قبل يومين من الاجتماع الافتراضي لوزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي، الخميس والجمعة المقبلين، لمناقشة مستقبل الدفاع عن القارة، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور الثلاثاء، 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، إن أوروبا لن تكون قادرة على القيام بأعباء أمنها من دون مساعدة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لعقود مقبلة، رافضة دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى استقلال استراتيجي أوروبي.
وفي حديث إلى طلاب جامعة عسكرية ألمانية في هامبورغ، قالت كرامب كارينباور، "فكرة الاستقلال الاستراتيجي تذهب أبعد مما يلزم إذا غذّت وهم أننا نستطيع ضمان أمن أوروبا واستقلالها ورخائها من دون حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة".
وأضافت أن عقوداً ستمضي قبل أن تستطيع أوروبا بناء قوة عسكرية تقليدية ونووية تعوّض ما تسهم به الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أمن الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن.
فرصة جديدة مع بايدن
وخلال السنوات الأربع المنصرمة، انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستمرار الدول الأوروبية بسبب إنفاقها القليل جداً على الدفاع، ووصف الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الذين ينفقون أقل من اثنين في المئة من الناتج القومي على الدفاع، لا سيما ألمانيا، بأنهم "مقصّرون".
ومع انتهاء ولايته، قالت وزيرة الدفاع الألمانية إن الرئيس المنتخب الديمقراطي جو بايدن قد يعيد النظر في خطط أعلنها الرئيس الجمهوري خلال الصيف، لخفض عدد القوات الأميركية في ألمانيا بشكل كبير.
أضافت، "سمعنا من الديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية أنهم يهدفون إلى إعادة النظر في هذه الخطط باستفاضة شديدة"، وتابعت "على الأقل هناك فرصة لتغيير الخطط. وسنرى ما إذا كان هذا يعني سحب هذه الخطط تماماً أم مجرد تعديل أجزاء منها".
المساعي الفرنسية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، اعتبر الرئيس الفرنسي أن على الاتحاد الأوروبي الاستفادة من التغيير في الإدارة الأميركية لمواصلة السعي نحو استقلال استراتيجي أوروبي، وليس التراجع عنه. وقال ماكرون في مقابلة مع مجلة "لو غران كونتينان" الأحد، "لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء إلا إذا كنا جادين في موقفنا وكانت لنا السيادة على (شؤوننا) الدفاعية".
في المقابل، أكدت كرامب كارينباور أنه ينبغي على أوروبا أن تكون قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية في الخارج، في أفريقيا مثلاً، من دون مساعدة الولايات المتحدة. وقالت، "هذا أمر مختلف تماماً عن الاعتقاد بأن جيشاً أوروبياً، بغض النظر عن تركيبته، قادر على استبدال أميركا وإبقائها كلياً خارج أوروبا".
وتشنّ فرنسا حرباً في منطقة الساحل في شمال غربي أفريقيا منذ سنوات عدة، في عملية تراها للدفاع عن الجناح الجنوبي لأوروبا ضد التطرف. ولم تحقق باريس حتى الآن سوى نجاحا محدوداً في إقناع الدول الأوروبية الأخرى بالانضمام إلى العملية.
وفي اجتماعهم المرتقب عبر الهاتف يومي الخميس والجمعة المقبلين، سيتلقى وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي أول تقرير سنوي للتكتل عن القدرات الدفاعية المشتركة، وهو التقرير الذي من المتوقع أن يكون أساس جهد تقوده فرنسا في فترة ما بعد "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وما بعد ترمب لتحويل الاتحاد إلى قوة عسكرية قائمة بذاتها.
ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن بايدن لن يستمر في مواجهات سلفه الكلامية مع الحلفاء، لكنه لن يغيّر الرسالة الأميركية الأساسية القائلة إن أوروبا تحتاج للإسهام بنصيب أكبر في الدفاع عنها. وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، إن فوز بايدن "نداء لأوروبا للاستمرار في بناء دفاع مشترك عن الاتحاد الأوروبي، وأن تكون حليفاً مفيداً وقوياً أيضاً لحلف شمال الأطلسي".
تطوير القوة العسكرية للاتحاد الأوروبي
ويعمل الاتحاد الأوروبي منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017 على تطوير قوة عسكرية أكبر بشكل مستقل عن الولايات المتحدة. ووقفت فرنسا بالأساس وراء هذا الجهد، باعتبارها القوة العسكرية الكبيرة الوحيدة الباقية في الاتحاد بعد "بريكست".
في المقابل، اتجهت بريطانيا خلال عضويتها إلى مقاومة دور عسكري أكبر للاتحاد الأوروبي، مركزةً عوضاً عن ذلك على حلف شمال الأطلسي باعتباره المنتدى الرئيسي للدفاع الأوروبي. ويتيح خروج لندن فرصةً لباريس للضغط من أجل طموحات قديمة لاضطلاع التكتل بدور أكبر في الدفاع، وذلك في ظل وجود دعم أكثر حذراً من برلين.
وفي مقال مشترك لوسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، الاثنين، قال وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني إنهما يلتزمان "بجعل الشراكة العابرة للمحيط الأطلسي أكثر توازناً".
ويقول خبراء إنه في حين يعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل في مشروعات مشتركة وسيخصّص ثمانية مليارات يورو (9.46 مليار دولار) اعتباراً من العام المقبل لصندوق لتطوير الأسلحة، فإنه يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل ليكون له أي استقلال عسكري عن واشنطن.
وتثور خلافات كذلك بين فرنسا وألمانيا، في وقت ينظر إلى برلين باعتبارها أكثر تشاؤماً إزاء المبادرات خارج حلف شمال الأطلسي. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية إن الأوروبيين لا يمكنهم أن يأملوا في بديل لنظم الأسلحة النووية الدفاعية الأميركية.
ستولتنبرغ يحذّر من انسحاب متسرع من أفغانستان
وفي سياق منفصل، حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، الثلاثاء، من أن انسحاباً متسرّعاً للحلف من أفغانستان سيكون "ثمنه باهظاً جداً" مع خطر تحوّل هذا البلد "مجدداً إلى قاعدة للإرهابيين الدوليين"، وذلك بعد إعلان إدارة ترمب عزمها على سحب الجنود الأميركيين منه.
وقال ستولتنبرغ، "أفغانستان تواجه خطر التحوّل مجدداً إلى قاعدة للإرهابيين الدوليين الذين يخططون وينظمون هجمات في بلداننا ويمكن أن يعلن تنظيم "داعش" مجدداً في أفغانستان خلافة الرعب التي خسرها في سوريا والعراق".
وسبق أن أطلق ستولتنبرغ هذا التحذير أثناء اجتماع لوزراء دفاع الحلف في أواخر أكتوبر (تشرين الأول). وكرّر زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، الاثنين، حجج ستولتنبرغ، في تحذير لترمب أكد عزمه على خفض عديد القوات الأميركية في أفغانستان إلى 2500 جندي مطلع عام 2021، وتحدث في إحدى المرات عن رغبته بعودة كل الجنود من هذا البلد بحلول عيد الميلاد في 25 ديسمبر (كانون الأول).
"ذهبنا معاً ونغادر معاً"
وقال ستولتنبرغ إن "حلف الأطلسي ذهب إلى أفغانستان بعد هجوم ضد الولايات المتحدة لضمان أن هذا البلد لن يكون أبداً ملجأً للإرهابيين الدوليين. انضمّ مئات آلاف الجنود من أوروبا وغيرها إلى القوات الأميركية في أفغانستان، وأكثر من ألف دفعوا ثمن ذلك". وأوضح أنه "لدينا حالياً أقل من 12 ألف جندي من حلف الأطلسي في أفغانستان، أكثر من نصفهم قوات غير أميركية. حتى مع تخفيض أميركي جديد (لعديد الجنود)، سيواصل حلف الأطلسي مهمته تدريب القوات الأفغانية وتقديم المشورة لها ومساعدتها وقد تعهّد بتمويلها حتى عام 2024".
وتطرح الرغبة الأميركية في الانسحاب من هذا البلد بعد إبرام اتفاق مع حركة طالبان وتواصل أعمال العنف، مشكلات كبيرة بالنسبة للحلف. وحذّر ستولتنبرغ أثناء اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف، من أن "معضلةً ستُطرح في الأشهر المقبلة". ويكرّر الأمين العام لحلف الأطلسي في كل اجتماع قوله، "نحن ذهبنا معاً إلى أفغانستان. سنقدم معاً على تعديلات القوات وسنغادر معاً البلد".
وسيُناقش الموضوع أثناء اجتماع لوزراء خارجية دول الأطلسي يُعقد في الأول والثاني من ديسمبر.