عاد التساؤل مجدداً حول أسباب دفع معارضين جزائريين في الخارج إلى الفوضى داخل البلاد، وبات الاستغراب يسيطر على النقاشات نظراً إلى غياب طرح البدائل في انتقاداتهم وانعدام أيديولوجية يدافعون عنها، ما جعل المتابعين يرفضون تصنيفهم كمعارضة، وإنّما شخصيات ناقمة لأسباب شخصية أو لخدمة أجندات أجنبية.
معارضة الخارج ... دعوات إلى الفوضى وإشاعات؟
وجاءت دعوة المعارض المقيم في تركيا رضا بودراع، إلى تسليح الحراك في إطار ما سمّاه "توازن الرعب" بين الشعب والدولة من أجل الدفاع عن النفس، لتطرح التساؤل حول حقيقة معارضة شخصيات جزائرية مقيمة في الخارج للنظام، مقابل معارضة سياسية من قيادات ومناضلي حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي أصدر القضاء عام 1992 أمراً بحلّه وحظّر عمله السياسي بسبب الإرهاب، لجأت سنوات التسعينيات إلى الخارج من أجل الدفاع عن حزبها السياسي وأيديولوجيته، واتّخذت من انتقاد النظام وفضح ممارساته وسيلة للتعبير عن "الظلم" الذي تعرّضوا له.
وفتحت الإشاعات التي مسّت المؤسسة العسكرية حول الاستعداد للتدخل عسكرياً في ليبيا، أبواب "التشكيك" في جهات تنشط بالخارج تحت غطاء "المعارضة"، متًّخذةً من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لتجييش الشارع، وقد اختلفت نواياها من تصفية حسابات شخصية إلى خدمة أجندات أجنبية، وصولاً إلى دعوات للانفصال.
كما أحدث اعتقال الناشط أمير بوخرص في فرنسا، ضجّة واسعة، دفعت السلطات الأمنية الفرنسية إلى الإفراج عنه بعد يوم واحد، ووضعه على ذمة التحقيق وبعدها دراسة ملف تسليمه إلى السلطات الجزائرية.
واعتبر المعارض العربي زيتوت المقيم في لندن، أن الإفراج يمثّل انتصاراً للمعارضة الجزائرية في الخارج التي أفشلت التضييق الذي لم يَعُدْ في مصلحة العصابة الحاكمة فقط في الجزائر، وإنما أيضاً للسلطات الفرنسية التي وقعت في مأزق سياسي وأمني كبيرَيْن في كل من مالي وليبيا، وتعتقد أن الجيش الجزائري يمكنه أن يقدم لها خدمة في هذين البلدين، حيث تضغط باريس بشدّة لإرسال الجيش الجزائري إلى البؤر التي تغرق فيها، خصوصاً في مالي وليبيا.
3 أنواع
في المقابل، رأى وحيد غبغوب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنّ انعكاسات الأزمة السياسية والأمنية تستمر إلى الآن. وقال إن ظهور حركة رشاد ومعارضتها الراديكالية للنظام القائم، امتداد لأطروحات تلك المرحلة، كما أنه بعد أحداث منطقة القبائل في 2001، سُجّلت هجرة قوية لا سيما نحو فرنسا، تحمل فكراً علمانياً وترافع للهوية الأمازيغية وتعارض أجندة النظام القائم.
وشدّد أن المعارضة هي تيار سياسي يحمل خلفية أيديولوجية ويريد الوصول إلى السلطة، مشيراً إلى أن هؤلاء المدوّنين تعاظم دورهم في التأثير في الرأي العام لأسباب أهمها أنه لا توجد قوانين ضابطة لشبكات التواصل الاجتماعي، وتفشّي الفساد بشكل كبير خلال المرحلة البوتفليقية، وفقدان الثقة بوسائل الإعلام الرسمية وأخيراً صعود جيل جديد رقمي.
من جانبه، أوضح الحقوقي الأممي محمد خدير، المقيم في جنيف السويسرية، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن المعارضة الجزائرية في الخارج ثلاثة أنواع، الأول مَن ينتمون إلى حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلّة، ومن ثم معارضة موجّهة ومدعمة تشتغل تحت أجندات دول أو لمصالح شخصية. وثالث نوع هو معارضة تحاول أن تجد حلّاً وسطاً لكن يقابلها الرفض القاطع من طرف السلطة، معبّراً عن أسفه لتأخر معالجة طلبات معارضين مقدَّمة إلى السفارات والقنصليات الجزائرية في الخارج من أجل العودة إلى الوطن وغالبيتهم من قيادات ومناضلي الحزب المنحلّ.
وهي التأخيرات التي تزيد على شحن هؤلاء في تصعيد معارضتهم، وأبرز خدير أن المعارضة الموجّهة التي تعمل لصالح أجندات دول أو تنشط لمصالح شخصية لا تريد العودة إلى الوطن، خاتماً أن المعارضة الجزائرية الموجودة في الخارج ليست فصيلاً واحداً، وليست منظمة في تكتل واحد، وإنّما منتشرة عبر منظمات وتوجّهات عدّة.
عائدون مرحب بهم ... وآخرون ينتظرون
استقبلت السلطات شخصيات معارضة عدّة من الحزب المنحلّ ومن المؤسسة العسكرية، أبدت رغبة في تطليق المعارضة والعودة إلى أرض الوطن، بعد تقديمها إلى القضاء الذي يتّخذ الاجراءات القانونية في قرار العفو، ومنهم القيادي الحزبي رابح كبير والضابط العسكري أحمد شوشان، بينما لا يزال معارضون ينتظرون الضوء الأخضر لدخول الجزائر، مثل القيادي في الحزب المنحلّ أنور هدام، المقيم في واشنطن الأميركية، الذي كشف في حديث مقتضب لـ"اندبندنت عربية" بعد إلحاح شديد لرفضه الخوض في هذا الملف، "أنا لستُ من الذين يدفعون إلى الفوضى على الرغم من أنني أطالب من دون جدوى منذ عقود بالعودة إلى أرض الوطن، حتى إنّي محروم من حقي في جواز سفر جزائري".
هاربون من العدالة
في السياق ذاته، اعتبر الإعلامي المهتمّ بالشأن السياسي أيوب أمزيان في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن المعارضين في الخارج الذين ينتهجون أسلوب التحريض والدفع إلى الفوضى وتهييج الشارع، يستغلون فئة قليلة من متابعيهم، فئة لا تعرف الحقيقة المرّة لهؤلاء الأشخاص.
وقال إن عدداً كبيراً مِمَّن يستعملون أسلوب التحريض، هم "أشخاص هاربون من العدالة ولا يمكن أن نسمّيهم معارضين"، فمنهم مَن هو متورّط في قضايا أمنية، وهناك مَن صدرت في حقهم أحكام قضائية غيابياً، وآخر ينتحل صفة دبلوماسي سابق وهو في الأصل لم يكن أبداً كذلك بحسب التقارير طبعاً".
وتابع أمزيان أن هؤلاء ليس باستطاعتهم العودة إلى الجزائر، لأنهم وقّعوا على تعهّدات في البلدان التي قبلت لجوءهم من جهة، ويواجهون أحكاماً بالسجن من جهة ثانية، وعليه فإن التخبّط الذي يعيشونه يدفعهم إلى الانتقام بطريقتهم الخاصة من خلال التحريض على العنف والفوضى، خدمةً لأجندات أجنبية أوّلاً، ولمصلحتهم الشخصية ثانياً.
وختم "لا أعتبرهم معارضين بقدر ما أراهم هاربين من العدالة".