اشتعل السباق الانتخابي للسيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي، بإعلان كلّ من الرئيس المنتخب جو بايدن والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب عزمهما السفر إلى ولاية جورجيا، الاثنين المقبل، للتأثير في الناخبين قبل يوم واحد من موعد إعادة الانتخابات على مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ. وبذلك ينضمّان إلى قادة جمهوريين وديمقراطيين شدوا الرحال إلى الولاية الجنوبية وسط معركة شرسة تستخدم فيها كل الأسلحة. ما جعلها على رأس اهتمام جميع الأميركيين، في وقت تشير استطلاعات الرأي إلى تقارب حظوظ المرشحين المتنافسين. فما خريطة المعركة الانتخابية؟ ولماذا تحظى بهذا الاهتمام الواسع بين الأميركيين الذين تبرعوا بأربعمئة مليون دولار لحسمها؟ وما تأثير النتيجة في سياسات بايدن المستقبلية؟
أهمية معركة جورجيا
منذ نهاية الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية، تحولت أنظار المجتمع السياسي إلى ولاية جورجيا، حيث ستحدد إعادة الانتخابات على مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ، والمقررة الثلاثاء المقبل، الحزب الذي سيسيطر على المجلس. فالنتيجة ستسفر إما عن تحول الغالبية في المجلس إلى الديمقراطيين، بالتالي منح الرئيس الجديد سلطة واسعة لتنفيذ أجندته السياسية واعتماد ترشيحاته للمناصب الوزارية والعليا بسهولة في مجلس الشيوخ، أو الإبقاء على سيطرة الجمهوريين الحالية بقيادة السيناتور ميتش ماكونيل. ما يسمح لهم بالتأثير وربما بعرقلة خطط بايدن وسياساته.
ولأن الجمهوريين استحوذوا بعد انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على 50 مقعداً من بين 100 مقعد في المجلس، بينما فاز الديمقراطيون بـ 48 مقعداً، يراهن الجمهوريون على الفوز بمقعد واحد فقط، بما يحقق لهم الغالبية والسيطرة على عملية اتخاذ القرار في المجلس. فيما يتطلب الأمر فوز الديمقراطيين بالمقعدين في جورجيا كي يتساووا مع الجمهوريين في عدد المقاعد 50- 50. وفي هذه الحالة فحسب، يحق لنائب الرئيس كمالا هاريس كسر التعادل في الأصوات بأن تدلي بصوتها بصفتها رئيس مجلس الشيوخ، لترجّح كفة الديمقراطيين بطبيعة الحال. وبهذا يتجنب بايدن أي عرقلة من الجمهوريين لمدة عامين على الأقل، حتى يحين موعد انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر 2022.
سباق رئاسي مُصَغّر
وحيث أن الرئيس المنتخب بايدن يحتاج إلى ترشيح قضاة فيدراليين بين حين وآخر، كما يحتاج إلى دعم مجلس الشيوخ لتمرير أجندته السياسية من مشاريع التحفيز الاقتصادية، وتحديث البنية التحتية وتدابير الرعاية الصحية، وسياسات الضرائب والإنفاق، فقد اتخذ سباق مجلس الشيوخ في جورجيا شكلاً تنافسياً غير مسبوق يشبه سمات السباق الرئاسي الذي انتهى قبل شهرين، وتبادل خلاله ترمب وبايدن أقذع الألفاظ وأقسى الاتهامات.
فقد وصف المرشحون الجمهوريون منافسيهم الديمقراطيين بعبارات متطرفة ووصفوهم بالاشتراكيين المتطرفين الذين يهددون حرية الأميركيين وحقوقهم وأنهم يريدون وقف تمويل الشرطة، وزيادة أعضاء المحكمة العليا، وإنفاق المليارات على مشاريع البيئة. وفي المقابل، اتهم المرشحون الديمقراطيون خصومهم الجمهوريين بالإثراء من منصبهم في المجلس والانتهازية والفساد وعدم الحرص على مصلحة المواطنين.
الأعلى تكلفة في التاريخ
ونظراً للأهمية البالغة التي يمثلها مجلس الشيوخ في إقرار القوانين واعتماد المرشحين الوزاريين وكبار المسؤولين، فضلاً عن التصديق على المعاهدات الدولية، تدفقت خلال الأسابيع الماضية ملايين من الدولارات على الحملات الانتخابية في الولاية لتمويل ماراثون من الدعاية السياسية، لدرجة أنها حطمت الأرقام المسجلة تاريخياً بالنسبة إلى انتخابات الإعادة، بل أصبحت واحدة من أغلى عشر حملات انتخابية تكلفة لأعضاء مجلس الشيوخ في التاريخ.
وسجل حجم التبرعات للحملات للمرشحين الأربعة من الحزبين، التي تدفقت بغزارة من داخل ولاية جورجيا وخارجها، قرابة 400 مليون دولار أميركي حتى الآن، وتزداد التبرعات والنفقات كلما تصاعدت جهود قادة الحزبين وجماعات المصالح لحسم هذه المعركة الفاصلة.
لماذا الإعادة
تجرى انتخابات الإعادة عندما لا يستوفي أي من المرشحين معايير الفوز، وهي بموجب قانون ولاية جورجيا، أن يحصل المرشح على غالبية الأصوات للفوز في الانتخابات، أي أكثر من 50 في المئة. وإذا لم يحقق أيّ من المتنافسين هذه النسبة، يدخل المرشحان اللذان حققا أعلى نسبة من الأصوات في جولة إعادة لتحديد الفائز.
ووفقاً لتقارير حكومية، فإن القانون الخاص بجولة الإعادة الذي أُقر في جورجيا خلال ستينيات القرن الماضي، كان وسيلة للحفاظ على سيطرة البيض على السلطة السياسية في ولاية ذات غالبية بيضاء. ومن ثم تقليل فرصة فوز السياسيين ذوي الأصول الأفريقية الذين يمكنهم بسهولة الفوز في سباق يشمل ثلاثة مرشحين أو أكثر. وهو ما يفسر فوز ديمقراطي واحد فقط في سبع جولات إعادة على مستوى الولاية، وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة "إنسايد إليكشن" غير الحزبية.
عام استثنائي
وفي حين لا تجرى عادةً انتخابات مجلس الشيوخ على مقعدين في الولاية نفسها في الوقت ذاته، فإن هذا العام كان استثنائياً بالنسبة إلى جورجيا. فبينما يخوض السيناتور الجمهوري ديفيد بيرديو سباقاً عادياً لإعادة انتخابه في المقعد الذي يشغله منذ عام 2014، فإن السيناتور الجمهورية كيلي لوفلر، التي عينها حاكم الولاية العام الماضي لخلافة السيناتور جوني إيساكسون بعد تقاعده لأسباب صحية، تخوض انتخابات خاصة لاستكمال ما تبقى من فترتها حتى عام 2022، لكن لوفلر وبيرديو اضطرا إلى خوض جولة الإعادة لأنهما لم يحصلا مع أي من منافسيهما على 50 في المئة على الأقل من الأصوات.
وعلى الرغم من أنه كان من الصعب تقليدياً على المرشحين إقناع الناخبين بالخروج للتصويت في انتخابات لا تتضمن منافسة رئاسية على بطاقة الاقتراع، خصوصاً مع استمرار جائحة فيروس كورونا، إلا أن التصويت المبكر والتصويت بالبريد الذي بدأ قبل 3 أسابيع من موعد الانتخابات في 5 يناير (كانون الثاني) شهد إقبالاً قوياً. فقد أدلى أكثر من 2.5 مليون ناخب بأصواتهم خصوصاً في مدينة أتلانتا وضواحيها الثرية بأصوات الديمقراطيين. ما يثير خشية الجمهوريين من التأثير في حظوظهم في الفوز بالانتخابات.
بايدن وترمب
ويخشى الجمهوريون من تكرار السيناريو الذي جعل بايدن يفوز بولاية جورجيا. وما يزيد من هذه المخاوف هو تدفق الناخبين على صناديق الاقتراع في التصويت المبكر. ما يشير إلى أن الديمقراطيين قد يتفوقون على الجمهوريين، كما دلت نتائج الانتخابات الرئاسية. ويعني ذلك أيضاً أن الجمهوريين قد يحتاجون إلى أداء هائل يوم الثلاثاء المقبل، إذا ما كانوا يريدون الفوز في سباقي الإعادة في الولاية واستمرار سيطرتهم على مجلس الشيوخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يدرك الجمهوريون أن التركيبة السكانية في ولاية جورجيا تغيرت نسبياً خلال السنوات الماضية، هم متفائلون حيال إمكانية تجنب سيناريو فوز بايدن بالتركيز على تحديات اللحظة الأخيرة، ومجموعة من الرسائل والاستراتيجيات التي قد ترفع من أسهمهم خلال اللحظات الحاسمة الأخيرة، خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأخيرة تساوى كفة جميع المتنافسين بالدرجة التي يصعب توقع نتائجها حتى الآن، ويُنتظر أن يدعم ترمب المرشحين الجمهوريين في اليوم السابق للانتخابات بتنظيم مسيرة انتخابية حاشدة في مدينة دالتون شمال غربي جورجيا، في مواجهة مسيرة أخرى سينظمها الرئيس المنتخب جو بايدن في مدينة أتلانتا.
ولا تقتصر جهود الديمقراطيين على بايدن، فمن المقرر أن تسبقه إلى مدينة سافانا في ولاية جورجيا نائبه هاريس التي تعد قوة مضاعفة للديمقراطيين، لكونها تمثل أحد كبار الديمقراطيين السود في مدينة يغلب عليها الأميركيون الأفارقة، لدعم المرشح الديمقراطي القس وارنوك، وهو أميركي أفريقي أيضاً ومن مواطني سافانا. وهي خطوة توضح كيف تبنى الديمقراطيون استراتيجية تبنّتها ستايسي أبرامز المرشحة السابقة للحزب لمنصب الحاكم، والتي تولي اهتماماً أوسع للناخبين من الأقليات في الولاية.
رسائل ترمب المفزعة
وما يثير قلق بعض الجمهوريين اختياره دالتون لتنظيم مسيرة انتخابية حاشدة. وهي مدينة تقع في منطقة فازت بها النائب المنتخبة لمجلس النواب مارغوري تايلور غرين، التي اشتهرت بتبني نظريات المؤامرة التي تروجها جماعة كيو آنون.
وما يزيد من مشاعر قلقهم هو استمرار ترمب في تكرار الادعاءات التي لا أساس لها، بأنه لم يخسر جورجيا سوى بسبب نظام تصويت مزور. وهو ما يرسل إشارات مربكة لأتباعه، وقد يدفعهم إلى البقاء في المنازل وعدم الإدلاء بأصواتهم يوم الانتخابات. بل إن ترمب طالب، في تغريدة له على "تويتر"، حاكم الولاية براين كيمب بالاستقالة، على الرغم من أنه جمهوري يمثل التيار المحافظ بقوة ومؤيد لترمب، لكنه رفض إلغاء نتائج انتخابات الولاية بدعوى التزوير التي يرددها الرئيس.
تغير التركيبة السكانية
وفيما يشغل الحزب الجمهوري حالياً غالبية المناصب السياسية على مستوى ولاية جورجيا، إضافة إلى استحواذه على الغالبية في كل من مجلسي الهيئة التشريعية للولاية، فإن خسارة ترمب الأخيرة بفارق 12 ألف صوت، سلطت الأضواء على أهمية التغيير الذي شهدته الخريطة السكانية للولاية خلال السنوات الماضية وتأثير ذلك في نتائج الانتخابات.
وتشير الإحصاءات السكانية إلى أن عدد سكان جورجيا يتزايد بمعدل سريع، يتجاوز ولاية ميشيغن، حيث ترتبط الزيادة السكانية بشكل مباشر بمنطقة أتلانتا التي تميل للتصويت لمصلحة الديمقراطيين، وتكون بذلك على خلاف ثقافي وسياسي مع بقية الولاية.
وجورجيا التي يُطلق عليها اسم ولاية الخوخ، شهدت خلال العقد الماضي زيادة في نسبة الأقليات بلغت 6 في المئة. وهي الآن واحدة من 13 ولاية فقط في الولايات المتحدة التي توجد فيها أقلية تتجاوز 40 في المئة من السكان، يشكل اللاتينيون (من أصول أميركا الجنوبية) الآن قرابة 9 في المئة من السكان، مقابل 31 في المئة من الأميركيين الأفارقة.
وتميل غالبية الأميركيين الأفارقة واللاتينيين إلى التصويت لمصلحة الديمقراطيين، بنسبة تراوح بين 75 و90 في المئة. إضافة إلى ميل الأكثر تعليماً من الشباب البيض إلى التصويت معهم لمصلحة الديمقراطيين. وهو ما جعل عدداً من الاستراتيجيين الجمهوريين يطالبون بضرورة الانتباه إلى التغيير السكاني وأهمية تغيير استراتيجية الجمهوريين لمخاطبة حاجيات هذه الفئات.
تأثيرات المستقبل
وفي خضم المناورات والتكتيكات الاستراتيجية بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، تبدو الطريقة التي تجري بها المعركة على انتخابات الكونغرس مؤثرة للغاية على خريطة المستقبل لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ليس على توازن القوى بينهما في واشنطن فحسب، بل ستقدم نتيجة الصراع مؤشرات أولية حول كيفية تعامل الطرفين مع المستقبل السياسي في مرحلة ما بعد ترمب. فالجمهوريون يحتاجون إلى عناصر وبرامج وقيادات مؤثرة تجذب الناخبين بعدما أثبت ترمب أنه حافز فريد من نوعه للقاعدة الجمهورية، ولم يجد الحزب بعد شخصية بارعة تماثله في زيادة نسبة المشاركة بين المحافظين البيض.
في المقابل، يأمل الديمقراطيون في إثبات أن نجاح بايدن في انتخابات نوفمبر الماضي لم يكن مصادفة، وأن الناخبين يريدون واقعياً أجندة ليبرالية قوية تجنبهم العرقلة التي يمكن أن يتبعها الجمهوريون في الكونغرس.