أشعل صيادون إيطاليون، احتجزتهم السلطات الليبية في شرق البلاد، بوادر أزمة دبلوماسية مع روما، حيث تصر السلطات في بنغازي على محاكمتهم في ليبيا، وفقاً لقانون البلاد، بينما تصر الحكومة الإيطالية على إطلاق سراحهم، فوراً ومن دون شروط.
وبدأت القصة مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، حين احتجزت دوريات للقوات البحرية التابعة للجيش الوطني الليبي، مركبين إيطاليين لصيد الأسماك على متنهما 18 صياداً، داخل المياه الإقليمية لليبيا، وجلبتهما بمن فيهما إلى بنغازي.
وقالت السلطات في شرق ليبيا بعدها، إنها ستحاكم الصيادين المحتجزين، بتهمة الصيد غير المشروع داخل المياه الليبية، مؤكدة أن "هذه التعديات تكررت كثيراً في السنوات الماضية من قبل مراكب صيد إيطالية". وأقامت هذه التصريحات الدنيا في روما، التي تمارس حتى الآن ضغطاً كبيراً لإطلاق سراح الصيادين قبل محاكمتهم وسجنهم، كما هو متوقع استناداً إلى نصوص القانون الليبي.
ضغط المعارضة الإيطالية
وبين رفض السلطات الليبية وضغط الحكومة الإيطالية، بدأت القضية تتحول إلى ما يشبه الأزمة بين الجانبين، حيث صعّدت روما من لهجتها شيئاً فشيئاً، بينما واصل الجيش الوطني رفضه الاستجابة لمطالبها، الرامية لإطلاق سراح الصيادين الإيطاليين من دون محاكمة.
وتحولت القضية في روما إلى أزمة رأي عام، مع استغلال المعارضة لها في الضغط على حكومة جوزيبي كونتي، وتوالي التصريحات من قادتها، حول "ضرورة بذلها المزيد من الجهود لإطلاق سراح مواطنين طليان محتجزين في دولة أجنبية من دون تهم واضحة"، بحسب رأيها.
وشدد رئيس حزب "كانتييري بوبولاري" الإيطالي سافيريو رومانو، على "ضرورة اتخاذ إجراءات قوية لتحرير الصيادين المحتجزين في بنغازي".
وأعلن رومانو، أن "أسر الصيادين الـ18 المحتجزين في ليبيا، قاموا باحتلال مقر بلدية ماتزارا ديل فاللو، للضغط على الحكومة الإيطالية، لإيجاد حل لتحرير الصيادين المتهمين بتجاوز المياه الليبية، ونقل مخدرات على متن زورقي الصيد".
من جانبها، قالت رئيسة حزب إخوة إيطاليا جورجيا ميلوني، إن "الحزب يوُلي اهتماماً كبيراً بقضية الصيادين الإيطاليين المختطفين في ليبيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت أن "هذا ما تم التأكيد عليه في لقاء عقد في مجلس النواب الإيطالي مع أفراد عائلاتهم وأصحاب قوارب الصيد"، موضحةً أنه "تم تقديم العديد من الإحاطات البرلمانية، وسوف يتمُّ إبقاء الرأي العام على إطلاع بمستجدات هذا الملف الحساس، حتى إعادة هؤلاء إلى بلادهم".
وطالبت النائبة الإيطالية حكومة بلادها بطلب وساطة فرنسية لإنهاء الأزمة، نظراً للعلاقة الجيدة التي تجمع بين باريس وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، بقولها "يجب البحث عن وساطة مع الرئيس إيمانويل ماكرون ليتدخل في المفاوضات بشكل عاجل".
تحرك السلطات في روما
ومع تزايد الضغط الداخلي، وسّع المسؤولون في الحكومة بروما من تحركهم وتصريحاتهم لإنهاء القضية بسرعة، إذ أكد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو يوم الجمعة، أن "كل الجهود الإيطالية تنصب حالياً على تحرير الصيادين الإيطاليين المحتجزين في ليبيا منذ أكثر من شهر".
مبيناً أن "بلاده تواصل العمل ليل نهار، وتركز جهودها في هذه الساعات على أبناء الوطن المحتجزين في ليبيا".
أضاف أن "الحكومة الإيطالية قامت بتفعيل القنوات الدولية كلها، وتعمل بصمت وثقة، كما هو مطلوب في هذه المواقف، لتحقيق أفضل نتيجة".
طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي
ومع وصول المفاوضات بين بنغازي وروما إلى طريق مسدود، وجّه عضوان في البرلمان الأوروبي، ينتميان لحزب "تعيش إيطاليا" الذي يتزعمه سيلفيو برلسكوني، رسالةً إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بوريل، طالبا فيها بتدخل الاتحاد للإفراج عن الصيادين المحتجزين في بنغازي.
وبحسب وكالة الأنباء الإيطالية "آكي"، فإن الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، نائب رئيس حزب "فورتسا إيتاليا" أنطونيو تاياني، وزميله جوزيبي ميلاتسو، قالا في رسالتهما إلى بوريل، "في الأول من سبتمبر الماضي، تم اختطاف 18 صياداً صقلياً من قبل زوارق دورية ليبية".
وأشارت الرسالة، التي طالبت بإجابة مكتوبة من بوريل، إلى أنه "حتى الآن لم تتمكن الحكومة الإيطالية من حل هذه الأزمة"، مشددة على ضرورة إيجاد حلول عاجلة، مع الأخذ في الاعتبار أنه في الأسابيع المقبلة سيتعرض 18 مواطناً أوروبياً لمحاكمة وصفتها بـ"التعسفية".
مطالبين بوريل أيضاً "بتوضيح الإجراءات الدبلوماسية التي ينوي اتخاذها ضد السلطات الليبية لتجنب تكرار مثل هذه التصرفات"، وفقاً لما جاء بالرسالة.
بنغازي تصر على المحاكمة
وفي بنغازي، رفضت السلطات في المدينة كل الوساطات حتى الآن، لإطلاق سراح الصيادين الطليان، وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة اللواء خالد المحجوب، لـ"اندبندنت عربية"، إن "الصيادين المحتجزين في بنغازي، سيُعرضون على النيابة العامة المختصة، وسيحاكمون وفقاً للقوانين الليبية".
كاشفاً أنهم "بصحة ممتازة ويعاملون باحترام وفقاً للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، ونحن نسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم".
وتابع "نحن لا نعتقلهم عبثاً، بل لأنهم انتهكوا القانون بدخولهم المياه الإقليمية والاقتصادية لليبيا من دون إذن مسبق، وهي ليست المرة الأولى، بل حدثت سلسلة انتهاكات كثيرة سابقة مماثلة".
من جانبها، صرحت مصادر رفيعة في بنغازي لـ"اندبندنت عربية"، أن "الصيادين أحيلوا للنيابة العسكرية استعداداً لمحاكمتهم في الأيام القليلة المقبلة".
واحدة بواحدة
يرتبط حل تلك القضية بحسب مطالب السلطات في بنغازي، والتي اشترطتها على الحكومة الإيطالية لإطلاق سراحهم، بإطلاق سراح شباب من المدينة حكمت عليهم السلطات الإيطالية بالسجن 30 عاماً، لاتهامهم بالاتجار بالبشر قبل خمسة أعوام، على الرغم من محاولات السلطات الليبية العديدة للإفراج عنهم.
وقالت مصادر مقربة من الجيش الوطني الليبي، إن الإفراج عن الصيادين الإيطاليين، مرتبط بإطلاق سراح أربعة لاعبي كرة قدم ليبيين، يقبعون في السجون الإيطالية بمدينة كاتانيا منذ خمس سنوات، وقضت محكمة إيطالية في حقهم بالسجن 30 عاماً، في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2017.
واتهم القضاء الإيطالي اللاعبين الأربعة، بـ"تهم الاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة".
بينما يروي الجانب الليبي أن اللاعبين المذكورين فكروا عام 2015 في الالتحاق بأحد النوادي الأوروبية، لكنهم فشلوا في الحصول على تأشيرات سفر، ما دفع بهم إلى التفكير في الهجرة السرية، وهو ما حدث فعلاً، عندما استقلوا أحد القوارب المخصصة للمهاجرين غير الشرعيين من ساحل مدينة زوارة أقصى غرب البلاد، وما إن وصلوا إلى السواحل الإيطالية حتى تم اعتقالهم وعرضهم على القضاء، الذي وجه إليهم تهمتي الهجرة غير الشرعية والمتاجرة بالبشر.
ودأبت عائلات هؤلاء اللاعبين منذ ذلك التاريخ على التظاهر في بنغازي، وإرسال المطالبات للبرلمان والجيش والحكومة المؤقتة للتدخل ومخاطبة السلطات الإيطالية، للإفراج عن أبنائهم الذين اعتبروا الأحكام الصادرة في حقهم من القضاء الإيطالي مجحفةً وظالمة.