تفكّر الحكومة الأردنية جدياً في حلّ نقابة المعلمين، في حال وصلت معركة عض الأصابع بين الطرفين إلى طريق مسدود، إذ تصر النقابة على استرجاع العلاوات التي أوقفتها الحكومة بموجب قانون الدفاع على إثر جائحة كورونا، بينما ترد الحكومة بأن وضع "شد الأحزمة" اقتصاديّاً ووقف العلاوات شمل كل موظفي الدولة والقوات المسلحة من دون استثناء.
ووسط اتهامات للنقابة الأكبر في الأردن (200 ألف عضو تقريباً) بسيطرة جماعة الإخوان على قراراتها، كشفت مصادر من داخل الحكومة لـ"اندبندنت عربية" عن وضع سيناريو حل النقابة على رأس أجندة مجلس الوزراء في الأسابيع المقبلة إذا ما مضى المعلمون في تصعيدهم نحو الإضراب، بعد أقل من سنة على تنفيذهم أكبر إضراب في تاريخ البلاد، شلّ العملية التعليمية شهراً.
وشارك نحو ألفي معلم أردني الأربعاء الـ22 من يوليو (تموز) الحالي، في مسيرةٍ طالبوا خلالها الحكومة بالتزام الاتفاقية الموقعة بينها وبين النقابة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي تتضمّن 15 بنداً، أبرزها زيادة الرواتب.
سيطرة إخوانية على النقابة
وحسب المصادر، فإنّ قرار الحكومة حلّ نقابة المعلمين سيكون استكمالاً لحملة بدأتها السلطات قبل أسبوع، لتقليم أظافر جماعة الإخوان، عبر قرار قضائي صدر عن محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية) يعتبر الجماعة "منحلة وغير قانونية".
وتقول الحكومة الأردنية إن خطاب النقابة "استفزازي، وغير مسبوق، ولا يخلو من لغة التهديد والاستقواء"، رافضةً "التلويح بالنزول إلى الشارع، أو الإضراب والعبث بالعملية التعليمية، ووضع الطلاب رهينة مطالب فئوية في مثل هذه الظروف الاقتصادية الحساسة التي تمر بها البلاد".
وصرّح وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أمجد عضايلة بأن "علاوة المعلمين الموقوفة، وهي محط الخلاف، ستعود العام المقبل كما كانت عليه سابقاً"، مؤكداً تقدير الحكومة دور المعلم، "لكنها في المقابل لا تقبل لغة التهديد والمغالبة، والتلويح بإسقاط العام الدراسي".
غير أن تصريحات سابقة صدرت عن نقيب المعلمين الأردنيين ناصر نواصرة، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان، أثارت غضب الحكومة، واعتُبرت تهديداً للدولة، وتحريضاً عليها. كما فُهم من تصريحات أخرى نُسبت إلى النقابة، بدعوة المعلمين إلى عدم المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، على أنها "استقواء على الدولة ولَيّ ذراعها".
وكان وزير الداخلية الأردني سلامة حماد قد لوّح بإجراءات قاسية ضد نقيب المعلمين، إذا ما كرّر تصريحاته المثيرة الجدل.
حل قانوني ودستوري
من جهة أخرى، أوضح الباحث الدستوري الأردني بشير المومني أن "نقابة المعلمين ارتكبت مخالفات عدة، من بينها التدخل في الشأن السياسي، وتحريض الشارع وسط ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية متوترة، ما يتيح للدولة حلّها قانونيّاً ودستوريّاً".
وفي المقابل، اتهمت مصادر قيادية داخل جماعة الإخوان الحكومة بالمُضي في "اتخاذ إجراءات ضد كل مؤسسة يُعتقد أنها خاضعة للجماعة، أو مسيطَر عليها بالأغلبية".
وكشفت المصادر ذاتها لـ"اندبندنت عربية" عن تخوّفها من إجراءات قد تطال نقابات أخرى يسيطر عليها التيار الإسلامي، مضيفةً "خصوصية العلاقة بين الدولة الأردنية والإخوان انتهت على ما يبدو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قلق ومخاوف
ولا يخفي الناطق الرسمي باسم نقابة المعلمين نديم نور الدين قلقه ومخاوفه من إقدام الحكومة الأردنية على خطوة تأزيمية من هذا النوع، واتهم في حديث إلى "اندبندنت عربية" الإعلام الرسمي بممارسة التحريض ضد المعلمين ونقابتهم.
وقال نور الدين إن "تصريحات بعض الوزراء ضد نقابة المعلمين وخطاب الإعلام وتحريك قضايا وشكاوى، كلها أمور تُوحي بأن ثمة ما يُحاك في الخفاء"، مبدياً استغرابه حيال "تناقض الخطاب الرسمي الذي يشيطن المعلمين، مع رسالة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمعلمين عند تأسيس نقابتهم، حين أبدى اعتزازه وافتخاره بدورهم وأهميتهم".
واعتبر أن "حل نقابة المعملين سيؤسس لفوضى وصدام مع الشارع وتهديد للأمن المجتمعي، بخاصة مع حالة الاحتقان التي يمر بها المواطن الأردني، بسبب تزايد الفقر والبطالة، وعجز الناس عن تأمين لقمة العيش، في مقابل هدر المال العام، وعدم جدية محاربة الفساد".
وكشف نور الدين عن "توجّه فروع النقابة ومراكزها في المحافظات إلى العمل بشكل مستقل في حال حلّ النقابة"، مشيراً إلى "وجود مليون ونصف المليون عاطل من العمل، بينهم معلمون، بسبب جائحة كورونا، ما خلق حالة عوز وفقر غير مسبوقة، أصبح معها سكوت المواطنين عن حالهم مرفوضاً".
ورفض التهديد بحل نقابة المعلمين، داعياً الحكومة إلى التعقّل، ونفى في الوقت ذاته صحة الكلام حول سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على النقابة، قائلاً "وجود أشخاص من (الإخوان) في النقابة لا يعني سيطرتهم عليها. القرار جماعي وليس فرديّاً، ويتخذه 13 عضواً من تيارات مختلفة".