سيكون في مقدور المرضى والموظفين في مستشفيات إنجلترا قريباً أن يعرفوا ما إذا كانوا مصابين بـكوفيد- 19 في غضون ساعة من الخضوع للفحص، وذلك في إطار برنامج اختبارات وطنيّ تعمل الحكومة البريطانية على استحداثه. والعنصر الأساسي في تلك الاستراتيجية جهاز صغير محمول باليد قادر على تحليل العينات في الموقع، الذي يكون فيه الأشخاص المراد فحصهم، وكشف الفيروس من خلال مسحة أنف لا تسبِّب أيّ ألم.
وطلبت الحكومة البريطانية، بموجب عقد "مهم" أُبرم في وقت سابق من الشهر الحالي مع شركة "دي أن أي نادج" DnaNudge الطبية التي تتخذ من لندن مقراً لها، نحو 20 ألف جهاز "تُستخدم خارج المختبر"، لوضعها في الخدمة في المستشفيات والعيادات الصحية في شتى أنحاء إنجلترا بين أكتوبر (تشرين الأول) ومارس (آذار) المقبلين. ويُشار إلى أن كلاً من تلك الأجهزة قادر على إجراء ما يتراوح بين 10 و 14 اختباراً من العينات في اليوم، تكلفة كل منها حوالى 40 جنيهاً إسترلينياً. وبمجرد تسليم جميع آلات "دي أن أي نادج" وتركيبها، سيكون بالإمكان إجراء 280 ألف اختبار يومياً. وسيكون ذلك مهماً للغاية من أجل إعادة تشغيل "خدمة الصحة الوطنية" NHS، ما سيسمح بمعاينة المرضى والموظفين بسرعة، لرصد إصابتهم بكورونا من عدمها، قبل إخضاعهم إلى جراحة أو غيرها من الإجراءات الطبية.
في هذا السياق، قال مصدر يعمل في هذا المشروع "سنتمكن من تقليص أوقات الانتظار من خلال الكفّ عن إجراء الفحوص في المختبرات، التي يعتمد بعضها على تكنولوجيا قديمة منذ ظهرت الجائحة، والانتقال إلى المستشفيات... لدى هذه الاختبارات الطبيّة القدرة على تغيير قواعد اللعبة في المملكة المتحدة. ويتساءل الجميع في شبكات الفحوص الطبيّة كيف يمكنهم الحصول عليها". إلى ذلك، تدرك "اندبندنت" أن مناقشات تجري حالياً بين وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية و "خدمة الصحة الوطنية" NHS، وشبكات الاختبارات الطبية الـ29 الموجودة في إنجلترا، بغرض توسعة نطاق هذه الخدمة كي تشمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية وكذلك الأطباء العامين أيضاً.
وقيل إن مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، كتب شخصياً إلى "دي أن أي نادج" بعد عقد الصفقة معها، شاكراً تلك الشركة الصغيرة على مساهماتها في برنامج الاختبارات الخاص بالبلاد. وجرت مراجعة الاختبار، الذي استند إلى تصميم اختبار للحمض النووي (دي أن أي) طوّره بروفيسور في جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، بشكل جيد من جانب الاختصاصيين الصحيين بعد تجربته في أجنحة مرضى السرطان، وأقسام الحوادث والطوارئ، وعنابر التوليد في العاصمة.
وتنصّ الأهداف الحالية على أن تسعى وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إلى إعطاء نتائج فحوص كورونا في غضون 48 ساعة من وقت أخذ المسحة من قبل موظفين في مراكز الاختبارات الإقليمية، أو مواقع الاختبارات المتنقلة، أو المراكز الفرعية، أو المرافق الطبية التابعة لـ"أن أتش أس". غير أن الحكومة البريطانية تتجه الآن إلى طرح نهج "نقطة الرعاية السريرية"، الذي سيستكمل خطط بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الرامية إلى إعادة إنجلترا "إلى الحياة الطبيعية" بحلول عيد الميلاد، وذلك في الوقت الذي تحضّر فيه البلاد لموجة ثانية مُحتملة من كورونا خلال أشهر الشتاء المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتمتع اختبار "دي أن أي نادج"، الذي لا يتطلّب خبرة طبية محددة، بمعدل دقة يتخطّى 98 في المئة، وبمستوى نوعية specificity (النسبة المئوية للأشخاص الأصحاء الذين يشخِّصون بأنهم غير مصابين) 100في المئة، ما يعني أنه سيحدِّد دائماً النتائج السالبة بشكل صحيح. ويمكنه أيضاً التمييز بين شخص غير مصاب بالمرض وبين عينة لم تؤخذ على نحو صائب، ما يمنع حصول نتائج سالبة كاذبة. وما إن تؤخذ المسحة، حتى يُصار إلى إدخالها في جهاز محمول باليد يحلِّل العينة ويعطي النتائج في أقل من 75 دقيقة، ما يقلّص بشكل كبير من وقت انتظار التشخيص المختبري الذي يستغرق 48 ساعة.
بعدما نالت الفحوص في أبريل (نيسان) الماضي موافقة "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" Medicines and Healthcare Products Regulatory Agency MHRA على الاستخدام السريري، خضعت للاختبار بدايةً في مستشفيات "تشيلسي آند وستمنستر"، و"جامعة ويست ميدلسكس"، و"سانت ماري"، و"كوين شارلوت آند تشيلسي". وحينذاك قال كريس تومازو، وهو بروفيسور في الهندسة في "إمبريال كوليدج" تولى تطوير الاختبار "إنه مختبر في خرطوشة فعلاً. النقطة الرئيسة، أن في هذا الاختبار يمكنك الانتقال مباشرة من مسحة لعاب أو أنف إلى الخرطوشة من دون الحاجة إلى وسيلة نقل ولا إلى مختبر... باستطاعتك حتى أن تنظر إلى تلك الأجزاء الصغيرة من الـ"آر أن أي" (الحمض النووي الريبوزي)، كي تتحقّق ممّا إذا كان المريض أخذ يتماثل إلى الشفاء من كوفيد أم أنه بدأ يمرض".
في الإطار نفسه، قال غراهام كوك، البروفيسور في الأمراض المعدية في "إمبريال كوليدج" الذي قاد عملية التطوير السريري الخاصة بالاختبارات، إن "هذه واحدة من أكثر التقنيات المثيرة للاهتمام التي رأيتها في هذا المجال، لا سيما أنها تنفي الحاجة إلى نقل العينات". وأما الدكتور غاري ديفيز، المدير الطبي في مستشفى "تشيلسي آند ويستمنستر"، فقال "هذا الاختبار يؤدي الغرض، وهو في الواقع أكثر حساسية من بعض الاختبارات المخبرية". وذكر أن الاختبار قد اُستخدم لفحص مرضى يحضرون إلى المستشفى بغية المساعدة في تحديد الجناح الذي سيمكثون فيه.
جدير بالذكر أن الحكومة البريطانية تواصل البحث في تقنيات اختبارات سريعة أخرى من شأنها أن تساعد أكثر في إعادة البلاد إلى العمل على أفضل وجه. وهي كشفت الأسبوع الحالي عن خطط لزيادة أعداد الاختبارات الطبية إلى نصف مليون اختبار يومياً، بحلول نهاية أكتوبر المقبل. وتظهر بيانات أصدرتها وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أن 12 ساعة هو متوسط الفترة الزمنية الفاصلة بين وقت استلام العينة والحصول على النتيجة في مختبرات علم الأمراض التابعة لـ "خدمة الصحة الوطنية"، وأكثر من 95 في المئة من تلك المختبرات تقدم النتائج في أقل من 24 ساعة. وفي المقابل، أعطيت نتائج 2.4 في المئة فقط من أدوات الاختبار المنزلي في غضون 24 ساعة.
وأشار متحدِّث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إلى الجهود المبذولة في سبيل زيادة أعداد الاختبارات التي تستطيع بريطانيا إجراءها. وقال في هذا الشأن، "تواصل حكومة المملكة المتحدة تعزيز أعداد اختبارات فيروسات كورونا، لحماية الأشخاص المعرضين للخطر، ودعم "خدمة الصحة الوطنية"، وإنقاذ الأرواح... هذا جهد وطني، ونفخر بأننا نعمل مع عدد من الشركاء على إيجاد حلول مبتكرة لزيادة عدد الاختبارات حيث تكون هناك حاجة إليها".
© The Independent