بات تلمس تأثير انفجار بيروت على الاقتصاد السوري وشيكاً، وذلك عقب انقضاء أكثر من أسبوع على فاجعة قضّت ولا تزال مضاجع اللبنانيين نظراً لهول القوة التدميرية التي شهدوها. كما أرّقت الكارثة السوريين الذين خبروا ماذا يعني أن يفقدوا شريان الحياة الواصل من لبنان.
أمام الميناء
وفي وقت يلملم مرفأ بيروت أشلاءه من ركام وحطام وسط تضامن عالمي وإنساني، يمكن للناظر شمالاً بمحاذاة شواطئ المتوسط أن يجد مرفأ طرطوس، الواقع شمال غربي سوريا، والذي أطلق في 8 أغسطس (آب) الحالي، أول رحلة قطار بينه وبين محطة "السبينة" في ريف دمشق بعد توقف دام تسع سنوات معيداً إلى الذاكرة نشاط المرفأ الحيوي.
وتضج الحركة منذ أشهر في هذا الميناء الذي يحاول على الرغم من كل ما يتعرض له من عقوبات وحصار أميركي وأوروبي، أن يجد له موطئ قدم، يكون نافذة على العالم ليسعف ما يمكن إنقاذه من اقتصاد سوري يتهاوى، ومعه يأتي الحادث اللبناني ليزيد من سوداوية المشهد.
في المقابل، يسعى مرفأ طرطوس في ظل رعاية روسية كاملة، إلى تحريك المياه الراكدة، إذ أعلنت شركة "أس تي جي إنجينيرنغ" الروسية التي تديره، عن استعدادها التام لاستقبال السفن التجارية وتقديم كل الخدمات اللازمة بالطرق الأفضل والوقت الأسرع.
وأشارت الشركة في بيان إلى امتلاك مرفأ طرطوس ميزات كثيرة من حيث الموقع الجغرافي القريب من دول عدة أبرزها العراق، الأردن ولبنان، ومساحته التي تبلغ 3.000.000 متر مربع، تشكّل 1.200.000 متر مربع منها مساحة الأحواض المائية و1.800.000 متر مربع مساحة ساحات المستودعات والأرصفة البالغ عددها 22 رصيفاً. وأضافت أن "محطة الحاويات التي تشغل مساحة 25 هكتاراً، ذات قدرة استيعابية تخزينية تصل الى 12 ألف TEU، وفي الوقت نفسه مجهزة لاستيعاب الحاويات المبردة بإمكانية 300 TEU أيضاً"، (1TEU يعادل حاوية 20 قدماً).
بديل عن ميناء بيروت
ومع أن خطوة ميناء طرطوس أتت متأخرة في الترويج لإمكاناته، لا سيما بعد استحواذ الشركة الروسية على استثماره لمدة 49 سنة، إلا أنها وجدت الوقت مناسباً لتلعب دوراً أساسياً على شواطئ المتوسط، وفق ما قال فريق من الاقتصاديين في تفسيرهم لهذا الإعلان الجديد والمفاجئ.
ويأتي ذلك بعدما مثّل مرفأ بيروت أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية، إذ تمرّ من خلاله قرابة 70 في المئة من حركة التجارة الصادرة والواردة من وإلى البلاد ودول أخرى، وفق بيانات أعلنتها شركة المرفأ في بيروت.
ويرى الباحث الاقتصادي السوري رضوان مبيض، إلى أن "الخطوة لا تعدو كونها ترويجية ولكنها توحي في الوقت ذاته بنيّة روسية في الدخول إلى مياه المتوسط تجارياً". وأضاف "يأتي هذا الدور الجديد بعدما هيمنت روسيا على النافذة البحرية السورية وتمركز فرقاطتين لها منذ عام 2012 أمام السواحل السورية في رسالة إلى العالم تظهر فيها قدرة التمدد الروسي من البحر الأسود إلى الأبيض المتوسط، وإنشاء قاعدة بحرية هي الأكبر من نوعها في سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة في الاستثمار
ويسعى الفريق الاقتصادي الروسي اليوم، إلى إيجاد حلول وبدائل بعد انفجار بيروت وتقلص حجم التبادلات التجارية فيه، وحتى تضرُر طرق التهريب الخفية أيضاً، ما يشي بكارثة اقتصادية وإنسانية مقبلة.
وفي هذا الشأن، يشير مبيض إلى احتمال "الاتجاه إلى الشرق في وقت ما قبل إعادة السكة مع لبنان كما كانت عليه، لعل الحليف الإيراني للنظام سيحاول ضخ مزيد من المواد والوقوف إلى جانبه لمنع انهياره اقتصادياً بطرق بحرية وبرية، على الرغم من التكاليف العالية لإيصال البضائع والمواد الغذائية والمشتقات النفطية، والمخاطر التي تترتب عليها في الطرق البرية". أضاف "هذه الخطوة متوقعة من قبل الشركة السورية إذ لا بُد من إيجاد بدائل للسوريين بعد انقطاع وخروج ميناء بيروت عن الخدمة، لا سيما أن سوريا تحاول من خلال الخطوة أن تفلت مما يتربص بها من عقوبات مفروضة عليها عبر تسليمها استثمار المرفأ لشركة دولية روسية".
الدور الروسي المنتظر
وينتظر السوريون من موسكو إعادة إحياء الدور الحيوي لميناء طرطوس بعد استحواذ شركة "ستروي ترانس غاز" العام الماضي على استثماره وفق نظام الـ BOT (بناء – تشغيل – نقل ملكية).
وكانت الشركة التي تُعد إحدى أكبر شركات المقاولات في روسيا، ويملكها رجل أعمال مقرَب من الرئيس فلاديمير بوتين، استثمرت مرفأ طرطوس لعشرات السنوات من أجل استخدامه من قبل قطاع الأعمال الروسي.
وتسلمت الشركة المذكورة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، المرفأ بعد مصادقة مجلس الشعب (البرلمان) السوري على العقد الموقع مع الشركة التي تخولها الاستثمار.
وفي وقت تتجه توقعات السوريين صوب كسر روسيا للعقوبات الأوروبية التي تحاصرهم على خلفية أحداث عام 2011 وزادت مع دخول قانون "قيصر" الأميركي حيز التنفيذ في 17 يونيو (حزيران) الماضي، إذ يمنع التعامل مع النظام السوري على الدول والشركات والأفراد.