تسود القاهرة "أجواء إيجابية" بشأن احتمالية تحقيق "انفراجة وشيكة بتوافق دولي" في ليبيا، بحسب تعبير مصدر رسمي مصري، وذلك بعد بحث وفد ليبي يضم أعضاء تابعين لمجلس النواب (في الشرق) والمجلس الأعلى للدولة (في الغرب) تطورات الأزمة مع مسؤولين مصريين، لا سيما على صعيدها السياسي والأمني، والتأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار، والذي أعلن بشكل مفاجئ في أغسطس (آب) الماضي.
وبحسب مصادر رسمية مصرية وليبية تحدثت لـ"اندبندنت عربية"، فإن الوفدين الذين يضمان 9 عناصر يتبعان طرفي الصراع في ليبيا، حيث شارك من الشرق نواب سابقون وحاليون تابعون لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فيما يضم وفد طرابلس، ممثلين عن المجلس الأعلى للدولة الذي يرأسه فايز السراج وعلى رأسهم مستشار الأخير للأمن القومي تاج الدين الرازقي، إضافة إلى أسماء بارزة من المعسكر ذاته، وهما بلقاسم قزيط وسعد بن شرادة (عضوا مجلس الدولة) واثنان من كتائب عملية بركان الغضب (هما تهامي الجطلاوي قائد محور الشوكة في سرت وبن رمضان قيادر القيادي بالكتيبة 301).
وفيما أرجعت مصادر ليبية، الهدف الرئيسي للزيارة إلى الاطلاع على وجهة النظر المصرية بشأن الملف الليبي ودعم التوافقات بين أطراف الأزمة لتسريع الوصول لحل سياسي وتذليل العقبات، اعتبرت مصادر مصرية "أن الزيارة بداية لانفراجة حقيقية للأزمة الليبية"، مشيرين إلى أنها تأتي في إطار حرص القاهرة على الانفتاح على كافة الأطراف الليبية والدور الذي تلعبه لتفعيل الحل السياسي.
وتزامنت تطورات القاهرة، مع وصول المحادثات التي أجريت بالمغرب في منتجع بوزنيقة بين وفدي حكومة الوفاق الليبية وسلطات شرق البلاد إلى اتفاق شامل حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية بعد جولة مفاوضات بدأت قبل أيام، وهو ما اعتبره مصدر رسمي مصري أنه يتم "بتنسيق فعال ومتناغم مع الجهود المصرية للوصول لحل وشيك".
"ترجيحات بانفراجة متوقعة"
بحسب مصادر مصرية، تحدثت لـ"اندبندنت عربية"، فإن "اتصالات القاهرة مع حكومة الوفاق أو ممثلين عنها ليست المرة الأولى، وأنها شهدت تطورات إيجابية لافتة خلال الشهور الأخيرة بجهود قادتها الخارجية المصرية"، مشيرة إلى أن زيارة "مستشار فايز السراج للأمن القومي تاج الدين الرازقي ليست الأولى التى تتم للقاهرة خلال الأسابيع الأخيرة".
وذكر المصدر، الذى فضل عدم ذكر اسمه، أن "التقارب والتفاهمات بين القاهرة والسراج متواصلة حتى قبل البيانين المنفصلين اللذين أعلنتهما السلطتان المتحاربتان في 22 أغسطس (آب) الماضي، في ليبيا بوقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات العام المقبل في أنحاء البلاد، وذلك انطلاقاً من حرص القاهرة على الانفتاح على كافة الأطراف الليبية بما يخدم مصالح الليبيين".
المصدر المطلع على تفاصيل المفاوضات، أوضح كذلك، أن "الاجتماعات الحالية في القاهرة لا تتقاطع واجتماعات المغرب في منتجع بوزنيقة بين الأطراف المتحاربة، بل يمضيان معاً فى تكامل وتنسيق وبموافقة دولية وإقليمية"، مرجحاً، "أن تشهد الفترة القصيرة المقبلة تحركاً شاملاً للتسوية في ليبيا منطلقاً من القاهرة، وأن تتكثف لقاءات المسؤولين المصريين وطرفي النزاع الليبي لبحث تسريع عملية الحل السياسي"، مشيراً إلى إدراك الأمم المتحدة والمبعوثة الخاصة بها بالإنابة ستيفاني ويليامز إلي ليبيا، بجدية الدور المصري للتعاطي السياسي مع الملف الليبي.
ونهاية الشهر الماضي، زارت ويليامز مصر والتقت عدداً من المسؤولين المصريين المعنين بالأزمة الليبية.
وذكر المصدر المصري، أنه بالتوازي مع مساعي القاهرة ومساعي الرباط لتسريع الحل السياسي في ليبيا، هناك تحركات مكملة في الاتجاه ذاته تشهده عواصم دولية وإقليمية مختلفة، تتم في مجملها بالتنسيق والتعاون بين الأطراف كافة، لإيجاد صيغة حل شامل للأزمة في أسرع وقت ممكن. موضحاً أن "التسوية المقبلة تسهم في تشكيلها كل الأطراف، ويبقى في النهاية التساؤل بشأن الدور التركي في الأزمة ومدى تعاطيه بإيجابية أو سلبية مع التطورات المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل أوشكت ليبيا على الهدوء؟
وفق المراقبين والمختصين بالشأن الليبي تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، فإن التطورات الأخيرة في الملف الليبي وإن كانت لا تستبعد بعد خيار الجاهزية العسكرية والاستعداد لتجدد الصراع، إلا إنها تمثل بداية مرحلة مسارات سياسية تعزز من خيار التفاوض مقابل إدراك أن لا حل عسكرياً قد يجدي لإنهاء الأزمة.
يقول أحمد عليبة، الباحث المختص في الشأن الليبي ورئيس وحدة التسليح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بالقاهرة، "تبدو ليبيا الآن في بدايات مرحلة تفاوض حقيقية على طريق المسار السياسي"، وبالنسبة للقاهرة، وفق عليبة، فإنها تلعب "دوراً بناء ومن دون تمييز، وذلك في إطار مبادئها للتعامل مع كافة أطراف الصراع". وتابع "تمتاز تحركات القاهرة في الوقت الراهن بوجود تقارب فعال وجوهري مع البعثة الأممية والأطراف الإقليمية الفاعلة وكذلك طرفي الصراع المتحاربين".
وذكر عليبة، "منذ إعلان القاهرة عن خطها الأحمر على الأرض المتمثل في سرت والجفرة، لم تحدث تصعيدات عسكرية غير محسوبة بين طرفي النزاع، عززتها تصريحات رسمية من طرفي الأزمة بتفضيل الخيار العسكري والعملية السلمية"، غير مستبعد في الوقت ذاته "خروج الأوضاع عن السيطرة والتحول لعسكرة الأزمة مجدداً".
في السياق ذاته، أشار السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إلى أن التطورات الأخيرة تنبئ عن بداية لكسر حالة الجمود السياسي الذى استمر لفترة طويلة وعودة الليبيين لطاولة الحوار وإبعاد شبح التصعيد والحرب والعمل العسكري بين أطراف الأزمة، ما يعني أن الملف الليبي أمام أول انفراجة إيجابية حقيقية منذ سنوات، تعكسها توافقات على الأرض وجولات حوار بين أطراف الأزمة في العواصم العربية". وبحسب هريدي، فإن "التوافق بين الأطراف الليبية على شكل العملية الانتقالية ربما سيسهم بشكل إيجابي لوضع خريطة طريق لإدارة المرحلة المقبلة، وهو ما تسعى لتسريعه عواصم إقليمية".
كذلك يرى العميد خالد عكاشة، المتخصص في الشأن الليبي، أن "الجولات التفاوضية التي تشهدها القاهرة، مبنية على الجولات المغربية، وهذا نوع من التكامل يدفعنا للتفاؤل أنها جهود متوازية للدفع بالمسار السياسي والقدرة على التعاطي مع مبادرة شاملة لبناء المؤسسات الليبية وتوحيدها والحفاظ على سيادة الليبيين وأمنهم". وبحسب عكاشة، فإنه يمكن البناء على مبادرة القاهرة للحل والتي أعلنتها في يونيو (حزيران) الماضي، حيث تم التعامل مع الأقاليم الليبية بشكل شامل، وتنادي بتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتحظى تأييد في الداخل الليبي، وبدعم دولي وتتماشى مع مخرجات برلين".
وخلال الساعات الأخيرة، أفضت المحادثات التي أجريت في المغرب بين وفدي حكومة الوفاق الليبية ومقرّها طرابلس والسلطة الموازية في شرق البلاد إلى اتفاق حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية.
وجاء في البيان الختامي المشترك للمفاوضات التي شارك فيها المجلس الأعلى للدولة، المنبثق عن اتفاق الصخيرات (وقع في المغرب 2015) والموالي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ومجلس النواب الذي يعمل انطلاقاً من مدينة طبرق الساحلية في الشرق ويؤيد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر، أن "هذه اللقاءات جرت في أجواء ودية وأخوية يسودها التفاهم والتوافق أسفرت عن اتفاق شامل حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية".
وأضاف البيان الذي تلاه عضو مجلس النواب إدريس عمران، أمس الخميس، "أن الطرفين اتفقا أيضاً على استئناف هذا الحوار في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي من أجل استكمال الإجراءات اللازمة التي تضمن تنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق".
وأشار الطرفان إلى أن "ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، على مختلف المستويات والأصعدة، من حالة شديدة الخطورة، باتت تهدد سلامة الدولة ووحدة أراضيها وسيادتها، نتيجة التدخلات الخارجية السلبية، التي تؤجج الحروب والاصطفافات المناطقية والجهوية والأيديولوجية".
وتشهد ليبيا فوضى وأعمال عنف منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 في انتفاضة دعمها عسكرياً حلف شمال الأطلسي. وتفاقمت الأزمة العام الماضي بعدما شنّ المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا والداعم لبرلمان طبرق، هجوماً للسيطرة على طرابلس، مقرّ حكومة الوفاق.
ويحظى حفتر بدعم مصر والإمارات وروسيا، في حين تحظى حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج بدعم تركيا.
وأخيراً سيطرت قوات حكومة الوفاق مدعومة من تركيا على كل الغرب الليبي إثر معارك استمرت أكثر من عام وانتهت مطلع يونيو (حزيران) بانسحاب قوات حفتر من محيط طرابلس وسائر المناطق التي كان يسيطر عليها في غرب وشمال غربي البلاد.
وتوقفت المعارك في محيط مدينة سرت الاستراتيجية التي تعدّ بوابة حقول النفط وموانئ التصدير في الشرق الليبي. وذلك حتى أعلنت السلطتان المتحاربتان في ليبيا في بيانين منفصلين وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل وتنظيم انتخابات العام المقبل في أنحاء البلاد في 22 أغسطس.