يبدي الأردن قلقه من تهديد إسرائيل لـ"الوصاية الهاشمية" على المقدسات، والنشاط التركي المتزايد في القدس على حد سواء. وفيما تعتبر عمّان أن تل أبيب تحاول لي ذراعها عبر ورقة "الوصاية"، لتليين موقفها المتصلب والرافض لضم الضفة الغربية والأغوار، فإنها تتبرم بشكل مكتوم وغير معلن بحسب مصادر دبلوماسية، من التحرك التركي المتزايد في القدس الشرقية والذي قد يشكل منافسة للدور الأردني هناك.
وبموازاة هذا القلق، يمر الأردن في مرحلة حراك دبلوماسي محموم مع المجتمع الدولي، لمنع تنفيذ أي قرار إسرائيلي بضم أراضي الضفة الغربية والأغوار. لن يمر الضم من دون رد، ذلك أن تنفيذ هذا القرار سيفجر صراعاً أشرس، ويجعل خيار الدولتين مستحيلاً ويجعل مأسسة التمييز العنصري حتمية، وسيدمر كل فرص تحقيق السلام الشامل".
وكان العاهل الأردني وفي تصريحات عدة، قد كرر أحقيته بالوصاية على القدس، على الرغم من محاولات إسرائيل ضرب هذه "الشرعية التاريخية" من خلال إضعافها بأساليب عدة، على الرغم من ورودها في اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية الموقعة عام 1994 في وادي عربة.
نفوذ تركي متزايد في القدس
وتتحدث تقارير إسرائيلية عن نشاط تركي متزايد في القدس الشرقية، على الرغم من نفي مسؤولين أردنيين عام 2018 وجود أي مخاوف من منافسة الأتراك لهم في رعاية المسجد الأقصى وأوقاف القدس.
وتقول صحيفة "إسرائيل اليوم" في تقرير لها، إن ذراع أنقرة في القدس هي وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)، التي تمولها الحكومة التركية، وتهدف إلى الحفاظ على التراث العثماني في المدينة القديمة، والتي ظلت تحت حكم الدولة العثمانية حتى عام 1917.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية موّلت وكالة "TIKA" مشاريع بقيمة 12 مليون دولار سنوياً لمنع تهويد القدس، عبر دعم المدارس وتقديم المعونات والحفاظ على المنازل القديمة، فضلاً عن منح تصاريح عمل لمعلمين أتراك يقومون بتعليم اللغة التركية للمقدسيين.
ويدور الحديث أيضاً عن مشروع تركي للتمدد داخل أراضي الضفة الغربية، يُطلق عليه اسم "المنتدى التركي الفلسطيني"، ويأخذ طابعاً ثقافياً معتمداً على تأثر الفلسطينيين بالثقافة التركية.
إشاعة لتشتيت الأنظار
من جهته، قال سفير تركيا في الأردن إسماعيل أراماز في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "أعتقد أن بعض التعليقات التي وردت في الإعلام في الآونة الأخيرة حول الوصاية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس، ليست إلا إشاعة، وتهدف إلى تشتيت الأنظار عن استعدادات إسرائيل لضم الضفة الغربية والأغوار، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي".
مضيفاً "تدعم تركيا بقوة دور الأردن في حماية الأماكن المقدسة، ونعتقد بأن الأردن يقوم بتحمل مسؤوليته على أفضل وجه".
علاقات متباينة
وفيما يرتبط الأردن بحلف تقليدي وتاريخي مع دول الخليج، تسعى تركيا لتطوير علاقتها بالأردن، وتتخذ مواقف مؤيدة للسياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً دعم حل الدولتين الذي تتبناه عمان كحل وحيد وترفضه تل أبيب، كما دعمت أنقرة موقف الأردن حيال رفض خطة السلام الأميركية.
إلا أن العلاقة بين البلدين وعلى الرغم من القفزة النوعية التي ترجمت في الزيارات المتبادلة للزعيمين، لا يمكن وصفها بالمتوافقة دائماً، حيث وجه العاهل الأردني الملك عبدالله انتقادات لبعض سياسات أنقرة أكثر من مرّة، كان آخرها في لقائه مع قناة فرنسية بداية العام الحالي، حينما انتقد ما أسماه التدخل التركي في ليبيا وتهديد أنقرة للاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين.
لكن هذا التقارب لا ينفي قلق عمّان من تعاظم الدور التركي في القدس، والذي يفوق كثيراً قدرات عمّان المالية والاقتصادية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتقديم دعم مالي للأسر المقدسية وبناء مساكن وترميم منازل قديمة، كما تفعل أنقرة.
وينظر الأردن بقلق بحسب المصادر، إلى خطوات من قبيل تسليم الحكومة التركية لمسؤولين في السلطة الفلسطينية آلاف الوثائق التاريخية من الأرشيف العثماني، والتي تضم مستندات قانونية تكشف أحقية الدولة العثمانية في الأراضي الفلسطينية في الفترة بين 1517 حتى 1917.
القلق المحلي مرده تجاهل الأردن في خطوة هامة كهذه، على الرغم من علم تركيا بدوره في الأراضي الفلسطينية وطبيعة الترابط بين الضفتين الشرقية والغربية، ديموغرافياً وسياسياً حتى اليوم، إذ تعتبر أراضي الضفة الغربية جزءاً محتلاً من الأردن.
ومن شأن هذه الوثائق أن تعزز أيضاً موقف البلاد بمواجهة الاحتلال، خصوصاً في ما يتعلق برعاياه في الضفة الغربية وإثبات ملكياتهم للأراضي الفلسطينية.