في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) قبل عام، لم تكن تدرك وي ويكسيان، بائعة الثمار البحرية بسوق هوانان للأسماك في مدينة ووهان في مقاطعة هوبي (وسط الصين)، أن الأعراض المرضية التي أصابتها، واعتقدتها "أنفلونزا موسمية تحل عليها مع كل شتاء"، ستتحول سريعاً وكأنها "زر ضخم ضغط عليه لإعادة تشغيل الإنسانية كلها، مدفوعة بشكل كبير بالخوف والذعر"، بعد أن اكتشف لاحقاً أنها كانت أعراض لأخطر أوبئة العصر الحديث، أحكم قبضته على البشرية من دون أمد محدد لتحررها، متجاوزاً بعداد إصاباته الـ55 مليون شخص، ونحو مليون و300 ألف وفاة في عامه الأول على مستوى العالم.
"شعرت بالتعب قليلاً، لكن ليس مثل تعب السنوات السابقة؛ إذ إنني كل شتاء أعاني دائماً الأنفلونزا، لذا ظننت أنها عوارض الزكام"، قالت وي ويكسيان، البالغة من العمر 55 عاماً، والمعروفة بـ"الحالة صفر" حاملة وباء "كوفيد-19"، لمجلة "ذا بيبر" الصينية. جاء ذلك في حين كانت الإنسانية قد دخلت "حالة عدم اليقين"، وأصبحت في مواجهة "عدو غير مرئي" أجبر أكثر من ثلثي سكان الأرض على "حجر صحي إجباري"، كان الأكبر في التاريخ بحسب تقديرات المعنيين، بينما بقي "حساب الخسائر والتداعيات" اقتصادياً لجائحة فيروس كورونا غير محسوب بدقة، فـ"غبار معركة الوباء"، وفق توصيف العسكريين لميادين القتال، لم ينقشع بعد، على الرغم من إتمام الوباء عامه الأول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين 17 نوفمبر الماضي "تاريخ إبلاغ السلطات الصينية عن وجود حالات التهاب رئوي غير معروف سببها"، وفي ذكراها الأولى، كان لا بد من تقصي حكاية الوباء، والغموض الذي لا يزال يلازم طبيعته، وجهود الشركات والمختبرات في البحث عن لقاح، أمام تسارع وتيرة تفشي "موجته الثانية"، مصيباً أكثر من 54.493.680 شخصاً، توفي منهم ما يفوق المليون و300 ألف حالة وفق التقديرات الرسمية، حيث احتلت صدارتها الولايات المتحدة كأكثر البلدان تضرراً من حيث عدد الوفيات والإصابات، تلتها البرازيل، ثم الهند، والمكسيك، وبريطانيا، بملايين الإصابات وعشرات الآلاف من الوفيات، في حين أحصت الصين (من دون احتساب ماكاو وهونغ كونغ) رسمياً 4634 وفاة من أصل 86346 إصابة فقط. وذلك بعد أن كانت أولى إصابات كورونا خارج الصين قد سجلت في 13 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، بداية من تايلاند لتتبعها حالات أخرى في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وتمضي الساعات و"يسقط العالم في أسر كورونا".
حكاية "الحالة صفر"
في الوقت الذي كان العالم يحبس فيه أنفاسه، على وقع إعلان منظمة الصحة العالمية في الثامن من يناير أن نوعاً جديداً من فيروس كورونا، قد يكون مصدر وباء مجهول ظهر في الصين، في ديسمبر (كانون الأول) 2019، كانت المختبرات الصحية والسلطات الصينية تبحث في مصدر "الوباء" وكيفية وأسباب انتقاله بين البشر.
ووفق البيانات الحكومية الصينية، كانت أول حالة إصابة بـ"كوفيد-19" تعود إلى النصف الثاني من نوفمبر 2019، وتحديداً يوم 17 من هذا الشهر حين الإبلاغ عن الحالة الأولى، في حين لم يكن يدرك الأطباء حينها أنهم يتعاملون مع مرض جديد، وذلك حتى أواخر ديسمبر الماضي.
وبحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في مايو (أيار) الماضي، عما قالت إنه نقلاً عن وثائق حكومية صينية، كانت أول من حمل المرض وثبتت إصابته بالفيروس الجديد هي بائعة القريدس في سوق ووهان، هي وي ويكسيان، وبدأت تشعر بأعراضه في العاشر من ديسمبر، قبل أن تصبح لاحقاً ضمن عشرات العاملين في السوق الذين تم تشخيص إصابتهم بالفيروس.
وقالت الصحيفة إن ويكسيان التي توصف بأنها "المريضة صفر"، أي أول حالة إصابة بالفيروس، لم تدرك في بداية إصابتها بالأعراض أنه نوع جديد من الفيروسات، بل اعتقدت أنه "أنفلونزا موسمية"، وبدأت في تناول الدواء المعتاد وواصلت عملها. وقالت المرأة لمجلة "ذا بيبر" الصينية، "شعرت بالتعب قليلاً، لكن ليس مثل تعب السنوات السابقة فكل شتاء أعاني الأنفلونزا، لذا ظننت أنها الأنفلونزا".
ولكن بعد نحو أسبوع من إصابتها، كانت وي فاقدة الوعي تقريباً على سرير مستشفى. وبالفعل تلقت علاجاً، وخضعت لحجر صحي، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر، اللذين شهدا تفشياً الفيروس، وفق "وول ستريت جورنال"، موضحة أن البائعين الذين عملوا حولها، وكذلك إحدى بناتها وابنة أختها وزوج الأخيرة، أصيبوا جميعاً بالمرض، مشيرة إلى أنها ربما أصيبت بالفيروس في مرحاض تشاركه مع البائعين الآخرين في السوق.
وفي إفادة سابقة أواخر العام الماضي، للجنة الصحة في ووهان، خلال شهر ديسمبر الماضي، ظهرت مجموعة مؤلفة من 28 شخصاً في أول قائمة للمصابين بالتهاب رئوي غامض (24 منهم كانوا على تواصل طويل الأمد بسوق ووهان للمنتجات البحرية، في حين أن أربعة منهم كانوا من أسرة واحدة)، لم يعرف سبب تطوره السريع، ولم تكن حينها أدلة واضحة على انتقال المرض من شخص إلى آخر.
وعن انتقاله من الحالة الأولى، ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية، ما قالت إنه خلاصة لأبحاث مجموعة من العلماء الصينيين حول الحالة الأولى للمرض، إن بائعة القريدس، التي لم تدرك حملها للفيروس الجديد، حين ارتفعت درجة حرارتها، ذهبت إلى عيادة طبية في الطبقة الأولى من المبنى الذي تسكنه، والذي كان قريباً من سوق ووهان، مضيفة "على الرغم من عدم ظهور نتائج سريعة كما المعتاد بعد حقنها بإحدى حقن الأنفلونزا، فإنها واصلت عملها واختلاطها بمرتادي السوق الشهير، وظلت تعاني تفاقم الأعراض حتى لجأت في 16 ديسمبر إلى مستشفى ووهان يونيون التابع لجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا".
وأضافت الصحيفة، منذ 17 نوفمبر، جرى تسجيل بين حالة واحدة وخمس حالات جديدة بشكل يومي، وفي 20 ديسمبر كانت حصيلة المصابين المؤكدة قد بلغت 60 حالة إصابة، موضحة أن الباحثين الصينيين يرجحون أن العدوى الفيروسية ربما نشأت من الاتصال بالحيوانات، وعلى الأرجح الخفافيش في سوق ووهان، قبل أن تبدأ في الانتشار من شخص لآخر. ووفق البيانات الصينية الرسمية، فإن عدد الإصابات بالفيروس حتى 31 ديسمبر 2019 بلغ 226 حالة إصابة.
وأثبتت أعمال الباحثين في معهد دراسة الفيروسات في ووهان أن تسلسل جينات فيروس كورونا المستجد مشابه بنسبة 80 في المئة، لتسلسل جينات السارس الذي تسبب بوباء أيضاً في عامي 2002 و2003، وبنسبة 96 في المئة لتسلسل جينات فيروس كورونا الموجود عند الخفافيش. وفي حين يتفق غالبية الباحثين على القول إن فيروس كورونا المستجد، نشأ على الأرجح لدى الخفافيش، لكن العلماء يعتقدون أنه مر عبر فصيل آخر من الحيوانات لا يزال مجهولاً قبل أن ينتقل إلى الإنسان.
في الأثناء، وبينما كان الوباء يواصل تفشيه في سوق ووهان متجاوزاً مقاطعة هوبي إلى عموم الصين، كانت السلطات الصينية تقمع التقارير حول انتشار نوع جديد من الفيروسات لم تعرف أسبابه أو سبل علاجه، وفق ما كشفت عنه لاحقاً تقارير غربية، وردده زعماء دول أبرزهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، محملاً بكين المسؤولية الأولى لانتشار "كوفيد-19". ووفق غرو هارلم برونتلاند، المديرة السابقة لمنظمة الصحة العالمية ورئيسة الوزراء النرويجية السابقة، فإن بكين تأخرت في تقديم المعلومات اللازمة للمنظمة عندما ظهرت أولى حالات الإصابة، إذ امتنعت في البداية عن تحديد إطار زمني لانتشار الفيروس خارج الصين.
قطار كورونا يسرع في "موجته الثانية"
بعد أن خفف العالم تدريجياً من "إجراءات العزل والحجر العام"، منتصف العام الحالي، نتيجة قرار يقضي بضرورة التعايش مع الوباء الذي لم تستثنِ تداعياته وآثاره السلبية قطاعات الحياة المختلفة من اجتياحها، سرعان ما عاد "شبح كورونا" يخيم على عواصم الدول بالتزامن مع موجة تفشيه الثانية، التي اعتبرت منظمة الصحة العالمية أنها "قد تكون أخطر وأشد قسوة"، وذلك على الرغم من الآمال التي أثارتها بعض الشركات العالمية مثل "فايزر" الأميركية و"بيونتك" الألمانية، وأخيراً "موديرنا" الأميركية بشأن نتائج لقاحاتها الجديدة، والتي من غير المتوقع لها التوافر قبل منتصف العالم المقبل.
وخلال العالم الماضي، مر الوباء الجديد بمحطات عدة، منذ إعلان منظمة الصحة العالمية في الثامن من يناير أن نوعاً جديداً من فيروس كورونا، قد يكون مصدر وباء مجهول ظهر في الصين، في ديسمبر، ووفق الترتيب الزمني لتطور الأحداث، كما يظهر موقع منظمة الصحة العالمية، كانت أولى حالات الوفاة في العالم جراء الوباء قد سجلت في الصين في الحادي عشر من يناير، وذلك قبل يومين من تسجيل أولى الإصابات خارج الصين الكبرى في تايلاند في الثالث عشر من الشهر ذاته، تبعها بساعات إعلان أولى الإصابات في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بينما كانت أولى الإصابات على المستوى الأوروبي قد سجلتها فرنسا في 24 من يناير.
وبعد أيام قليلة، أعلنت السلطات الصينية عزلاً كاملاً لمقاطعة هوباي (وسط)، وتشديد الإجراءات الوقائية في 25 يناير، وذلك قبل ثلاثة أيام من تأكيد نقل العدوى بشكل مباشر خارج الصين، في اليابان وألمانيا، وبدء إعلان دول عدة إجلاء رعاياها من الصين.
ومع مرور الأيام الأولى لظهور الوباء خارج الصين، أعلنت منظمة الصحة العالمية، التي وجهت إليها انتقادات لمماطلتها، في 30 يناير، حالة الطوارئ الدولية، من دون اعتبار أن الحد من الرحلات والتبادلات مع الصين أمر ضروري. وفي الثاني من فبراير (شباط)، سجلت أول وفاة خارج الصين في الفلبين، وهو صيني من ووهان. وفي السابع من الشهر نفسه، حذرت منظمة الصحة العالمية أن العالم يواجه نقصاً مزمناً في معدات الوقاية، وفي 14 فبراير أيضاً، توفي مواطن صيني في فرنسا، وهي أول وفاة خارج آسيا.
وفي هذه الأثناء أعربت شركات كبيرة عالمية عن خشيتها من تأثير كبير في نشاطها ونتائجها، وألغي عدد كبير من المعارض الدولية والمباريات الرياضية والاحتفالات. وبدأ تعليق الرحلات إلى الصين، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه الوباء التفشي بسرعة كبيرة في إيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران.
وفي 25 فبراير، تحدثت منظمة الصحة العالمية عن خطر وباء عالمي. وفي اليوم التالي، تخطى عدد الإصابات الجديدة في العالم العدد بالصين. ليسجل العالم أول 100 ألف إصابة في السادس من مارس (آذار).
وبينما بدأت أولى مؤشرات القلق تدب في أرجاء العالم مع تسارع تفشي الوباء في كل من إيطاليا وإيران وإسبانيا، وبداية عزل مناطق ومقاطعاتها بكاملها عن باقي الأراضي الوطنية، في محاولة لاحتواء "كوفيد 19"، وذلك في إجراءات توسع نطاقها بسرعة ليشمل كل أرجاء البلاد، تحركت المنظمة لبحث ما إذا كان الوباء تخطى الحدود الإقليمية للعالمية، لتعلن في النهاية في الحادي عشر من مارس أن "كوفيد-19 وباء عالمي". وبعدها بدأت الولايات المتحدة الأميركية، الدولة التي سجلت فيها أول وفاة بـ"كوفيد-19" مطلع فبراير، التي باتت الأكثر تضرراً من حيث عدد الوفيات والإصابات، إغلاق حدودها تدريجياً أمام نحو 30 دولة، وأعلنت حكومات ومصارف مركزية عدة إجراءات هائلة لدعم الاقتصاد.
وفي 13 مارس أعلنت الصحة العالمية أن أوروبا باتت "بؤرة" للوباء، وهو ما تبعه إجراءات مشددة في عديد من بلدان القارة العجوز، إذ فرض العزل الإلزامي في إسبانيا (14 مارس)، وفرنسا (17 من الشهر نفسه)، وأوصت دول أوروبية أخرى أولاً بـ"البقاء في المنازل"، وتخفيف الاحتكاك بالآخرين. وقلصت شركات الطيران بشكل كبير رحلاتها، وأغلقت دول كثيرة حدودها.
ومع تجاوز الإصابات عتبة الـ100 ألف الثانية عالميا في 18 مارس، وبداية دخول ثلثي البشرية "قفص الحجر الإجباري"، تصاعد القلق الاقتصادي دولياً، وبدأت التحذيرات من تداعيات "كوفيد-19" التي قد تتجاوز حينها بأكثر التقديرات تفاؤلاً، ركوداً أسوأ من ذاك الذي حدث بعد الأزمة المالية عام 2008، حسب توصيف صندوق النقد الدولي في 23 مارس الماضي.
وفي أواخر الشهر ذاته، بدأت منظمة الصحة تكثيف تحذيراتها من الوباء، في الوقت الذي وقف فيه العلم عاجزاً أمام "فك طلاسمه"، متوقعة انتقال بؤرة الوباء من أوروبا إلى الولايات المتحدة، حيث تزايدت أعداد الإصابات بشكل كبير، ثم حذرت في 25 مارس، من أن تفشي الوباء العالمي "يهدد البشرية بأسرها". حينها بدأ العالم يدخل مرحلة "مليونية الإصابات"، إذ تخطى في الثاني من أبريل (نيسان) عدد الإصابات المسجلة رسمياً عتبة المليون، وبات نصف سكان العالم معزولين.
ومن المليون الأول في تعداد الإصابات إلى المليون الثاني (في 15 أبريل)، ثم المليون الثالث (28 أبريل)، بدت غالبية دول العالم في شهري أبريل ومايو خاوية على عروشها، شوارع مكفهرة، ومقاهٍ ونوادٍ صامتة، وبيوت يأبى قاطنوها الاستسلام لوطأة الوباء، على وقع تعالي نداءات "الزموا منازلكم"، و"أغلقوا كل شيء"، لمنع التواصل والتجمعات التي تشجع انتقال الفيروس، بينما كانت المختبرات والمعامل تزداد حيرتها وعجزها أمام فك طلاسم "الزائر الخفي ثقيل الظل على البشرية".
وعلى وقع الخسائر الاقتصادية "غير المسبوقة"، التي قال بشأنها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في دراسة تحليلية، إن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول، وستخفض النمو السنوي العالمي إلى أقل من اثنين في المئة، ما قد يكلف نحو تريليون دولار، ودخول الاقتصاد العالمي عتبة الركود، بدأت حسابات الدول تتبدى في إمكانية الموازنة بين الحماية من المرض والحفاظ على الاقتصاد.
ففي أوائل مايو بدأت أوروبا تخطو بحذر نحو التحرر التدريجي "المشروط" من قيود الوباء، التي سرعان ما تبعها بلدان أخرى حول العالم، بينما كان عداد كورونا يواصل حصد ضحاياه، مسجلاً في 15 الشهر ذاته أكثر من 4.5 مليون إصابة. وبينما بدا العالم أكثر تحرراً من القيود التي فرضتها السلطات الوطنية لمواجهة الوباء في يونيو، اقترب تعداد الإصابات من حاجز الـ10.5 مليون إصابة وأكثر من 505 آلاف وفاة، في آخر أيام الشهر.
وعلى الرغم من إقرار الدول نفسها والمنظمات المعنية أن الأرقام المسجلة لا تعكس إلا جزءاً من العدد الحقيقي، إذ إن دولاً عدة لا تجري فحوصاً إلا للحالات الأكثر خطورة، بينما تعطي دول أخرى أولوية في إجراء الفحوص لتتبع مخالطي المصابين، ويملك عدد من الدول الفقيرة إمكانات فحص محدودة، بدأ عديد من الحكومات تعود إدراجها نحو الإجراءات الاحترازية مجدداً مشددة إجراءات العزل العام، لمواجهة الموجة الثانية من تفشي كورونا، الذي تسبب وفق أحدث الإحصاءات الرسمية من السلطات الوطنية المختصة، واستناداً إلى معلومات نشرتها منظمة الصحة العالمية، في ا16 نوفمبر بوفاة 1.319.561 في العالم وإصابة أكثر من 54.493.680 آخرين، تعافى منهم 34.839.400 على الأقل.
ومثل الموجة الأولى، بقيت الولايات المتحدة هي أكثر البلدان تضرراً من حيث عدد الوفيات والإصابات مع تسجيلها 246.224 وفاة من 11.038.312 إصابة، بحسب تعداد جامعة "جونز هوبكنز"، تلتها البرازيل التي سجلت 165.798 وفاة من أصل 5.863.093 إصابة، ثم الهند مع 130.070 وفاة (8.845.127 إصابة) والمكسيك مع 98542 وفاة (1.006.522 إصابة)، وبريطانيا مع 51934 وفاة (1.369.318 إصابة). وجاءت بلجيكا الدولة التي تسجل أكبر عدد من الوفيات نسبة لعدد سكانها مع 124 وفاة لكل 100 ألف نسمة، تليها البيرو (107)، وإسبانيا (87)، والأرجنتين (78)، بينما أحصت الصين رسمياً حتى اليوم (من دون احتساب ماكاو وهونغ كونغ) 4634 وفاة من أصل 86346 إصابة في حين تعافى 81319 شخصاً.
الوباء يضع "الصحة العالمية" في قفص الاتهام
على مدار الأشهر الأولى من عمر الوباء، قبعت منظمة الصحة العالمية، تلك المرجعية الدولية الوحيدة لسكان الأرض في مجال الصحة، في "قفص الاتهام"، أمام سيل من الانتقادات والاتهامات التي طالتها بسبب سياساتها التي وصفها البعض بـ"التضارب والتسييس" للتعاطي مع "كوفيد-19". فمن اتهامات دولية بتسييس الأزمة الصحية و"تحيزها للصين"، قادتها الولايات المتحدة ورئيسها المنتهية ولايته دونالد ترمب، مروراً بالبدايات الأولى للتعاطي مع الوباء والتوجهات المتضاربة بشأن ارتداء الكمامات الواقية، وطرق انتقال العدوى، والمعلومات غير الدقيقة حول التجارب الجارية على الأدوية المحتملة، وصولاً إلى اتخاذ خطوات متأخرة، وتوجيه رسائل متناقضة، اعتبر مراقبون أن منظمة الصحة الدولية الوحيدة في العالم والتابعة للأمم المتحدة تمر حالياً بـ"أصعب فتراتها" منذ تأسيسها عام 1948.
ووفق رصد سابق، انحنت منظمة الصحة العالمية أمام "غموض الزائر الخفي" وقلة المعلومات المتاحة في أسابيع تفشيه الأولى، إذ تبدلت تصريحاتها ونصائحها الصحية في أكثر من مناسبة، كما تناقضت المعلومات وتضاربت البيانات في رسائلها الصحية المتواصلة، ما دفع البعض للبحث في مستقبل المنظمة الوحيدة، ما بعد الأزمة، لا سيما مع تشدد الإدارة الأميركية في مواقفها تجاهها وانسحابها منها في مايو وقطع التمويل الذي يمثل نحو 15 في المئة من إجمالي التمويل الكلي. في المقابل، كان رد منظمة الصحة العالمية، وفق ما كرره مسؤولوها وعلى رأسهم مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في أكثر من مناسبة، بأنها "تعمل دائماً وفق المعطيات والمعلومات التي يتم تأكيدها من جانب العلماء"، موضحين أن "المنظمة تكشف يومياً عن معلومات علمية جديدة حول كورونا، وتقوم باستمرار بتحديث المعلومات المتعلقة بالوباء".
ولعل أبرز "التناقضات" التي وقعت فيها المنظمة كانت فيما يتعلق بأزمتي ارتداء الكمامات وانتقال العدوى، إذ إنه وقبل أن تتوصل منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الدولية إلى أن ارتداء الكمامات الواقية واستخدام المطهرات والحفاظ على النظافة الشخصية هي "أنجع السبل" لمواجهة شبح كورونا، وقعت في فخ "تضارب التصريحات" بشأن ارتداء الكمامات، إذ صدرت أولى دعواتها للأشخاص غير المصابين بعدم ارتداء الكمامة الواقية، وذلك في الأيام الأولى لتفشي الوباء. أما فيما يتعلق بانتقال العدوى، تضاربت تصريحات المنظمة بشأن انتقالها من شخص مصاب ولا تظهر عليه الأعراض، إذ إنه ومع بداية انتشار الفيروس، كتبت المنظمة عبر موقعها الرسمي، رداً على إمكانية التقاط عدوى "كوفيد-19" من شخص لا تظهر عليه أعراض المرض، بالقول إن "عدوى الفيروس تنتشر بالأساس من طريق القطيرات التنفسية التي يفرزها شخص يسعل أو لديه أعراض أخرى مثل الحمى أو التعب، ولكن العديد من الأشخاص المصابين بعدوى (كوفيد-19) لا تظهر عليهم سوى أعراض خفيفة جداً"، وأضافت "ينطبق ذلك بشكل خاص في المراحل الأولى من المرض، ويمكن بالفعل التقاط العدوى من شخص يعاني سعالاً خفيفاً ولا يشعر بالمرض".
ولاحقاً، تراجعت المنظمة عن موقفها، وأقرت بأن إمكانية انتقال العدوى من أشخاص حاملين للفيروس من دون ظهور أعراض عليهم "نادر جداً". وأرجعت حينها ماريا فان كيركوف، مديرة وحدة الأمراض الناشئة والأمراض حيوانية المنشأ في المنظمة، ذلك التضارب بالقول إنه "يجب أن نركز على المرضى الذين يظهرون أعراضاً، فإذا عزلنا هذه الحالات، ووضعنا المخالطين لهم في الحجر الصحي، يمكننا بالتأكيد الحد من انتقال الفيروس، ويحتاج الأمر إلى مزيد من البحث من أجل تأكيد الدور الذي تلعبه حالات الـ(لا أعراض) وحالات (ما قبل الأعراض) في نشر الوباء. وفي حال أن المعلومة تأكدت، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير في الآليات المتبعة من قبل الحكومات في مكافحة الفيروس".
أزمة أخرى، كان محورها استخدام عقار "هيدروكسي كلوروكين"، المستخدم في مكافحة الملاريا، ومدى فاعليته في مكافحة الفيروس، وذلك قبل أن تحسم منظمة الصحة العالمية من جانبها الموقف وتطالب بعدم اللجوء إليه لنتائجه السلبية على مرضى كورونا، فضلاً عن إعلانها في الثالث من يوليو (تموز) إنهاء التجارب على استخدام مزيج "هيدروكسي كلوروكين" و"ريتونافير" (خاص بعلاج مرضى نقص المناعة البشري الإيدز) في علاج مرضى "كوفيد-19"، بعد أن أثبت فشلاً في الحد من حصيلة الوفيات، وذلك إثر نشر دراسة في مجلة "ذي لانسيت" العلمية الواسعة الانتشار، تفيد بأن العقار غير مفيد للصحة ومضر عند استخدامه لمعالجة "كوفيد-19."
وفي سياق آخر، تصدرت الاتهامات التي قادها ترمب، للمنظمة بـ"تسييس المرض"، أبرز عناوين مسار "الصحة العالمية" في تعاطيها مع كورونا. فطوال الأشهر الأولى من العام الحالي، وجهت الإدارة الأميركية الاتهامات لمنظمة الصحة العالمية، معتبرة أنها "تواطأت مع الصين وانحازت إليها وتأخرت في اتخاذ خطوات جادة للتعاطي المبكر مع الفيروس"، معلنة في الوقت ذاته انسحابها من المنظمة في مايو وقطع تمويلها لها والبالغ نحو 15 في المئة.
وفي أكثر من مناسبة كرر ترمب اتهامه منظمة الصحة الدولية بـ"الفشل التام في طريقة تدبيرها للوباء لقربها من الصين"، فضلاً عن تمريرها "معلومات خاطئة" بشأن بكين وحول تفشي الفيروس و"تبني تصريحات الصين السياسية من دون انتقاد أو أخذ مسافة منها"، معتبراً أنه لو تصرفت المنظمة بشكل مختلف لتجنب العالم هذا العدد الضخم من الوفيات.
من جانبها، ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية، رداً على تلك الاتهامات، فإنها تقول "إنه فور معرفتها بالمؤشرات الأولى المتعلقة بالفيروس من ووهان (أي في الأول من يناير 2020) حركت جميع الآليات الداخلية، وأخبرت في الخامس من الشهر نفسه جميع الدول الأعضاء حول تفشيه. كما قالت إنها أشارت باستمرار إلى إمكانية انتقال العدوى من إنسان إلى آخر. وحتى 14 يناير لم تكن الأدلة الواضحة متوفرة، لكن المنتقدين يتحدثون عن "أسابيع مبكرة مفقودة" تمكن فيها الكثير من سكان ووهان المصابين من السفر ونشر الفيروس في الصين وبصفة غير مباشرة في العالم.
أمل "مؤجل" بلقاحات منتظرة
على الرغم من مرور نحو عام على الحالة الأولى المصابة بكورونا، ومع تسارع الجهود العالمية والدولية للبحث عن لقاح، لا يزال توافر العلاج النهائي للفيروس غير متوافر عملياً، على الرغم من إعلان بعض الشركات العالمية، وأبرزها "فايزر" الأميركية و"بيونتك" الألمانية، و"موديرنا" الأميركية بشأن نتائج لقاحاتها "الواعدة"، وقبلها موسكو وما أعلنته في شأن لقاحها "سبوتنيك في" الذي طوره معهد "غماليا" بالتعاون مع وزارة دفاعها.
ووفق ما تفيد به بيانات الصحة العالمية، فإنه يجري تطوير أكثر من 100 لقاح محتمل لـ"كوفيد-19" حول العالم، دخل 26 لقاحاً محتملاً في مرحلة التجارب السريرية (أي الاختبار على الإنسان) في أنحاء العالم كافة. وبين اللقاحات الـ26، دخلت ستة أواخر يوليو المرحلة الثالثة من التطوير.
وعن أحدث نتائج تلك اللقاحات، أعلنت شركة "موديرنا" الأميركية للتكنولوجيا الحيوية (الاثنين 16 نوفمبر) في بيان أن لقاحها التجريبي ضد "كوفيد-19" أظهر فاعليته بنسبة 94.5 في المئة لتقليص خطر التقاط المرض، بحسب نتائج مبكرة لاختبار سريري على أكثر من 30 ألف مشارك. وهو ما يعني أن خطر الإصابة تقلص بنسبة 94.5 في المئة بين مجموعة الأشخاص الذين تلقوا علاجاً وهمياً، ومجموعة المتطوعين الذي تلقوا اللقاح خلال التجربة السريرية واسعة النطاق التي تجري حالياً في الولايات المتحدة، بحسب تحليل أولى الحالات. وفي هذا السياق، أصيب 90 مشاركاً من مجموعة الأشخاص الذين تلقوا الدواء الوهمي بـ"كوفيد-19"، مقابل خمسة فحسب في المجموعة التي تلقت اللقاح.
وإذا ثبت مستوى الفاعلية هذا نفسه لدى السكان بصورة إجمالية، فسيكون هذا أحد اللقاحات الأكثر فاعليةً في العالم، شبيهاً باللقاح ضد الحصبة الفعال بنسبة 97 في المئة على جرعتين، وفق المراكز الأميركية للوقاية من الأمراض ومكافحتها.
وبحسب الرئيس التنفيذي لـ"موديرنا"، ستيفان بانسيل "إنها لحظة حاسمة في تطوير لقاحنا ضد (كوفيد-19)". وأضاف "أعطانا هذا التحليل المرحلي الإيجابي للمرحلة الثالثة من تجربتنا المؤشرات السريرية الأولى بأن لقاحنا قادر على منع الإصابة بـ(كوفيد-19)، بما في ذلك المرض الشديد". إلا أن هذه النتائج لم يتحقق منها علماء مستقلون. وشارك أكثر من 30 ألف شخص في المرحلة الثالثة من التجرية السريرية واسعة النطاق، التي بدأت في يوليو الماضي.
وقبل أيام من لقاح "موديرنا" المنتظر، كان إعلان شركتي "فايزر" الأميركية و"بيونتك" الألمانية، أن "فاعلية اللقاح المرتقب بنسبة 90 في المئة" على ما أظهرت النتائج الأولية للمرحلة الثالثة من التجربة السريرية الجارية (المحطة الأخيرة قبل الموافقة النهائية على اللقاح)، موضحين أن لقاحهما يؤخذ على جرعتين تفصل بينهما ثلاثة أسابيع، وهو ما أشادت به منظمة الصحة العالمية، معتبرة أنه "قد يغير مسار الوباء بشكل جذري".
وتوقع مدير عام شركة "بيونتك" الألمانية، أوغور شاهين، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، احتمال العودة إلى الحياة الطبيعية بحلول الشتاء المقبل، موضحاً أنه "إذا استمر كل شيء على ما يرام، فسنبدأ بتسليم اللقاح نهاية هذا العام". وأضاف "هدفنا هو تسليم أكثر من 300 مليون جرعة من اللقاح حتى أبريل من العام المقبل، ما سيتيح لنا البدء بإحداث تأثير ضد الفيروس".
إلى ذلك، وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تطوير بلاده "أول" لقاح ضد كورونا يعرف باسم "سبوتنيك في"، ويوفر "مناعة مستديمة" من الوباء، وذلك بعد أقل من شهرين على اختباره على بشر.
وعلى الرغم من تخوف علماء أجانب وقلقهم حيال سرعة تطوير مثل هذا اللقاح، ودعوة منظمة الصحة العالمية إلى احترام "الخطوط التوجيهية والإرشادات الواضحة" في ما يخص تطوير هذا النوع من المنتجات، أفاد السجل الوطني للأدوية، التابع لوزارة الصحة لوكالات الصحافة الروسية، بأنه من المرجح أن يطرح اللقاح الروسي للتداول في الأول من يناير 2021. وقالت مجموعة "سيستيما" الروسية إنها تتوقع بدء إنتاج اللقاح على نطاق واسع بحلول نهاية العام.
إلى ذلك، تتجه الأنظار كذلك إلى الصين، موطن الوباء، التي تختبر خمسة لقاحات مضادة للوباء، أظهر بعضها نتائج إيجابية في مراحله المتقدمة، لا سيما الذي تنتجه شركة "كانسينو بيولوغيكس" بالتعاون مع وحدة البحوث العسكرية الصينية. كما تخوض لقاحات "جونسون أند جونسون" ومجموعة "أسترازينيكا" للأدوية وشركة "نوفافاكس"، اختبارات المرحلة الثالثة للقاحاتها المرتقبة. وقالت "نوفافاكس" إنها تتوقع أن تبدأ المرحلة النهائية من التجارب في الولايات المتحدة نهاية هذا الشهر.