أعلن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني صباح الأربعاء بيانات أداء الاقتصاد في الربع الثاني من العام، التي أظهرت انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20 في المئة، ليصبح الاقتصاد البريطاني رسمياً في حالة ركود متراجع النمو لربعين متتاليين، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنسبة 2.2 في المئة.
وبحسب إحصاءات المكتب يعتبر معدل الانكماش في الأشهر الثلاثة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) هو الأسوأ على الإطلاق منذ بدأ تسجيل البيانات الفصلية في الاقتصاد البريطاني قبل 65 عاماً. ويعد انكماش الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني من العام الأسوأ في مجموعة الدول السبع الكبرى ولا يزيد عليه سوى الانكماش في الاقتصاد الإسباني الذي وصل إلى 22.7 في المئة في تلك الفترة.
ووصل الانكماش في الاقتصاد البريطاني إلى نحو ضعف الانكماش في اقتصاد ألمانيا أو الولايات المتحدة، اللتين تراجع اقتصادهما بنسبة 10.1 في المئة و9.5 في المئة على التوالي في الفترة نفسها. كما أنه أكبر حتى من الانكماش في اقتصاد فرنسا وإيطاليا (13.8 في المئة و12.4 في المئة على التوالي)، المتضررتين بشدة من أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19).
وعلى رغم أن التراجع في الاقتصاد نتيجة إغلاق أغلب قطاعاته في الفترة من نهاية مارس (آذار) حتى مايو (أيار) للوقاية من انتشار فيروس كورونا، إلا أن الإعلان رسمياً الأربعاء أدى إلى موجة من التعليقات والتحليلات التي تنتقد حكومة تدافع عن سياساتها أو تطالبها بمزيد من الإجراءات لدعم التعافي من هذا الركود غير المسبوق.
تعافٍ بطيء
على رغم أن الاقتصاد بدأ التعافي في مايو ويونيو، إلا أن معدلات التعافي ليست بالقوة التي تقلل من عمق الركود الاقتصادي. وبحسب التفاصيل الشهرية، حقق الاقتصاد البريطاني نمواً بنسبة 8.7 في المئة في يونيو مع عودة بعض القطاعات للعمل إثر بدء الفتح التدريجي للإغلاقات في مايو.
وحقق قطاع البناء والتشييد نمواً في يونيو بنسبة 23.5 في المئة ونما قطاع التصنيع بنسبة 11 في المئة والإنتاج الصناعي بنسبة 9.3 في المئة بينما لم يتوسع قطاع الخدمات سوى بنسبة 7.7 في المئة في يونيو. إلا أن تلك القطاعات ظلت في وضع أقل بكثير مما كانت عليه قبل أزمة وباء كورونا.
فبالمقارنة مع مستويات النمو في فبراير (شباط) من هذا العام ظل قطاع البناء والتشييد أقل بنسبة 24.8 في المئة وقطاع الخدمات أقل بنسبة 17.6 في المئة وقطاع التصنيع أقل بنسبة 14.2 في المئة، بينما الناتج الصناعي بنهاية الربع الثاني أقل من مستويات فبراير بنسبة 11.6 في المئة.
ويعني ذلك أن معدل ونطاق الانتعاش الاقتصادي أقل بكثير مما كان المتفائلون يتوقعونه للخروج من أزمة الوباء. وبحسب مكتب مراقبة الميزانية العامة فإن الاقتصاد البريطاني قد لا يصل إلى معدلات ما قبل أزمة الوباء إلا بنهاية عام 2022.
وجاءت بيانات أداء الاقتصاد في الربع الثاني بعد يوم من إعلان مكتب الإحصاء الوطني أرقام الوظائف التي خسرها الاقتصاد في فترة أزمة الوباء التي وصلت إلى ثلاثة أرباع المليون وظيفة تقريباً. ومن المهم الإشارة إلى أن الأعداد ستتضاعف في الأشهر المقبلة مع نهاية برنامج الدعم الحكومي للحفاظ على الوظائف الذي تدفع بموجبه الخزينة العامة نسبة كبيرة من مرتبات العاملين الذين توقفت وظائفهم نتيجة الإغلاق.
الأسوأ آتٍ للوظائف
لكن الأرقام السيئة الأخرى التي جاءت في بيانات مكتب الإحصاء الوطني، غير أرقام الناتج المحلي الإجمالي وأداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، هي أرقام الإنتاجية. فقد تراجعت إنتاجية العامل في بريطانيا بنسبة 19.9 في المئة في الربع الثاني من العام (أبريل إلى يونيو) مقارنة مع الربع الأول (يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار). أما إنتاج العامل البريطاني في الساعة فقد شهد أكبر انخفاض ربع سنوي منذ بداية السجلات لهذا المؤشر متراجعاً بنسبة 2.5 في المئة في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من العام. وشهد القطاع الذي توسع أكثر من غيره في الشهر الأخير أكبر انخفاض في إنتاجية العامل في الساعة، إذ وصل الانخفاض في قطاع البناء والتشييد إلى نسبة 11.4 في المئة.
ومن شأن تلك البيانات حول الإنتاجية أن تمحو أثر برنامج الحفاظ على الوظائف الذي نفذته الحكومة لتقليل أعداد العاطلين من العمل رسمياً في فترة الإغلاق. وهذا ما جعل وزير الخزانة ريشي سوناك يقول في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" إن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة لأرقام الوظائف والبطالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الخزانة "لقد قلت من قبل إن هناك أوقاتاً عصيبة بانتظارنا، وأرقام اليوم (من مكتب الإحصاء الوطني) تؤكد أننا نشهد تلك الأيام العصيبة... فقد مئات الآلاف وظائفهم وللأسف سيفقد المزيد وظائفهم في الأشهر المقبلة...". لكنه أكد أن الحكومة، وعلى رغم الخيارات الصعبة، ستبذل ما في وسعها ليشعر الجميع بالدعم.
ويتوقع المحللون والخبراء أن الأرقام الحقيقية لمعدلات البطالة والتسريح من الوظائف ستظهر مع نهاية برامج الدعم الحكومية. لذا طالب مسؤولو روابط الأعمال ومؤسسات مختلفة الحكومة ببرامج دعم للشركات والأعمال لتتمكن من مواصلة العمل وبما يشجع النمو من أجل التعافي الاقتصادي. ومن بين المقترحات تسهيل الأوضاع الائتمانية للأعمال الصغيرة والمتوسطة، التي لا تستطيع غالبيتها تسديد أعباء ديونها بما يحد من قدرتها على استعادة النشاط ناهيك عن التوسع فيه.
ووسط مخاوف من موجة ثانية من وباء فيروس كورونا واحتمالات فشل مفاوضات الاتفاق مع أوروبا والوصول إلى بريكست من دون اتفاق نهاية العام، تنتقد المعارضة الحكومة بسبب سياستها في مواجهة تبعات أزمة الوباء.
وكتبت وزيرة الخزانة في حكومة الظل لحزب العمال المعارض أنيليز دودز على حسابها في "تويتر" تنتقد سياسة الحكومة في مواجهة الوباء، "لدينا بالفعل أسوأ معدل وفيات في أوروبا، والآن ندخل أسوأ ركود... هذه مأساة لبلدنا وتحدث تحت سمع وبصر رئيس الوزراء. كان تراجع الاقتصاد حتمياً بسبب الإغلاق، لكن أزمة الوظائف نتيجة سياسات بوريس جونسون ليست حتمية".