تشهد عاصمة جنوب السودان، جوبا، الاثنين 31 أغسطس (آب)، توقيعاً على اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، بعد 17 عاماً من الحرب الأهلية. ما يمهد لمشاركة حاملي السلاح في هياكل السلطة الانتقالية في البلاد. ويتضمن الاتفاق 8 بروتوكولات تشمل الأمن، وقضايا الأرض (الحواكير)، والعدالة الانتقالية، والتعويضات وجبر الضرر، وتنمية قطاع الرحل والرعاة، وتقاسم الثروة والسلطة، وعودة النازحين واللاجئين.
ويشارك في الاحتفال كل من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان، ورئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، وعدد من وزراء خارجية دول منظمة "إيقاد"، ومسؤولون من الدول الصديقة للسودان.
خطوة متقدمة
ويعتبر الناطق الرسمي باسم "حزب المؤتمر" السوداني، نور الدين بابكر، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "ما أُنجز من اتفاق سلام عمل إيجابي وخطوة متقدمة في اتجاه السلام الشامل، على الرغم من غياب حركتي الجبهة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، عن هذا الاتفاق".
ويرى بابكر أن "وجود الجبهة الثورية التي تضم ست حركات مسلحة يعد محفزاً لمواصلة الحوار مع هذين الفصيلين في وقت لاحق واللحاق بركب السلام حتى ينعم المواطن السوداني بالأمن والاستقرار، خصوصاً من يقطنون في المناطق التي يدور فيها القتال".
ويعتقد بابكر أن استغراق التفاوض وقتاً طويلاً فاق المدة المحددة بستة أشهر، كان "بسبب تعقيدات مسارات السلام واختلاف آراء الحركات المسلحة"، مستدركاً أن "أهمية الاتفاق الذي وقّع مع الجبهة الثورية يكمن في كونه سيحدث استقراراً في دارفور والنيل الأزرق باعتبار أن الحركات الموقعة على الاتفاق موجودة في هذين الإقليمين".
ويؤكد بابكر أن "الحوار هو الطريق الأمثل لمواصلة المساعي مع الحركات التي لم توقع على الاتفاق"، منتقداً "تمسك الحركة الشعبية جناح الحلو بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة". ويتوقع أن يسهم انفتاح السودان على المجتمع الدولي في إحداث ضغوط على بقية الحركات المسلحة لمتابعة عملية السلام وإنهاء الحرب في عموم مناطق البلاد كي يتفرغ الجميع للبناء والتنمية، ويعود السودان إلى سابق عهده حراً وآمناً".
اتفاق جزئي
و"على الرغم من أن الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السودانية مع المسلحين هو اتفاق جزئي في عملية السلام وليس شاملاً"، لكن الدكتور خالد التجاني يرى فيه "خطوة مهمة في اتجاه السلام كاملاً مع الفرقاء كافة". ويصف التجاني، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "طريقة التفاوض مع الحركات المسلحة" بـ"غير الموفقة"، وأنها "لا تختلف عن الطريقة التي اتبعها النظام السابق، إذ كررت الحكومة الحالية النهج السابق القائم على عقد صفقات ثنائية وجزئية هدفها المناصب القيادية. وكان واضحاً أن مجريات السلام في جوبا لم تكن مناقشات محورية مستقبلية في إطار قومي، وجاءت معزولة عن الشارع السوداني، ولم يصحبها تجاوب أو زخم شعبي".
يضيف أن "الحكومة السودانية حاولت تظهير هذا الاتفاق الجزئي بحجم أكبر من حقيقته، في ظل غياب فصيلين مهمين في عملية السلام، هما الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الموجودة في مناطق جنوب كردفان، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور الموجودة في دارفور. وقد تناست أن قضية السلام هي مسألة كلية يفترض أن تتم من خلال مؤتمر يجمع المسلحين ومكونات المجتمع السوداني من قوى سياسية ومنظمات مدنية وناشطين ومهتمين وأكاديميين وغيرهم، كي يأتي السلام عبر حوار مؤسس ومناقشات عميقة، لكن ما جرى سيقود إلى فتح الوثيقة الدستورية من جديد، والتي تمثل مرجعاً لفترة الحكم الانتقالي في البلاد لاستيعاب الشروط التي تضمنها اتفاق السلام".
قصور وتعنت
ويلفت التجاني إلى أن "ما حدث من اتفاق مع الجبهة الثورية التي كانت جزءاً من قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، قبل أن تنشب بينها خلافات أدت إلى خروجها من هذا التجمع، لا يمكن أن يطلق عليه سلام بالمعنى المتعارف عليه، لأن السلام يعني وقف الحرب، وهو ما لم يحدث الآن في ظل هذا الاتفاق، إذ ما زال صوت البنادق يسمع. وقد تضمن الاتفاق حركات لا وجود لها واقعياً، لذلك في نظري أن الحكومة السودانية عقّدت أي تفاوض مستقبلي مع الحلو وعبد الواحد اللذين يملكان ثقلاً مسلّحاً ميدانياً ويسيطران على مساحات واسعة في مناطق وجودهما".
وفيما ينسب التجاني "مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق شامل للسلام"، إلى "قصور الحكومة السودانية والتعنت غير المبرر من حركتي الحلو وعبد الواحد محمد نور"، ينتقد "ما اتبعته الحكومة السودانية من تعدد لمسارات السلام". ويعتبر أن "هذا التوجه لم يكن موفقاً، لأنه أعطى مكاسب غير حقيقية لبعض الأطراف التي لم تكن لها علاقة بحمل السلاح، وهو ما سيخلق مشكلات في المستقبل باعتبار أن الحوار لم يقم على تظلمات واقعية".
نقلة نوعية
في الإطار ذاته، غرّد نائب رئيس "الحركة الشعبية" قطاع الشمال ياسر عرمان على "تويتر"، بأن "مؤسسات الحكم الانتقالي في البلاد تحتاج إلى نقلة نوعية جديدة، وليس إضافة وجوه جديدة فحسب، ويجب أن يكون أحد أهداف اتفاق السلام تعزيز العلاقة بين المدنيين والعسكريين، من دون أن يتغوّل أحدهما على الآخر، في إطار خدمة المصالح العليا للسودان، وقضايا الثورة والتغيير". واعتبر أن توصل ست حركات تعتمد الكفاح المسلح إلى اتفاق للترتيبات الأمنية، سيسهم في بناء منظومة عسكرية أمنية تدعم الانتقال والمصالح العليا للبلاد، وتعطي بعداً جديداً للشراكة بين المدنيين والعسكريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جناح الحلو انسحبت من جلسات التفاوض الجمعة الماضي، بسبب "جنوح قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو إلى الحرب وتشجيعه المستمر قواته لارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، فضلاً عن موقفها بضرورة الاتفاق على العلمانية والفصل الكامل بين الدين والدولة، وفي حال تعذر ذلك سيكون الخيار حق تقرير المصير حلاً لضمان الاستقرار وإيقاف الحرب في البلاد.
في حين أشار مستشار رئيس دولة جنوب السودان للشؤون الأمنية ورئيس لجنة الوساطة الجنوبية، خلال مؤتمر صحافي عقده الأحد في جوبا، إلى أن تحقيق السلام في السودان، والذي كان يعد حلماً مستحيلاً أصبح الآن حقيقة وواقعاً ملموساً، معرباً عن شكره وامتنانه لكل من ساهم ودعم مسيرة إحلال السلام في السودان عبر منبر جوبا للتفاوض، من دول ومنظمات إقليمية ودولية.
واعتبر أنه لم يبقَ في مسيرة السلام الشامل في السودان سوى ملف الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي مازال وفدها في جوبا، مؤكداً أن قيادة بلاده ستواصل مساعيها مع قيادة الحركة من أجل الوصول إلى اتفاق سلام شامل ودائم مع الحكومة السودانية. ودعا حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور إلى الانضمام إلى ركب السلام كي تكتمل فرحة الشعب السوداني وينعم السودان بالاستقرار والأمن.
5 مسارات
وركزت مفاوضات السلام السودانية التي استضافها منبر جوبا في نهاية العام 2019 بدعم من الاتحاد الأفريقي ودول الجوار، على 5 مسارات تشمل مسار إقليم دارفور (غرب)، ومسار ولايتَي جنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ومسار شرق السودان، ومسار شمال السودان، ومسار وسط السودان. ويضم مسار دارفور المنضوي تحت كيان الجبهة الثورية السودانية حركة العدل والمساواة، وحركة جيش تحرير السودان، وحركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي، وتجمّع قوى تحرير السودان، والتحالف السوداني. ونص اتفاق السلام على ضرورة تفكيك الحركات المسلحة وانضمام مقاتليها إلى الجيش النظامي الذي سيتم تنظيمه ليكون ممثلاً لجميع مكونات الشعب السوداني.
ويمثل ملف السلام أهم ملفات الحكومة الانتقالية، التي وضعت له فترة 6 أشهر لتحقيقه، منذ بدء مهماتها في 21 أغسطس 2019، لوقف الحرب التي قادتها حركات مسلحة في دارفور عام 2003، ما خلّفت أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون نازح ولاجئ من أصل 7 ملايين نسمة في الإقليم.