وهو كريس غرايلينغ أحد الموالين الآخرين، ولا يزال نشر التقرير ينتظر تعيين الأعضاء الآخريين).
لا يمكن لـ"لجنة الاتصال الحكومية" عرقلة سياسة الحكومة، لكن يمكنها المساعدة في وضعها في دائرة الضوء(ومحاسبتها) بشأن (إدارتها) أزمة "كوفيد 19" والتهديد المتجدّد المتمثل في الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، للإشارة إلى مجرد مثلين عن تلك اللجنة.
تعتقد هارمان أن جونسون يريد بدلاً من ذلك "التلاعب بالبرلمان"، بهدف "حماية نفسه من المساءلة التي تشكل أمراً يقع في صميم العمل، وليست خياراً إضافياً". ويعتبر التعديل الذي تقدّمت به متواضعاً للغاية، إذ يكتفي بالإصرار على وجوب أن يكون الرئيس الجديد قد ترأس بالفعل لجنة متخصصة. وبذا، يتمثّل الحد الأدنى لما يمكن فعله مِنْ قِبَل النواب المحافظين العادلين الذين يؤمنون بالدور التاريخي للبرلمان في التدقيق في السلطة التنفيذية، في دعم تعديل [هارمان بشأن تعيين رئيس "لجنة الاتصال الحكومي"].
© The Independent