تسببت تداعيات ومخاطر فيروس كورونا في تغييرات جذرية بخريطة الاحتياطيات الموجودة لدى البنوك العالمية سواء من الذهب أو سلة العملات العالمية، حيث تشير البيانات والتقارير إلى تراجع حصة الدولار الأميركي في إجمالي الاحتياطيات الدولية، مع ارتفاع حصص لعملات أخرى مثل اليورو واليوان الصيني.
في تقرير حديث، توقعت مؤسسة مورغان ستانلي للخدمات المالية والاستثمارية، أن زيادة الاستثمار الأجنبي بالأسواق الصينية قد يعزز استخدام اليوان، ليصبح في المركز الثالث في احتياطي دول العالم من النقد الأجنبي بعد الدولار واليورو خلال عشر سنوات.
وذكرت أن اليوان الصيني يشكل حالياً نحو 2 في المئة من أصول احتياطي العملات الأجنبية العالمي، ولكن تلك النسبة قد ترتفع إلى ما يتراوح بين 5 و10 في المئة بحلول عام 2030، متفوقاً على الين الياباني والجنيه الإسترليني.
التقرير أشار إلى أن النطاق المتوقع عند 5 إلى 10 في المئة يبدو واقعياً في ضوء انفتاح الأسواق المالية بالصين والتكامل المتنامي لسوق رأس المال عبر الحدود الذي نراه عبر الأسهم والدخل الثابت ونسبة متزايدة من المعاملات عبر الحدود في الصين مقومة باليوان، الأمر الذي يشير إلى أن البنوك المركزية العالمية سوف تحتاج إلى الاحتفاظ بمزيد من اليوان كجزء من احتياطياتها.
70 بنكاً مركزياً تحتفظ باليوان الصيني
مورغان ستانلي أوضحت في تقريرها، أنه اعتباراً من نهاية عام 2019، يوجد ما يقرب من 70 بنكاً مركزياً في جميع أنحاء العالم تحتفظ باليوان باحتياطياتها، ارتفاعاً من 60 نهاية عام 2018، وفقاً لتقارير تدويل اليوان السنوي الصادر عن بنك الشعب الصيني.
في الوقت نفسه وخلال السنوات الماضية، تسعى الحكومة الصينية إلى دعم الاستخدام الدولي لليوان، كما كثفت جهودها أخيراً للسماح لمزيد من المؤسسات المالية الأجنبية بدخول السوق المحلية.
واعتمد التقرير في توقعاته على عدة تغييرات في المحركات الاقتصادية للصين مثل الاعتماد بشكل أساس على الصادرات للنمو، الأمر الذي سيتطلب من الدولة أن تصبح متلقياً لرأس المال.
ويتوقع التقرير أن الحساب الجاري للصين، الذي يتضمن التجارة والمدفوعات للمستثمرين الأجانب، يمكن أن يتحول إلى سالب اعتباراً من عام 2025 ويصل إلى سالب 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
وكان صندوق النقد الدولي قد اتخذ خطوة مهمة في عام 2015 بإضافة اليوان إلى سلة عملاته الاحتياطية الرئيسة المعروفة باسم سلة حقوق السحب الخاصة، التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) 2016. كما يتوقع التقرير ارتفاع العملة الصينية إلى مستوى 6.6 يوان مقابل الدولار الأميركي نهاية عام 2021.
الورقة الأميركية تتأثر سلباً باستقرار اليورو
على صعيد حصة اليورو في الاحتياطيات الدولية، أشار تقرير للبنك المركزي الأوروبي، في تقرير أفصح عنه في يوليو (تموز) الماضيين إلى أن الاستخدام العالمي لليورو كان مستقراً بصفة عامة خلال العام الماضي، بعد انخفاض مطرد أعقاب أزمة ديون الاتحاد الأوروبي، لكن الآمال في زيادة الطلب لم تتحقق.
وأوضح المركزي الأوروبي في تقييم سنوي لليورو، أن العملة الأوروبية شكلت نحو 20.5 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية نهاية العام الماضي، ارتفاعاً من 20.3 في المئة قبل عام، في حين انخفضت حصتها بأوراق الديون الدولية القائمة إلى 22.1 في المئة من 22.4 في المئة قبل ذلك.
ولعب اليورو الذي تم إطلاقه قبل نحو 20 عاماً دوراً مهما أمام الدولار الأميركي، بخاصة مع اتجاه أوروبي لتقليل الاعتماد على الورقة الأميركية الخضراء في الاحتياطيات الدولية.
وعلى الرغم من نمو أهمية اليورو كوحدة احتياطي نقدي دولية خلال فترة الضعف الاقتصادي بسبب الأزمة العالمية فإن دوره انخفض بعد أزمة الديون داخل منطقة اليورو في 2010-2011. حيث أعلن البنك المركزي الأوروبي أن استخدام الدولار الأميركي أثر في حصة اليورو بمحافظ الاحتياطي العالمي، وأحد تلك العوامل المؤثرة هو أن معظم الاقتصادات الناشئة باعت الدولار الأميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن تقلبات الأسواق المالية والانتكاسات في تدفقات رأس المال عبر الحدود، أدت بتلك الاقتصادات إلى تنظيم مدخلات سوق صرف العملة الأجنبية بهدف استقرار عملاتها. وبالنسبة للودائع الدولية خارج التكتل، ظل دور اليورو دون تغيير على نطاق واسع في حين ارتفعت حصته في القروض الدولية القائمة بواقع نقطة مئوية واحدة.
وأوضح المركزي الأوروبي أن حصة الدولار الأميركي وهو العملة الاحتياطية العالمية، تراجعت إلى أدنى مستوى في عقدين، الأمر الذي يشير إلى استمرار الاتجاه نحو التنويع التدريجي لمحافظ عملات الاحتياطي العالمية. حيث فقد الدولار كذلك حصته في السوق مقابل عملات أخرى مثل الين الياباني والجنيه الإسترليني على مدى العقد الماضي، شأنه مثل اليورو، لكن مع ذلك لا تزال الورقة الخضراء والعملة الأوروبية الموحدة يمثلان أكثر من 80 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي العالمي.
لماذا تتراجع قوة الدولار أمام سلة العملات؟
كان صندوق النقد الدولي أشار إلى تراجع حصة الدولار الأميركي في الاحتياطيات الدولية إلى 60.8 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي مقارنة مع الربع السابق. حيث بلغ حجم الاحتياطيات الدولارية نحو 6.74 تريليون دولار في الربع الرابع، انخفاضاً من 6.72 تريليون دولار تعادل 61.5 في المئة من الإجمالي في الربع الثالث.
وخلال العام الماضي، أشارت بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية تراجعت إلى نحو 61.63 في المئة، مقابل 20.35 في المئة لليورو، و 5.41 في المئة للين الياباني، و4.43 في المئة للجنيه الإسترليني، و1.79 في المئة للعملة الصينية.
ويشهد الدولار في الوقت الحالي موجة عنيفة من الخسائر مقابل سلة العملات العالمية، وهو ما يعود إلى عدة أسباب، على رأسها أن الولايات المتحدة سجلت أكبر عجز تجاري في العالم، لكنها مع ذلك لديها عملة الاحتياط المهيمنة.
ويفسر هذا الوضع نظرية مفادها أنه من أجل أن تمتلك دولة عملة الاحتياط العالمية يجب أن يكون لديها عجز تجاري كبير مع بقية دول العالم. لكن هذه النظرية يتم دحضها عند النظر إلى اليورو، ثاني أكبر عملة احتياطية، والين، ثالث أكبر عملة احتياطية، حيث تتمتع اقتصاداتهما بفائض تجاري كبير مع بقية دول العالم.
في الوقت نفسه، يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ثقة العالم في الورقة الخضراء تتراجع وتتجه إلى حيازة الذهب بدلاً منها. وأرجع بوتين ذلك إلى أن استخدام واشنطن للدولار كأداء سياسية أصبح يأتي بنتائج عكسية.
وعلاوة على ذلك، تتجه دول وعلى رأسها الصين إلى خفض حيازتها من سندات الخزانة الأميركية مع حقيقة أن بكين هي الدولة الأكبر امتلاكاً لديون الولايات المتحدة. كما أن روسيا تتبع النهج نفسه منذ العام الماضي بشكل واضح، حيث تراجعت حيازتها بشكل حاد لأسباب سياسية واقتصادية.