أن يُعلن عن حزب ليبرالي في سوريا فهذا ضرب من ضروب الخيال داخل بلاد تمزقها الحرب ويدق النزاع المسلح عبر تسع سنوات مسماره بنعش العملية السياسية برمتها، وسط قبضة تمسك بالبلاد وتحكمها عبر الحزب السياسي الواحد "حزب البعث" منذ ستينيات القرن الماضي.
مخاض سياسي
حزب ليبرالي يطمح مُطلِقه رجل الأعمال السوري، فراس طلاس بثّه في الداخل الممزق، ومن منفاه الباريسي الاختياري، بالتوازي مع تكهنات أوساط موالية حملت معها توقعات تشي بفشل ذريع للحزب القادم من بعيد.
ويتحدث سياسي سوري موال للنظام، عن مخاض عسير سيواجه الحزب كما يتوقع تعثره، وذكر السياسي من دمشق لـ "اندبندنت عربية" بأن تأسيس الحزب ليس بالأمر اليسير خاصة أن معالمه لم تغدُ واضحة بعد.
ويرجح السياسي السوري ذاته أن كل نشاط حزبي يأتي دعمه من الخارج مصيره الفشل، حسب رأيه، ويرى أنه "من الصعب على الأحزاب أن تمارس نشاطها إلا بتراخيص رسمية تصدر عن اللجنة العليا للأحزاب في سوريا وتأخذ موافقة الحكومة على ذلك وإلا لن يكتب له النجاح".
من جهته يلوح طلاس نجل العماد أول، مصطفى طلاس، وزير الدفاع الأسبق إلى كون البلاد على موعد مع ولادة الحزب قريباً، وسيبصر النور مطلع الشهر الثاني أو الرابع من العام القادم، معلناً أن هدفه رفاه المواطن السوري.
في الداخل
وأثار طلاس (60 سنة) قرار تأسيس حزبه بعد عمل مضنٍ لمجموعات تحمل اندفاع الشباب تساؤلات عن قدرة الحزب على إحداث تغيير داخلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إعلانه انطلاقه من سبع مدن سورية (حلب ودمشق والساحل ووسط سوريا والشمال الشرقي)، يدور في خلد السوريين كيف سيعمل حزب بأفكار ليبرالية داخل بلاد تحكمها سطوة السلاح وحرب العصابات والنزاع مع فقدان للحريات الفردية والسياسية؟
مقابل ذلك يتوجس السوريون في الداخل وممن ينعتون بـ"الرماديين" الذين لم يحسبوا على أي طرف من أطراف الصراع، من عودة حراك شعبي مماثل للمظاهرات التي اندلعت عام 2011 وتكرار لمشهد ألحق بالبلاد حرباً ضروساً ليس لهم فيها أي طائل.
بيد أن المحايدين أو "الرماديين" ويشكلون الجمهور الأوسع يرغبون فقط بالعيش بسلام رغم ثقل الهم الاقتصادي على كاهلهم وتقطع سبل العيش مع أوضاع كارثية تنعدم فيها فرص الحياة لولا المساعدات التي يلجأ كثيرون إليها.
وزاد معها انخفاض القوة الشرائية لعملتهم (2500 ليرة للدولار الواحد)، ويأتي في الآونة الأخيرة إحجام قوات قسد المسيطرة على أكبر حقول البترول في الشمالي الشرقي من تزويد النظام بالنفط نتيجة تطبيق قانون العقوبات الأميركية (قانون قيصر) في منتصف يونيو (حزيران) الماضي.
أحزاب المعارضة
من جهتها رحبت أوساط المعارضة السورية بإعلان تأسيس الحزب السياسي الجديد، ووجدوا فيه فرصة لإعادة ضخ الحراك الشعبي في التوقيت المناسب حيث يقبع فيه كل من جمهوري الموالين و"الرماديين" على حد سواء تحت صفيح ساخن قابل للاشتعال.
ويقابل الناشط الحقوقي، رضوان العلي إنشاء حزب طلاس الجديد أو أي حزب يدعم أفكار الحرية بالترحيب لا سيما أن الوقائع في سوريا لا بد أن تتجه في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية، وستكون موسكو مرغمة على دعمها.
وبالتالي لا بد من المعارضين للنظام أو أي فصيل سياسي أن يكون حاضراً، ولمح العلي في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إلى أن الحزب الجديد يحتاج إلى قاعدة جماهيرية تحتويه "وهي حاضرة في صلب المجتمع السوري المتعطش لحرية سياسية وإلى أبسط مقومات العيش بكرامة".
الرفاه للسوريين
في غضون ذلك لم يتخذ القرار النهائي بشأن اسم الحزب وسيترك هذا القرار للمراحل الأخيرة من تشكيله بهدف إشراك أكبر عدد من الشباب السوري، وفق مؤسسه طلاس.
وكان طلاس الذي لا يحمل أي صفة سياسية أو عسكرية وفضل الاتجاه من تركيا إلى باريس قد نشر على صفحته الرسمية على موقع (فيسبوك) إعلان تأسيس حزبه جاء فيه: "يراعي نظامه الداخلي الذي يتم العمل في مراحله الأخيرة حالياً للمحافظة على الحضور الشاب بين أعضائه، ومن خلال آلية الانتساب والعضوية الهدف النهائي لبرنامج الحزب هو رفاه الإنسان السوري، وسيضع برامج وخططاً متدرجة، حيث تكون الأولوية الآن لتأمين الطعام والدواء والتعليم، وتحسين الوضع الاقتصادي بشكل واقعي وتدريجي. ويضع المؤسسون البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورؤيته لدعم الزراعة والصناعة والسياحة والتعليم والتدريب، وشكل العلاقة مع المجتمع المحلي".
وأفصح طلاس عن بدء التواصل مع الأحزاب والتيارات والمشاريع السياسية ذات التوجه الليبرالي في دول المنطقة للعمل والتنسيق معاً بشكل ممنهج لمستقبل الإنسان في المنطقة.