ينتظر السوريون بفارغ الصبر عودة وشائج العلاقة مع أشقائهم العرب على المستوى الرسمي، بعد قطيعة دامت تسع سنوات، لاسيما أن سبل العيش تتقطع بهم في بلد محاصر براً وبحراً وجواً، مع ما يحدق بهم من كوارث طبيعية وبشرية ألمّت، بما في ذلك فقدانهم أبسط مقومات الحياة اليومية.
الكابل المقطوع
بارقة أمل جديدة لاحت في أفق التعاون العربي ـ السوري وبخاصة مع الدول الخليجية بعدما أعلن وزير الاتصالات والتقانة في الحكومة السورية إياد الخطيب، إعادة الكابل الضوئي للعمل بين دمشق ودبي مروراً بالأردن ومن ثم السعودية.
ويمثل (الكابل الضوئي) أول كابل قُطع خلال فترة الصراع المسلح في سوريا، وإبان الحراك الشعبي عام 2011، ومثّلت عودته إشارة ثانية في اتجاه بدء تفعيل التعاون العربي المتوقف، سبقها سماح الرياض بمرور شاحنات البضائع السورية عبر أراضيها بعد فتح معبر (نصيب) الحدودي جنوب البلاد بين دمشق وعمان في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.
الكابل ذاته وبحسب وصف خبراء في الاتصالات السورية لـ"اندبندنت عربية"، يمثل رافداً مهماً، لاسيما أن الحكومة السورية تسعى منذ شهر فبراير (شباط) الماضي إلى إطلاق "الحكومة السورية الإلكترونية".
ويتحدث مهندس وخبير في مجال الاتصالات عن "حجم الطموح الكبير لتحويل كل المعاملات والمراسلات إلى إلكترونية، لكن العوائق كبيرة ومنها حجم بوابات شبكة الإنترنت واتساعها، ولعل إيصال الكابل الضوئي يحل جزءاً كبيراً من المشكلة، في وقت تسعى سوريا إلى إدخال مزود ثالث بالخدمة، إلى جانب شركتي اتصالات فقط".
عودة العلاقات
من جانب آخر، يعبر الشارع السوري عن ترحيبه بهذا التطور، مع تردد أنباء، لم يتم تأكيدها بعد، عن حلحلة دبلوماسية تلوح في المنظور القريب، ولطالما رغب بها الفريق المحايد، أو ما يطلق عليه في الداخل السوري (الرمادي).
ويمثل هؤلاء الرماديون الفريق الأوسع الذي يقف على الحياد اتجاه حرب أهلية "لم تُبقِ ولم تذر"، أرهقت البلاد وأوصلت حجم خسائرها الاقتصادية لما يجاوز 442.2 مليار دولار، وجعلت أحد عشر مليون شخص في دائرة خطر الجوع والأمراض، عدا عن نزوح وهجرة ما يربو على ستة ملايين خارج سوريا.
يأتي كل ذلك مع رغبة جامحة في الوسط الشعبي لإحياء السلام، بينما تواصل الأوساط الرسمية تحفظها المشوب بالحذر من أي تصريح له علاقة بترميم العلاقات.
الخطر يوحد العرب
من جانبه، يأمل برلماني سوري فيما يخص العلاقة العربية مع سوريا، بضرورة تفعيل موقف عربي موحد وأن يكون ذلك قريباً. وذكر عضو مجلس الشعب أحمد مرعي، أن العائق يكمن برفض الولايات المتحدة "إعطاء شرعية لدمشق في ظل قانون قيصر والعقوبات الأميركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقرأ البرلماني السوري (وهو ممثل دائرة مدينة جرابلس) الواقعة تحت سيطرة تركيا، أن عودة العلاقات مع الإمارات أعطى إشارة مهمة بتحرك الجامعة العربية، والتنبه إلى دور دول مثل الإمارات والسعودية إزاء الخطر التركي، وضرورة التقارب مع سوريا وتشكيل حلف عربي للحد من توغله، حسبما قال لـ"اندبندنت عربية".
على صعيد ثان، أتى بيان السفارة الأميركية في دمشق يوم الأحد 11 أكتوبر (تشرين الأول)، حول ما يحدث من حرائق في الساحل السوري، أشبه برسالة دافئة بعد إغلاق السفارة وانقطاع العلاقات بين البلدين، وهو تحول جديد له دلالته الدبلوماسية والسياسية على الرغم من أنه يحمل طابعاً إنسانياً.
وجاء في بيان السفارة التي علقت أعمالها في فبراير (شباط) 2012، تعاطف الولايات المتحدة مع الفئات المتضررة من الحرائق، داعية النظام السوري إلى اتخاذ الإجراءات لإنقاذ الأرواح.
إعادة العلاقات على المحك
في المقابل، لا ترغب المعارضة السورية في حدوث أي تحولات في مجال التقارب السوري مع الدول العربية، مطالبة بضرورة الضغط على النظام من أجل انتقال سياسي وتوفير الحريات.
وجاء بيان للائتلاف السوري (المعارض) في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، أهاب فيه "ضرورة البقاء على الإجماع العربي في مقاطعة النظام".
وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أجرى في وقت سابق حديثاً هاتفياً في أبريل (نيسان) مع رئيس النظام السوري بشار الأسد حول تداعيات انتشار فيروس كورونا، في إطار دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية.
وذكر بن زايد في تغريدة على "تويتر"، "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".
وسبق ذلك تصريح للقائم بالأعمال السفارة الإماراتية في دمشق عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، حين وصف العلاقات بين البلدين بالمتينة والقوية. من جانبه رد نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد بالقول إن "الإمارات وقفت إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب".
رياح التغيير
في غضون ذلك، ووفق رأي أوساط مراقبة للمشهدين السوري والعربي، فإن انقطاع العلاقات العربية مع دمشق أدى بطبيعة الحال إلى رسم خرائط جديدة على الأرض وتهديدات إقليمية متمثلة بدخول اللاعب التركي.
الدبلوماسية المعتدلة
مع تنفس دمشق الصعداء غداة افتتاح سفارة الإمارات في عام 2018، عادت الروح للدبلوماسية السورية بعد قطيعة، وكانت الآمال في الداخل السوري معقودة بأن تحذو دول خليجية هذا المسار.
وعلى الرغم من مشاركة وفد سوري للمرة الأولى بعد انقطاع العلاقات مع السعودية، زار صحافيون سوريون الرياض على هامش اجتماعات اتحاد الصحافيين العرب العام الماضي، وسط رغبة بأن تعيد هذه التطورات الإيجابية دفء العلاقات الثنائية بين البلدين، وتدفع عاجلاً أو آجلاً بسوريا نحو مقعدها في الجامعة العربية المغيبة عنه قسراً.
وكان لقاء ودي جمع مندوب السعودية في مجلس الأمن الدولي عبد الله المعلمي بنظيره السوري بشار الجعفري في حفل دبلوماسي، تحضيراً لرئاسة السعودية اجتماع مجموعة العشرين في فبراير (شباط) الماضي، ما أعطى بصيص أمل بالسير نحو تغيير قادم.