تطوي الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد عالمي صفحة رئيس استثنائي غير تقليدي، ليعيد الديمقراطي جو بايدن الأكثر ثباتاً، بعض الهدوء إلى مسيرة عاصفة بالتغييرات أرساها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب.
من إعادة التفاوض على الاتفاقات التجارية، إلى الانسحاب من المنظمات الدولية والحروب التجارية إلى مواجهة كورونا، طبع ترمب بقراراته الأسواق المالية والاقتصاد الأميركي والعالمي.
وإذا كان الاقتصاد الأكثر تضرراً، فسوق الأسهم بخاصة خلال عام 2020 كانت الأكثر ربحية، ويتوقع أن تشهد الأسواق المزيد من المكاسب بعد الارتفاع المتقلب بنسبة 78 في المئة في مؤشر S&P 500 في عهد ترمب، إذ أضافت أسواق الأسهم 13 في المئة إضافية منذ فوز جو بايدن.
وتشير الأرقام إلى أن معدل النمو السنوي لمؤشر S&P 500 بلغ 13.8 في المئة منذ يوم تنصيب ترمب، وهو معدل النمو ذاته خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، ولكن خلف معدل نمو المؤشر خلال عهد كلينتون الذي بلغ 15.2 في المئة ، بدءًا من يوم تنصيبه.
ولا بد من التوقف أيضاً عند التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا على أسواق الأسهم. ففي الولايات المتحدة، تسبب الوباء في انخفاض مؤشر S&P 500 بنسبة 35 في المئة تقريباً قبل أن تساعد سياسة الاحتياطي الفيدرالي والتيسير المالي في دعم ارتفاع هائل لسوق الأسهم ومع توجه الولايات المتحدة إلى مزيد من التحفيز بحسب وعود بايدن والآمال في أن تؤدي اللقاحات إلى التعافي بعد الجائحة.
تصحيح ولكن أيضاً دعم مستمر
لا تزال عوامل دعم الأسواق قائمة بحسب الكاتب والمحلل في الأسواق المالية محمد العنقري، فالعالم يبدأ دورة اقتصادية جديدة بعد الجمود القسري خلال عام 2020 في وقت ما زالت حزم التحفيز تزداد كما تستمر الفائدة منخفضة في غالبية الدول ولمستويات قياسية. كل ذلك يدفع باتجاه توقعات متفائلة في ما خص الأسواق عموماً.
ولكن عند الدخول في تفاصيل حركة الأسواق، لا بد من ملاحظة التباين في ما بينها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمن المحتمل أن تشهد الأسواق الأميركية تصحيحاً بعد تولّي بايدن الرئاسة واعتماد حزم التحفيز الموعدوة كون التصحيح سيكون تقنياً أولا، وستتم إعادة توزيع المراكز ثانياً، إذ يتوقع أن يعود اهتمام المستثمرين إلى القطاعات التي تضررت من تداعيات الإقفال العام الماضي كون حزم التحفيز الجديدة المقدرة بحوالى 1.9 تريليون دولار، ستوجّه لانتشال هذه القطاعات والاقتصاد عموماً من الركود، كما أن التصحيح المنتظر قد يدعمه أي رفع للضرائب تقوم به إدارة بايدن على بعض القطاعات أو الفئات (خطوة تراها الأسواق حتمية) لتغطية جزء من حزم التحفيز.
نزوح السيولة إلى الأسواق بديلة
بالرغم من الإيجابية السائدة في الأسواق حالياً، إلا أن العنقري يتوقع أن تتجه السيولة في حال حدوث تصحيح متوقع بالأسواق الكبرى، إلى أسواق السلع أولاً ومن أهمها النفط الذي قد يتجاوز حاجز 60 دولاراً للبرميل خلال النصف الأول من هذا العام، بخاصة إذا تسارعت وتيرة توزيع اللقاحات.
ويضيف أن أسواق السلع قد تكون الأسواق الناشئة مستقبلاً رئيساً لسيولة المستثمرين نظراً إلى وجود فرص كبيرة فيها بعد أن تضخمت الأسواق الكبرى وحققت أرقاماً قياسية تاريخية.
ويتوقع العنقري أن يكون أداء الأسواق المالية والسلع جيداً ليس فقط خلال العام الحالي وإنما خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بناء على المعطيات الأساسية الحالية، فيما لن تتغير النظرة لهذه الاتجاهات إلا بتبدّل جذري في الأساسيات أو وقوع أحداث كبرى غير متوقعة.
التحفيز مستمر ومعه ارتفاع أسواق الأسهم
في المقابل، ستواجه حكومة جو بايدن بحسب مدير مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية في لندن طارق الرفاعي، المشكلات ذاتها التي واجهتها حكومة ترمب. فتداعيات انتشار فيروس كورونا دفعت إلى اللجوء لسياسات الدعم والتحفيز المباشر للأفراد والشركات.
والرئيس المنتهية ولايته، كان قد أقرّ رزماً تحفيزية مع تضرر العمل والشركات من الإقفالات المرتبطة بكوفيد-19، ولجأ الفيديرالي الأميركي إلى خفض الفائدة وشراء السندات والأصول للحفاظ على مستويات الأسعار وتجنيبها أي انهيار.
وكما ترمب، وعد بايدن بالاستمرار في سياسة التحفيز التي تصل إلى تريليوني دولار، وهي تجنّب حالياً الاقتصاد الأميركي من تسجيل انكماش مزدوج، فيما دخلت بالفعل الدول الأوروبية الكبرى التي أوقفت التيسير النقدي، بخاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في الركود المزدوج (Double dip).
ويرى الرفاعي أن سياسة التحفيز يجب أن تستمر إلى أبعد من الرزمة التي سيقرّها بايدن عند تولّيه إدراة البلاد وقد وافق عليها الكونغرس على اعتبار أن التعافي الاقتصادي سيكون بطيئاً ودعمه سيحتاج إلى المزيد من التحفيز.
والجديد في إدارة ترمب، التوجّه إلى التشدد في مكافحة الفيروس عبر فرض إغلاقات شاملة وقاسية كما في أوروبا، ما سيشكّل خطورة على أسواق المال، فإقفال جزئي للاقتصاد الأميركي يعني بحسب الرفاعي انكماشاً. لذلك تترقب الأسواق من بايدن الاستمرار بالتحفيز في المرحلة المقبلة لمواجهة الانكماش الاقتصادي المتوقع.
التصحيح لا بد منه ولو بعد حين
من جهة ثانية، سجّلت أسواق الدول الكبرى مستويات قياسية هي الأعلى في تاريخها، بخاصة في اليابان والولايات المتحدة وألمانيا.
فالتفاؤل المستمر لدى المستثمرين بحسب الرفاعي، لا بل الرهان المستمر على تدخل البنوك المركزية لدعم أي انخفاض يُسجّل في الأسواق عبر ضخ السيولة، يشكّل عاملاً مهماً في تغذية الارتفاعات في أسواق الأسهم خلال هذه المرحلة.
لكن، مع ارتفاع المؤشرات وتقييم الشركات، لا بد من التصحيح، وإن لم يكن عاجلاً فآجلاً. فالمرحلة المقبلة وإن غير قريبة، ستشهد تصحيحات كون السيولة الفائضة والتفاؤل العالمي من المستثمر، لا يمكن أن يستمرا بخاصة مع العودة التدريجية للدورة الاقتصادية الطبيعية في ظل تراجع تأثيرات فيروس كورونا وعدم القدرة على الاستمرار بضخ مزيد من السيولة في الأسواق.