تثار بين الحين والآخر طبيعة علاقة روسيا بإيران في سوريا، وأهداف كل منهما، لا سيما بعد كل هجمة إسرائيلية على مواقع داخل الأراضي السورية، يُعلن لاحقاً أنها "مواقع عسكرية إيرانية".
من بداية التدخل العسكري المباشر لروسيا في سوريا عام 2015، لم يتوقف الحديث عن إمكان حدوث فراق بين روسيا وإيران، أو ازدياد تمسّك كل طرف بالآخر على الأراضي السورية، وبعيداً من أي ملفات أخرى خارج حدود الجغرافيا السورية، سواء أكانت على صلة أم غير مرتبطة بالحدث السوري.
لا يخفى أن إيران منافس إقليمي لروسيا، إضافة إلى أنها هدف رئيس للولايات المتحدة وإسرائيل "وفقاً لما هو معلن"، ولا يفوت موسكو أن هذا التوتر سيتصاعد طالما بقيت إيران في سوريا، وهذا بحد ذاته تهديد كبير للمصالح الروسية.
وأكد سفير إسرائيل لدى موسكو هاري كورين، في حديث لوكالة "تاس" قبل أشهر، أن بلاده راضية عن موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية، وأشار كورين إلى أن إسرائيل وروسيا تخوضان محادثات مكثفة حول هذه القضية، وشدد على أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة "يستهدف إسرائيل".
ولا يمكن تجاهل موقف دول كبرى عدة، والإقليمية الرافضة للنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، وهو ما يجعل روسيا في موقف لا تحسد عليه، فهي تخشى على علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع تلك الدول التي يثير التقارب الروسي - الإيراني استياءها.
زيادة إسرائيل من وتيرة هجماتها على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية، وضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إيران، تزيدان ارتباط الأخيرة بروسيا، ما يجعل موسكو في وضع أقوى مما كانت عليه خلال المرحلة الماضية في مواجهة طهران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يمكن تجاهل ما ذهب إليه كثيرون من المراقبين من أن دعوة إيران إلى المشاركة في محادثات آستانة عام 2017، كانت محاولة من أنقرة وموسكو لدفع طهران إلى الوفاء بالتزاماتها، وإلا فمن الصعب السيطرة على المجموعات التابعة لها في سوريا.
وظهر الاختلاف (الذي لم يصل حتى اليوم إلى مستوى خلاف) بين الجانبين الروسي والإيراني في سوريا، ويمكن اختصاره من خلال أربعة مواقف خلال السنوات القليلة الماضية، الأول مع بداية التدخل الروسي في سوريا بشكل مباشر قبل ستة أعوام، والذي جعل إيران تتراجع إلى الصف الثاني كحليف صامت لدمشق، في حين أخذت موسكو زمام المبادرة بعد فشل إيران في ترجيح الكفة العسكرية خلال سنوات تدخّلها.
أما الاختلاف الثاني بين موسكو وطهران فظهر بعد اتفاق إجلاء المدنيين والمقاتلين من الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب، والذي تمّ أواخر عام 2016 بين الأتراك والروس، لأن إيران كانت تريد أن تنفذ حلاً عسكرياً في حلب، وفق ما تم تداوله في تلك الفترة.
وفي السياق نفسه، ذكر موقع الديبلوماسية الإيرانية المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية آنذاك، أن استعادة حلب كانت خطوة إيجابية بين روسيا وإيران، لكن هناك طريقاً طويلة لإنهاء الأزمة السورية، وأن موسكو نسقت وتنسق مع أنقرة أكثر من تنسيقها مع طهران، وأن روسيا غداة استعادة حلب دعت السعودية إلى طاولة المفاوضات السياسية في شأن سوريا. ولفت الموقع إلى أن ذلك يرمي بظله على علاقات البلدين.
وأضاف "ليس واضحاً أن الروس معنا في سوريا، أم نحن مع الروس هناك، إذ ينظر الروس إلى سوريا نظرة تكتيكية لا استراتيجية"، مؤكداً أن مشاركة الرياض في طاولة المفاوضات السورية سيقلب النتائج لغير مصلحة إيران، فضلاً عن أن 90 في المئة من مسلمي روسيا لديهم علاقات جيدة للغاية مع تركيا والسعودية، خصوصاً أن موسكو تعير أهمية كبيرة لمطالب المسلمين في روسيا.
الاختلاف الثالث هو ما ظهر خلال انطلاق مفاوضات آستانة، حين كانت إيران تريد أن تنتقم وتبعد واشنطن عن المحادثات، بينما دعتها روسيا بصفتها مراقباً.
الاختلاف الرابع حين اُستبعدت طهران من اتفاق سوتشي لبحث مصير إدلب وما حولها من أجزاء في محافظات حلب وحماة واللاذقية، خلال محادثات ثنائية بين أنقرة وموسكو، مع استمرار الحضور الإيراني العسكري على الأرض.
يبقى القول إن كلفة الحرب في سوريا باهظة من جميع النواحي، وتعرّض طهران إلى خسائر لا يمكن إغفالها في الهجمات الإسرائيلية المتكررة خلال الآونة الأخيرة، فهل يدفعها ذلك إلى الخروج مع مرور الوقت من بعض المناطق السورية، بعد سنوات من استثمارها في هذا البلد؟ الجواب يتضح في حال إبرامها اتفاقاً مع واشنطن سواء كان في وجود ترمب أم غيره في البيت الأبيض.