أشهر قليلة تفصل العراقيين عن موعد الانتخابات، الذي أعلنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في السادس من يونيو (حزيران) 2021، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة عن إمكانية أن تتحول انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 من الحراك الثوري إلى الفعل السياسي، والمعرقلات التي تحول دون ذلك.
وعلى الرغم من إعلان كثير من ناشطي الانتفاضة تشكيل حركات وأحزاب تحمل مطالب المحتجين، فإن تحديات كبرى تواجههم في ما يتعلق بجاهزيتها وإمكانية اشتراكها في الانتخابات المقبلة. وتعدد الكيانات رآه مراقبون "لا يعني بالضرورة الدخول في ماراثون الانتخابات". مرجعين فعّاليتها بشكل أكبر في "بلورة وتنظيم أشكال أخرى من الاحتجاج".
وبرز في الفترة الأخيرة كثير من الكيانات والأحزاب التي انبثقت من رحم الانتفاضة، تضم ناشطين على صلة بالاحتجاجات، أبرزها "حزب البيت الوطني"، و"الاتحاد العراقي للعمل والحقوق" و"حركة امتداد". وعن الأحزاب الجديدة والغاية من تدشينها وهل ستشارك في الاستحقاق المقبل أم لا؟ نرصده في التقرير التالي عبر آراء ناشطين وسياسيين.
ديمقراطية مشوهة
يقول الناشط حسين الغرابي، أحد مؤسسي "حزب البيت الوطني"، "تشكيل الحزب جاء كانتقالة باتت ضرورية من الاحتجاج إلى الفعل السياسي، إلا أن هذا الأمر ليس بالضرورة مرتبطاً بالانتخابات المبكرة". مشيراً إلى أن "الوارد الآن هو عدم الدخول في الانتخابات في ظل الوضع الحالي الذي لا ينبئ بظروف ديمقراطية حقيقية". مستدركاً "توافر الشروط المتعلقة بالانتخابات المبكرة هي التي ستحدد ملامح الحراك في المرحلة المقبلة من ناحية خوضها أم لا".
وعن الهدف من إنشاء الحزب، يضيف، "الديمقراطية في العراق مشوّهة وغير حقيقية، وهذا الأمر يمثل الدافع الرئيس بالنسبة إلينا للشروع إلى تشكيل الكيان". لافتاً إلى أن "الأحزاب الحالية إما ملك لشخصيات، وإما الغاية منها مالية بحتة".
ويواجه ناشطو الحراك الاحتجاجي في العراق كثيراً من العقبات التي تحول أمام تكوين أحزاب، على رأسها سلاح الميليشيات المنفلت والملاحقات الأمنية التي تطاولهم. وفي هذا الشأن يشير الغرابي إلى أن "المخاطر التي تواجه الجميع عديدة، بدأت منذ مارست قوى السلطة عمليات الاغتيال والاختطاف وتفجير البيوت". مشيراً إلى أن "كثيراً من المعتقلين في أحداث الناصرية الأخيرة عُذبوا من قبل القوات الأمنية للاعتراف بارتباطهم بالبيت الوطني، وهذا تضييق جديد على الناشطين، والمسؤول الأول والأخير عن ذلك الكاظمي".
اشتراك مشروط
ويبدو أن خيار مقاطعة الانتخابات بات يتزايد بين أوساط الانتفاضة العراقية، إذ تشعر القوى أنها لم تعد "خياراً ملائماً لإحداث التغيير". وفي المقابل تبدو القوى السياسية التقليدية "جاهزة" للدخول في التنافس، فتحضيراتها بدأت منذ فترة، لحصد أكبر عدد ممكن من الأصوات.
يقول رئيس اللجنة القانونية في الاتحاد العراقي للعمل والحقوق فؤاد العايدي، "خوض الانتخابات مرهون بمدى توافر البيئة الملائمة أمنياً، فضلاً عن ضمان شفافية الاستحقاق ونزاهته، وعدم تأثير المال الفاسد في النتائج". مضيفاً، "في ظل الظرف الحالي واستمرار الاستهدافات التي يتعرض لها الناشطون لا يمكن المجازفة بدخول الانتخابات".
وبشأن إمكانية توحد الحركات والأحزاب المنبثقة من الانتفاضة، يشير العايدي إلى أنه "على الرغم من وجود تفاهمات كبيرة بيننا في ما يتعلق بالرؤى والطروحات السياسية والنظرة إلى مستقبل البلاد، فإنه من المبكر الحديث عن اندماج القوى".
واجهات عدة للانتفاضة
ويرى مراقبون أن أحد أبرز الإشكالات التي تواجه قوى الانتفاضة يكمن في "تشظيها وتكوين كثير من الواجهات السياسية لها"، الأمر الذي ربما يمنح القوى التقليدية مساحة لاختراقها أو تكوين أحزاب تحمل مسمياتها، بينما هي بالأساس ترتبط بالقوى التقليدية.
يقول أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر، "الانتفاضة لا يمكن لها البقاء في دائرة العمل الاحتجاجي". مشدداً على أنه "لا بديل الآن سوى التحوّل من الحراك الثوري إلى الفعل السياسي. المطالب كانت سياسية بالأساس، ومن ثمّ صار الانتقال حتمياً".
ويشير العنبر إلى أن الإشكال الذي يواجه قوى الانتفاضة يتعلق بـ"تشتتها في مقابل قوى منظمة، الأمر الذي يعني عدم بلورة رؤية ناضجة من قبل الناشطين لآليات إدارة ما بعد الاحتجاج". لافتاً إلى أن التشظي "يرفع الحصانة عن قوى الانتفاضة، ويوفر مساحة ملائمة لنظيرتها التقليدية وبقية قوى النفوذ لاختراق الحراك وإنشاء عناوين مقاربة له أو استثماره لصالحها".
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تدمج قوى الانتفاضة تحت عنوان سياسي واحد. موضحاً "بدايات نشوئها لم تكن صحيحة، وباتت تعيد الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها الأحزاب الفاعلة. الانتفاضة لا تزال تدور في الحالة الثورية، ولا دلائل على نشوء مشاريع سياسية ناضجة ومتكاملة من القوى الرئيسة فيها"، مبيناً أن هذا الأمر "مثّل الإشكال الرئيس منذ الأيام الأولى لانطلاق الانتفاضة".
ويختم العنبر، "عدم إيفاء الكاظمي بالتزاماته إزاء الانتفاضة أحد الإشكالات الكبرى، خصوصاً ما يتعلق بضبط السلاح المنفلت ومحاسبة القتلة، الأمر الذي يعرقل إمكانية أن يقدم الشباب على صياغة مشاريع قوية ومنافسة". محذراً من أن "القطيعة ستكون حتمية بين الكاظمي وقوى تشرين في حال جرى تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر".
فعل سياسي غير انتخابي
وبينما يسلط الجميع الضوء على ماراثون الانتخابات، يعتقد مراقبون أن مساندة الحركات السياسية أفكار الاحتجاج بالعراق ربما يكون أكثر إقناعاً للطبقات التي شاركت في الانتفاضة من اشتراكها في الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرى الباحث والكاتب العراقي هشام الموزاني أن "الانتفاضة مثلت ذروة نضوج الاحتجاجات في العراق، إلا أن بلورة الحركات السياسية كان يجب أن تسبقها". موضحاً "خطوة تشكيل تيارات اجتماعية - سياسية كان يفترض أن تجرى بعد احتجاجات 2015، لكن تحالف الحزب الشيوعي مع التيار الصدري ضمن تحالف سائرون وأد تلك الفكرة".
ويضيف، "إنشاء تيارات سياسية من رحم الاحتجاجات أمر مجد في الفترة الحالية، ويجب على قوى الانتفاضة إخراج بديل سياسي مقنع للجمهور الناقم". لافتاً إلى أن "العراق يعيش ديمقراطية ناشئة، الأمر الذي يمثل بيئة خصبة لخروج أفكار جديدة، خصوصاً مع استمرار تعرض النظام السياسي إلى متغيرات عدة".
وبشأن جدوى اشتراك القوى القريبة من الانتفاضة في الانتخابات المقبلة، يقول الموزاني "تحوّل الانتفاضة من الفعل الثوري إلى الحراك السياسي لا يشترط دخولها في الانتخابات، خصوصاً مع عدم توافر الظروف الأمنية والسياسية التي تمكّنها من المنافسة"، مردفاً "بإمكان القوى أن تكون فاعلة اجتماعياً وتوفر مساحة لتنضيج أفكار الاحتجاج مستقبلاً".
ويعتقد أن "قوى السلطة الرئيسة تحاول الحفاظ على الصراع السياسي عند حدود ما قبل الاحتجاجات الأخيرة، ما يعني أن دخول الناشطين فاعلاً سياسياً يمثل خطراً كبيراً عليها، وهو الأمر الذي دفع كثيراً من الأحزاب ذات الأذرع المسلحة إلى استمرار استهداف الناشطين برغم تضاؤل الحراك". مبيناً "على رغم كل التحديات التي تواجه الشارع المنتفض فإنها لن تتمكن من منع نشوء تشكيلات سياسية جديدة".
ويلفت الموزاني إلى أن "وجود الفعل السياسي غير الانتخابي ربما يلبي طموح الجمهور المنتفض والغالبية الناقمة ويوجهها في سياق تنضيج حراكها الاحتجاجي، وقد يكون أجدى من إعلان مشروع انتخابي".
يبدو أن جدلية جدوى الاشتراك من عدمه في الانتخابات المقبلة لا تزال قائمة، إذ لم تحسم قوى الانتفاضة العراقية خياراتها النهائية في هذا الإطار، إلا أن المؤشرات لا تعطي انطباعاً بإمكانية حسم الملفات التي يطالب بها المحتجون قبل موعد الانتخابات.