يبدو أنّ النقابات العمالية في المملكة المتحدة تعكس اتجاه تراجعها التاريخي في العضوية، ويعود ذلك جزئياً إلى الزيادة في عدد النساء اللاتي انضممن إليها. وتظهر أرقام جديدة أصدرتها وزارة الأعمال الأربعاء الماضي، أن عدد الأفراد الذين انتسبوا إلى النقابات العمالية ارتفع بصافي 91 ألف شخص في 2019، وهي السنة الثالثة على التوالي التي يرتفع فيها عدد أعضاء النقابات بعد عام من الانحسار.
وبات الآن نحو ستة ملايين و440 ألف شخص أعضاء في نقابات العمال، بارتفاع عن مستوى قياسي بلغ قرابة ستة ملايين و230 ألف عضو في العام 2016، ويشمل هذا الرقم نحو 23.5 في المئة من القوى العاملة ببريطانيا، ويعكس أيضاً زيادة طفيفة عن الأعوام السابقة.
واكتسبت النقابات العمّالية مقداراً أكبر من الاهتمام السياسي خلال أزمة "كوفيد 19"، ونُسب إليها الفضل في الدفع نحو خطة الحكومة المتعلّقة بتعويض الإجازات غير المدفوعة للموظفين خلال فترة تفشي فيروس كورونا، على الرغم من أنّ أرقام عام 2019 لا تأخذ ذلك في الحسبان.
العضوية في النقابات العمّالية ارتفعت في كلّ من القطاعين العام والخاص، وفي مختلف أنحاء إنجلترا وويلز واسكتلندا، في حين تراجعت في إيرلندا الشمالية.
وبلغ عدد النساء المنتسبات إلى الاتحادات أعلى مستوى له، منذ أن بدأت سلسلة البيانات في العام 1995 برقم ثلاثة ملايين و690 ألف عضوية. وأشار متخصصو الإحصاء التابعون للحكومة البريطانية إلى أن السبب يعود إلى حدوث زيادات كبيرة في عدد الموظفات العاملات في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، إذ يصل عدد النساء إلى أقل بقليل من ثلاثة أرباع مجموع العاملين في تلك القطاعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في بيان عن الإحصاءات التي أجرتها الحكومة أن "نحو ثلثي الزيادة في عدد النساء العاملات جرى احتسابه على وظائف في هذه القطاعات التي تشهد عضوية نقابية عالية نسبياً". وأوضحت فرانسيس أوغرايدي، الأمينة العامة لمؤتمر نقابات العمّال البريطانية، أن "أرقام اليوم تظهر أن عضوية النقابات كانت تتزايد قبل اندلاع أزمة فيروس كورونا. ونحن نعلم أنه في الأشهر القليلة الأخيرة، لجأ آلاف العمال إلى النقابات لحماية وظائفهم والدفاع عن حقوقهم والحفاظ على سلامة أماكن العمل".
وأشارت أوغرايدي إلى أن "الانتساب إلى نقابة لم يكن يوماً أكثر أهمية ممّا هو عليه في هذه المرحلة، فالعمل الدؤوب والتفاني الذي أبداه ملايين العمال، ساعدانا في تخطي هذه الأزمة. وسنتمكّن معاً ضمن اتحاداتنا من أن ننجح في الخروج من فترة الركود".
ورأت المسؤولة النقابية أن "على الوزراء أن يأخذوا أصوات العمال في الحسبان ويضعوها في صلب استراتيجيتهم، لا سيما من خلال إنشاء (مجلس للتعافي الوطني) يجمع ما بين النقابات وأرباب العمل".
معلومٌ أن لدى بريطانيا أرقام عضوية نقابية مرتفعة نسبياً، مقارنة ببعض جيرانها، فهي تتفوّق على فرنسا وألمانيا، إلا أنها تأتي خلف بلدان أخرى مثل بلجيكا والسويد.
لكن، القوانين المقيدة في المملكة المتحدة المناهضة للنقابات، تعني أنه على الرغم من انتساب عدد كبير من الموظفين إلى الاتحادات العمّالية، ففي الممارسة العملية تُجرى تغطية عددٍ أقل بكثير في الواقع، من خلال المفاوضة الجماعية (عملية التفاوض بين أصحاب العمل والموظفين على الرواتب وظروف العمل والمزايا والحقوق)، مقارنة بالخارج.
في معظم بلدان أوروبا الغربية، تغطّي المفاوضة الجماعية نسبة تتفاوت ما بين 60 و100 في المئة من العمال، وتصل النسبة إلى 98 في المئة في فرنسا، على الرغم من انخفاض العضوية في نقاباتها عن المملكة المتّحدة. لكن في بريطانيا، لا تغطّي المفاوضة الجماعية سوى 29 في المئة من الموظفين، وهي إحدى أدنى النسب ما بين دول أوروبا، وغالباً ما تكون في القطاع العام.
وإضافة إلى النمو الذي تشهده النقابات العمالية التقليدية الكبيرة، فقد كان هناك أيضاً ضغط شعبي لتشكيل نقابات مستقلة جديدة للعاملين في وظائف حديثة غير مستقرة التي تُصنّف ضمن ما يُسمّى "اقتصاد العمل الحر" gig economy.
قد يندفع العمال بصورة متزايدة نحو التنظيم بسبب الزيادة الهائلة خلال الأعوام العشرة الأخيرة في "عقود العمل غير محددة الساعات" (لا يكون فيه رب العمل ملزماً بتأمين أي حد أدنى من ساعات العمل، بينما المستخدَم غير مجبر على قبول العمل المعروض)، أو نتيجة واقع أن الأجور في المملكة المتّحدة لا تزال أقلّ من المستويات التي كانت عليها في مرحلة ما قبل أزمة العام 2008.
وكان كبير الاقتصاديين في "بنك إنجلترا" أندي هالدين رأى أن ضعف القوة النقابية في المملكة المتّحدة أثر في الأجور، وأنه إذا لم يُعكس هذا التراجع، فإن الأجور ستواصل التعرّض لأضرار.
© The Independent