مثل اليوم الثلاثاء، 21 يوليو (تموز) أمام المحكمة السودانية الرئيس السابق للسودان عمر البشير و34 من العسكريين والمدنيين الذين ينتمون إلى تنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، بتهمة تقويض النظام الدستوري الذي كان قائماً على رأس حكومة ديمقراطية برئاسة الصادق المهدي، وذلك بتنفيذهم انقلاباً عسكرياً عام 1989 مكث في سدة الحكم 30 عاماً، وأذاع التلفزيون الرسمي لقطات لرئيس المحكمة وهو يفتتح المحاكمة، ولم يظهر في اللقطات البشير المحبوس في الخرطوم منذ الإطاحة به في أبريل (نيسان) من العام الماضي.
وأشار سياسيون وقانونيون سودانيون لـ "اندبندنت عربية"، إلى أن المساءلة والمحاسبة القانونية في هذه القضية وما يشابهها، مسألة في غاية الأهمية لوضع نهاية للانقلابات العسكرية التي تتنافى مع قوانين المؤسسة العسكرية السودانية، فضلاً عن أنها ضد رغبة الشارع السوداني الذي أعلن انحيازه إلى الديمقراطية كنظام لحكم البلاد.
خطبة اتهام
ويقول عضو اللجنة السياسية في تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين محمود الشيخ، "المتبع عادة في نوعية هذه الدعاوى أن تكون الجلسة الأولى إجرائية، يتم خلالها تسجيل حضور ومثول جميع المتهمين أمام المحكمة، وأيضاً وجود هيئة الدفاع، ويمكن أن تشرع في مثل هذه الدعاوى الكبرى أولى الخطوات بأن يقدم الاتّهام خطبة افتتاحية، ويعقبها استجواب للمتحّرين، أي استكمال المشهد لجميع الأشخاص المرتبطين بالمحكمة ثم يحدد موعد الجلسة الثانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد الشيخ أن أهمية هذه المحكمة تكمن في أنها تمثل إحدى الوسائل القانونية لوضع حد للمغامرين من السياسيين والعسكريين بأن لا يقدموا مستقبلاً على أي عمل من شأنه إجهاض وتقويض النظام الدستوري القائم في البلاد بموجب الشرعية الانتخابية، ويضيف "تعرض السودان خلال التاريخ الحديث بعد انتهاء حقبة الاستعمار ونيل الاستقلال في يناير (كانون الثاني) 1956، لثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة للأسف، فأول انقلاب عسكري قاده الفريق إبراهيم عبود في نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 استمر ست سنوات، لكن حدثت مؤامرة بطمس التحقيق الذي أجراه القاضي عبد الله أبو عاقلة أبو سن بواسطة حزبي الأمة والوطن الاتحادي حتى لا يتجه في منحى يدين المجلس العسكري.
أما الانقلاب العسكري الثاني فقاده جعفر نميري في مايو (أيار) 1969 لمدة 16 عاماً، وقد خضع بعض المشاركين فيه عقب الإطاحة بنظامهم بثورة شعبية في أبريل 1985، إلى محاكمة بغياب قائدهم نميري الذي رفضت مصر تسليمه آنذاك إلى السلطات السودانية، والتي حضر إليها قادماً من رحلة علاجية في أميركا أثناء اندلاع الثورة في الخرطوم، وعلى الرغم من أن الأحكام لم تكن مجزية وهي السجن، لكن قام نظام البشير في بداية فترة حكمه بإخلاء سبيلهم حتى لا يدين نفسه بأن ما ارتكبوا من فعل كان ضرورة كما جاء في بيانه الأول عند استلامه السلطة في يونيو (حزيران) 1989.
قانون العقوبات
وتابع الشيخ "الماثل أمامنا الآن هو كيفية محاسبة من قوّضوا النظام الديمقراطي الشرعي الذي كان حاكماً البلاد قبل 30 عاماً، صحيح لا ينطبق عليهم القانون الجنائي لعام 1991، الذي تنص المادة (50) منه، على أن من يرتكب أي فعل بقصد تقويض النظام الدستوري للبلاد، أو بقصد تعريض استقلالها أو وحدتها للخطر، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله، وسبق أن استخدمت حكومة البشير هذه المادة ضد خصومها السياسيين، لكن لأن القانون لا يسري على أي جريمة تم ارتكابها قبل صدوره، فإنه ستتم محاكمتهم بموجب قانون العقوبات لسنة 1983، وليس بالضرورة أن تكون العقوبة الإعدام، ففي اعتقادي أن المهم هو إدانتهم بهذه الجريمة أمام المجتمع المحلي والدولي، وإصدار عقوبة في حقهم بالسجن المؤبد أو أقل منه، حتى لا يأتي انقلاب عسكري آخر ويفعل مثل ما حصل بالإفراج عن منفذي انقلاب 1969".
وحول ما تم في التحري مع البشير وبقية المتهمين من العسكريين والسياسيين، أوضح الشيخ أنه "بحسب ما ورد لي من المقربين بقضية التحري أن المشاركين في الانقلاب من العسكريين بينهم البشير، امتنعوا عن الإدلاء بأي معلومات، وتمسكوا بضرورة محاكمتهم عسكرياً بموجب قانون القوات المسلحة نظراً لانتمائهم إلى المؤسسة العسكرية السودانية، بينما تم أيضاً استجواب المدنيين من السياسيين"، وتوقّع أن لا تتجاوز المحكمة فترة الأشهر الستة لأسباب تتعلق بطبيعة مثل هذه المحكمة التي تتطلب تفريغ القضاء لأن ارتباط القاضي بالعمل اليومي في الجهاز القضائي قد يؤدي لاستدعائه أكثر من مرة نسبة إلى تزاحم العمل.
اختراق الجيش
وفي سياق متصل، أشار نائب رئيس حزب الأمة القومي السوداني فضل الله برمة ناصر إلى أن محاكمة البشير وقيادات الإخوان المسلمين في السودان الذين نفذوا الانقلاب العسكري عام 1989 ضد حكومة شرعية منتخبة من قبل الشارع السوداني، مسألة مهمة جداً وتجد التأييد التام من القوى السياسية كافة التي تؤمن بالديمقراطية كمنهج للحكم في البلاد، فما حدث خلال 30 عاماً يستحق العقوبة الرادعة لكل من كانت له يد في الجرائم التي ارتكبت بحق مواطنين أبرياء تم إعدامهم لأنهم يختلفون معهم سياسياً وفكرياً وعقائدياً، فضلاً عما أصاب البلاد من دمار اقتصادي بسبب دعمهم الإرهاب ما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية لأكثر من 23 عاماً، حيث ما زالت أثارها تنخر في خاصرة الاقتصاد الوطني، إضافة إلى دخول البلاد في حالة حروب مستعرة في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، بسبب عدم العدالة في توزيع الثروة والسلطة، والشعور بالظلم والتهميش والاضطهاد من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم.
وبيّن أن مسبّبات هذا الانقلاب معروفة للجميع سواء من قبل المواطنين العاديين أو الأحزاب السياسية، وهي أن بعض القوى السياسية من الأقليات الأيديولوجية التي لا تستطيع الوصول إلى السلطة قامت باختراق القوات المسلحة لتنفيذ مآربها ومؤامراتها لأنها على قناعة تامة بأنها لن تصل إلى الحكم من طريق صناديق الانتخابات، فحاولت إخفاء نفسها من تهمة الانقلاب في بداية الأمر حتى تضمن نجاح الانقلاب، حتى أن بيانهم الأول ومبرّراتهم للانقلاب عبارة عن كلمة حق أُريد بها باطلاً، وما يحدث اليوم هو دليل على فشلهم ولولا الثورة الشعبية التي أطاحتهم لما كان السودان موجوداً الآن.
استخدام القوات المسلحة
أضاف ناصر "من المؤسف استخدام القوات المسلحة في خرق دستور البلاد، بواسطة عسكريين أدّوا قسم الطاعة والولاء لتراب الوطن، وليس التآمر ضده من أجل أطماع وطموحات شخصية وسياسية، فمهام القوات المسلحة بحسب ما هو منصوص عليها في القانون تتمثل في حماية البلاد من أي اعتداءات خارجية، ومساعدة المواطن السوداني في تخطي المشكلات التي تعترضه وتقديم يد العون له، وحمايته من الكوارث الطبيعية وغيرها".
وأشار إلى أن حزبه مع المساءلة الكاملة للأحزاب والشخصيات من قبل فجر الاستقلال، لمعرفة من الذي تعاون مع المستعمر البريطاني، ومن الذي شارك في انقلابَي إبراهيم عبود، وجعفر نميري، ليحاسب كل من تثبت إدانته، وأن يسارع كل حزب سياسي متهم ليبرئ ساحته، وتكون هذه المحاكم بمثابة تحد لنهاية ما يسمى الانقلابات العسكرية، ويتجه الجميع إلى الاتفاق على تحديد شكل الحكم الذي يتلاءم مع طبيعة وتركيبة الشعب السوداني، وما يتمتع به من تنوع عرقي وأثني وقبلي وثقافي، فضلاً عن إرساء مبدأ العدالة في توزيع السلطة والثروة والتنمية بين أقاليم السودان على حد سواء.
مبادرة قانونيين
وتأتي هذه الدعوى القضائية بموجب مبادرة تقدم بها فريق من كبار المحامين السودانيين برئاسة المحامي علي محمود حسنين، ضد تنظيم الجبهة الإسلامية القومية، أحد تنظيمات الإخوان المسلمين الذي كان يرأسه حسن الترابي، بتهمة الانقلاب على الشرعية، وتقويض النظام الدستوري، وحلّ مؤسسات ونقابات الدولة عام 1989.
ومن أبرز المتهمين في هذه القضية من العسكريين، عمر البشير، ونائبه بكري حسن صالح، وعبد الرحيم أحمد حسين، ومن المدنيين علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع، وعلي الحاج محمد، وإبراهيم السنوسي، وعوض أحمد الجاز.