الاقتصاد الصيني لا يزال على طريق الانتعاش، مدفوعاً بانتعاش الصادرات والإنفاق الاستهلاكي في الاتجاه الصحيح، والمشكلة تكمن في أن سوق العمل والأجور لا تزال ضعيفةً بعض الشيء، مما يعيق تسارع التعافي الاقتصادي هناك في الربع الثالث بعدما تخلّص المستهلكون من حذرهم من فيروس كورونا. ومع ذلك، جاء النمو الإجمالي دون التوقّعات بينما التحديات مستمرة لواحد من محرّكات الطلب القليلة الحالية في العالم، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز".
وأظهرت بيانات رسمية، الاثنين، أن الناتج المحلي الإجمالي نما 4.9 في المئة في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، وهو أبطأ من متوسّط توقعات المحللين البالغ 5.2 في المئة وفق استطلاع أجرته "رويترز"، لكن أسرع من وتيرة النمو في الربع الثاني من العام والبالغة 3.2 في المئة.
التعافي بطيء في قطاع الخدمات
واستعرضت "رويترز" آراء عدد من المحللين والاقتصاديين والمصرفيين، لرصد نتائج نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقال زانغ يي، رئيس الاقتصاديين في شركة "تشونتشي شينغرونغ كابيتال مانيجمينت" ومقرها بكين، "قبل إصدار البيانات، توقّعت السوق أن يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث الـ5 في المئة، لكن بالنظر إلى التعافي البطيء في قطاع الخدمات، الذي يمثل بالفعل أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، جاءت بيانات نمو هذا الأخير للربع الثالث أقل بقليل من إجماع السوق". وأضاف، "لكن الانتعاش في مبيعات التجزئة وطلبات التصدير يشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي من المحتمل أن ينمو فوق 6 في المئة في الربع الرابع".
وتحقّق الصادرات والقطاعات المرتبطة بالممتلكات أداءً جيداً، بينما يتأخر الاستهلاك قليلاً. وكان النمو في الناتج الصناعي شهد انتعاشاً، إذ بلغ مستوى أعلى من العام الماضي، ويرجع ذلك في الغالب إلى الصادرات القوية. وفيما بقيت مبيعات التجزئة منخفضةً في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، من المتوقع أن ترتفع أكثر في الأشهر المقبلة.
ويتوقّع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي من 5.5 في المئة إلى 5.8 في المئة في الربع الرابع، ليبلغ النمو لعام 2020 بأكمله نحو 2 في المئة. وأوضح زانغ، "في هذه المرحلة، لم يتمكن الناس من الشعور بالآلام الاقتصادية، ويرجع ذلك في الغالب إلى حقيقة أن جائحة كوفيد-19 كانت تحت السيطرة في الصين لبعض الوقت، مما أدى إلى توفير الطلب العالمي من قبل الصين. لكن ذلك مؤقت، فبمجرد السيطرة على الوباء العالمي واستئناف الإنتاج العالمي تدريجاً، قد يصبح التباطؤ الاقتصادي الصيني واضحاً".
جوليان إيفانز بريتشارد، اقتصادي أول في شركة "كابيتال إيكونوميكس" ومقرها سنغافورة، قال بدوره، "نعتقد أن النمو سيستمر في الانتعاش على المدى القريب. ومن المقرر أن تظل السياسة المالية داعمةً حتى بداية العام المقبل على الأقل، الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على قوة النشاط في الصناعة والبناء. وفي الوقت نفسه، فإن تشديد ظروف سوق العمل وتحسين ثقة المستهلك يعني أن التعافي في الاستهلاك ونشاط الخدمات من المحتمل أن يستمر بصورة أكبر".
4.9 في المئة نمو في الربع الثالث
وقال لويس كويج، رئيس اقتصاديات آسيا في "أوكسفورد للاقتصاد" في هونغ كونغ، "نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني 4.9 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث، أو 3.0 في المئة على أساس ربع سنوي". وأضاف، "في تقديرنا، ارتفع النمو على أساس سنوي من 3.2 في المئة في الربع الثاني، ممّا يدل على استمرار التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا، مدفوعاً بقوة بالصناعة والاستثمارات القوية والصادرات، لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي كان أقل من توقعاتنا البالغة 5.3 في المئة على أساس سنوي، مما يعكس تباطؤ نمو الاستثمار في البنية التحتية والليونة المستمرة في استثمارات الشركات واستهلاكها".
ورجّح كويج أن "يشهد نمو الناتج المحلي الإجمالي (ربع سنوي) مزيداً من التراجع في الربع الرابع، مدفوعاً بتراجع زخم الاستثمار مع تباطؤ نمو الائتمان". وأوضح أنه ينبغي أن يعود استهلاك الأسر إلى النمو في الربع الرابع من العام، ليصبح محركاً للنمو أكثر أهمية في العام المقبل. وقال، "خيبة الأمل الطفيفة في الربع الثالث تقود إلى خفض توقّعاتنا لنمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 2 في المئة، من 2.3 في المئة"، مضيفاً "نحافظ على توقّعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 من دون تغيير عند 7.6 في المئة".
اليوان سيرتفع إذا فاز بايدن
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كاكو إي، إستراتيجي أول للعملة في "نومورا" للأوراق المالية بطوكيو، رأى أنه على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي كان أضعف قليلاً من المتوقع، إلا أن الإنتاج الصناعي كان أفضل من المتوقع وأظهرت مبيعات التجزئة أيضاً انتعاشاً.
وأشار إلى أنه في وقت سابق، كان الاقتصاد مدفوعاً بشكل أكبر بالإنفاق على البنية التحتية، ولكن بالنظر إلى قوة الصادرات وما إلى ذلك، يبدو أنه لا يوجد ما يدعو للقلق بشأن الاقتصاد باستثناء قطاع العقارات، الذي قد يشعر بالضيق من تشديد السياسة على القطاع.
ورجّح كاكو أن يظل اليوان مدعوماً، على الرغم من أن بكين ربما تريده أن يكون ثابتاً حول المستويات الحالية قبل الانتخابات الأميركية، ويمكن أن يرتفع إلى 6.4 أو 6.5 مقابل الدولار إذا فاز مرشح الرئاسة الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، بوجه الرئيس الجمهوري دونالد ترمب.
المستهلك يستعيد الثقة
رئيس استراتيجيات الاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في معهد "بلاك روك للاستثمار" في سنغافورة، بن باول، رأى في البيانات الأخيرة دليلاً آخر على الانتعاش الاقتصادي الصيني على شكل حرف (V)، إذ نما في الأرباع الثلاثة الأولى من العام، معوّضاً بالكامل الضرر الذي لحق به في النصف الأول من السنة وسط تفشي الوباء. وقال إن البيانات التي صدرت الاثنين تشكل دليلاً إضافياً على أن الانتعاش يتّسع ويتعمّق. وعبّر باول عن اعتقاده بأن أرقام مبيعات التجزئة القوية، والتي جاءت أقوى من المتوقّع، تشير إلى أن المستهلك يستعيد الثقة في وضع التوظيف الخاص به، وربما على نطاق أوسع، توافقت البيانات مع 650 مليون شخص سافروا خلال أسبوع الإجازة الذهبية في الصين، واستعادة الثقة في العودة ببساطة إلى مراكز التسوّق ومطاعم الطائرات وما إلى ذلك. وأضاف الاقتصادي، "بالنسبة لي، وبالنسبة لنا في معهد بلاك روك للاستثمار، كانت هذه البيانات مشجعةً وداعمةً لروايتنا التي مفادها بأن الصين تواصل التعافي ومن المرجّح استمرار ذلك".
وتابع باول، "التعافي مستمر في الاتساع والتعمّق، ومن المثير للاهتمام أن الصين لديها سياسة مختلفة بشكل كبير عن العديد من الدول الأخرى من العالم، حيث نتحدّث عن ثورة في السياسة... لكن في الصين، لدينا نهج مستمرّ وأكثر تقليدية من الناحية التاريخية للسياسة مع أسعار الفائدة، الحقيقية والإسمية على حد سواء، ووفق المعايير العالمية فهي مرتفعة للغاية مع حوالى 3 في المئة".
نمو متوقع في الربع الأول من 2021
وقال تومي إكسي، رئيس الأبحاث الصينية الكبرى في بنك "أو سي بي سي" في سنغافورة، "أنا لست قلقاً. إذا نظرت إلى النمو على أساس ربعي، فإن 3.2 في المئة لا تزال جيدة جداً، ويأتي هذا بعد انتعاش الربع الثاني بنسبة 11.5 في المئة مقارنةً بالربع السابق".
ووصف إكسي مبيعات التجزئة بالـ"قوية"، ورأى أن تعافي الاستثمار في البنية التحتية سيعزّز تعافي الصين في الأرباع المقبلة، وخصوصاً بالنظر إلى إصدار السندات من قبل الحكومة في الأشهر القليلة الماضية ونمو المعروض النقدي القوي في سبتمبر. وأضاف، "أعتقد أن الاستثمار في البنية التحتية سينتعش أكثر، إلى جانب نمو قوي جداً في الربع الأول من عام 2021، ما يسهّل تحقيق نمو على أساس سنوي".
تعافٍ قوي لقطاع الإنتاج
الاقتصادي في "يو أو بي" سنغافورة، ووي تشن هو، قال من جهته، "كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.9 في المئة محل اهتمامنا. لكن في السابق، كنا نتوقّع أن يبلغ النمو في الربع الرابع حوالى 5.7 في المئة، وإذا نظرت إلى مسار تعافي الطلب المحلي، أعتقد أنه سيكون أعلى من 6 في المئة". أضاف، "يجب أن يكون على الخط نفسه. وبالنسبة للعام بأكمله، فإن 1.9 في المئة يقارب النمو الذي سنشهده للصين هذا العام. سيكون ذلك مدفوعاً بالصناعة، إذ شهد القطاع تعافياً كبيراً، كما نمت الصناعة الثانوية وهي بالفعل أقوى منذ الربع الأول من عام 2019. لذلك أعتقد أنه في الربع الرابع، يمكن أن نرى بعضاً من هذا التيسير".
وتابع تشن هو، "لا نرى احتمالات المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة في الصين الآن. ستتم المحافظة على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأعتقد أن التركيز الآن سيكون على تحفيز الطلب المحلي".
وقال لاري هو، رئيس الاقتصاد الصيني في شركة "ماكاري كابيتال" بهونغ كونغ، "سنرى أن التعافي مستمر"، متوقعاً أن يتسارع في الربع الرابع ليصل "ربما إلى 5.5 في المئة، ثم إلى 15 في المئة في الربع الأول من العام المقبل".
أضاف، "إذا نظرت إلى البيانات الشهرية في الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، تشير جميعها إلى انتعاش قوي جداً. ويخبرنا ذلك أيضاً أن محرّك التعافي يتغيّر لأنه في الربع الثاني والربع الثالث، كان الانتعاش مدفوعاً إلى حد كبير بما أسميه 50 في المئة من الاقتصاد والاستثمار والصادرات. من الآن فصاعداً، ستدفعه نسبة الـ50 في المئة الأخرى من الاقتصاد، خصوصاً الاستهلاك ومبيعات التجزئة التي ستستمر في التسارع بالتأكيد".
ورأى لاري أن أهم شيء بالنسبة للاقتصاد الصيني في الأشهر المقبلة، هو ما إذا كان استهلاك الخدمات سيلحق بالركب.
ليس هناك ما يدعو للتشاؤم
يوشيكيو شيماميني، كبير الاقتصاديين في معهد "داي-إيتشي لايف" للأبحاث في طوكيو، رأى أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي جاءت أقل بقليل من التوقعات، لكن البيانات الشهرية تظهر أنه لا يوجد سبب للشعور بالتشاؤم المفرط. وقال إن الاقتصاد الصيني لا يزال على طريق الانتعاش، مدفوعاً بانتعاش الصادرات. وأضاف، "يتجه الإنفاق الاستهلاكي أيضاً في الاتجاه الصحيح، لكن لا يمكننا القول إنه تخلص تماماً من العبء الناجم عن فيروس كورونا".
فالمشكلة تكمن بحسب شيماميني، في أن سوق العمل والأجور لا تزال ضعيفةً بعض الشيء، مما يعيق الاستهلاك.