تعهد الرئيس جو بايدن بلم شمل مئات العائلات المهاجرة التي فصلتها الحكومة عند الحدود الأميركية المكسيكية. وهكذا تسعى الإدارة الجديدة إلى تفكيك أساس أجندة دونالد ترمب المعادية للهجرة.
وقد شتتت أكثر من 5500 عائلة أتت طلباً للجوء خلال أربع سنوات من ولاية إدارة دونالد ترمب كجزء من سياسة أثارت إدانة عالمية وسرعان ما جرى التخلي عنها. لكن بعد مرور أكثر من سنتين، ما زال محامو الهجرة يبحثون عن أكثر من 600 أب وأم، بينما ظل 1400 آخرين ممن رحلوا من دون أطفالهم، سنوات مفصولين عن عائلاتهم في الدول التي هربوا منها بالأصل.
وقالت كارول آن دونوهو، المحامية المسؤولة عن مجموعة الدعم القانوني والإنساني "أل أوترو لادو" (Al Otro Lado) التي تقدم المساعدة لطالبي اللجوء واللاجئين والمبعدين وغيرهم من المهاجرين عند الحدود الجنوبية للبلاد، "في النهاية أُهملوا".
وشرحت لـ"اندبندنت" قائلة "إن الذين نعلم أنهم رحلوا، نحاول جمعهم بأطفالهم بعد الأذى الذي ألحقناه بهم. علينا ألا ننسى هذه المجموعة من الناس... فلنتذكر أن المئات من الأهل رحلوا ولم يروا أولادهم بعد".
من جهتها، ناشدت المجموعات المؤيدة للهجرة ومنظمات الحقوق المدنية، الإدارة الجديدة عدم الاكتفاء بإبطال الأجندة المناهضة للهجرة، التي تعرضت لنقد شديد في ظل إدارة ترمب، بل أيضاً الإقرار بالأذى الذي سببته الحكومة، ومنح العائلات المتضررة وضعاً قانونياً، وإنهاء المقاربة العدائية التي تنهجها الحكومة بشأن الهجرة.
وقالت السيدة دونوهو "لقد مارسنا العذاب على هذه العائلات، وعلينا تصحيح ذلك. وهذا يعني إحضار الأهل إلى هنا، وإعادة لم شمل العائلات، وإعطاءها وضعاً قانونياً- وليس فرصة الحصول على اللجوء والخوض في معارك قانونية رهيبة في المحاكم، وإضافة أزمة نفسية إلى تلك التي سبقت. يجب أن نعيدهم ونبذل كل ما في وسعنا لمنحهم فرصة التعافي والعيش بحرية في الولايات المتحدة، من دون خوف".
ويحاول محامو الهجرة والمجموعات القانونية أن يعثروا على العائلات التي رحلتها الإدارة السابقة، لجمع شملها مع أبنائها. لكن عشرات التغييرات التي قامت إدارة ترمب بإدخالها على السياسات الداخلية وطريقة تنفيذها، تستعمل كسلاح في إطار نظام هجرة عدائي يركز على الأفعال الإجرامية، كما يقولون.
وقد كشف تقرير أعده مفتش عام من وزارة العدل الأميركية أن "التركيز على زيادة معدلات مقاضاة" العائلات المهاجرة التي تعبر الحدود الجنوبية، "جاء على حساب التفكير الحريص والمناسب في آثار مقاضاة تلك العائلات وفصل الأطفال عن الأهل".
ووفقاً للتقرير، فقد عجزت إدارة ترمب عن ضبط تداعيات البرنامج الفوضوية، فيما كانت تعلم أنه سيؤدي إلى فصل العائلات عن بعضها البعض وسجن الأطفال.
واستناداً إلى تقرير آخر وضعته وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، فإن العديد من الأطفال الذين فصلوا عن عائلاتهم عند الحدود، بعد هروبهم من بلادهم وتحملهم مشقة رحلات خطيرة باتجاه الولايات المتحدة، قد عانوا من عوارض اضطراب وإجهاد ما بعد الصدمة ومشاكل صحية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهتها، أفادت مجموعة أطباء من أجل حقوق الإنسان في تقرير لها العام الماضي، أن طالبي اللجوء الذين قابلتهم المنظمة أظهروا "عوارض وسلوكاً عامة تظهر أنهم عانوا صدمات".
وقالت المجموعة "ظهر على معظمهم ما يتوافق مع معايير التشخيص السريري لأحد اضطرابات الصحة العقلية على الأقل، مثل الاضطراب النفسي الذي يصحب الصدمة، والاكتئاب الحاد، والقلق المرضي العام المرتبط على الأرجح بصدمة تشتيت شمل العائلة".
من جهتهم، أدان الأعضاء "الديمقراطيون" في لجنتي القضاء والرقابة، تصرف الإدارة السابقة "بفوضى وقسوة، وإهمالها المتهور لأطفال يعانون من هشاشة وضعهم، تحت وصاية بلادنا".
وقالت السيدة دونوهو لـ"اندبندنت" "نعلم كم كانت هذه القسوة متعمدة وندرك أكثر فأكثر التخطيط المسبق لهذه السياسة. لكننا ما زلنا نعمل ضمن هذا الإطار نفسه. حالياً، هذا هو الإطار الوحيد من أجل إعادة الأهل: إن مصيرهم بيد الحكومة التي سلبت منهم أطفالهم ورحلتهم... لا شك أن هذا أمر لا يمكن الدفاع عنه".
كما أخفت إدارة ترمب الأسماء ولم تفصح عن معلومات قد تساعد في العثور عليهم- فلم تكشف التفاصيل الإضافية عن هذه العائلات إلا في الأسابيع الأخيرة لعهد الإدارة السابقة، وفقاً لمحامي الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، لي غيليرنت.
وقام الرئيس بايدن رسمياً بإبطال سياسة "عدم التسامح" التي سادت خلال حقبة ترمب، وكانت تقضي بمحاكمة المهاجرين على خلفية "الدخول غير الشرعي" من الحدود الجنوبية، وأدت إلى فصل مئات العائلات وسجن مئات الأطفال في عام 2018.
ذلك العام، أفادت إدارة ترمب أن نحو 2700 طفل قد أبعدوا عن أهلهم بعد دخولهم إلى الولايات المتحدة خلال فترة تطبيق سياسة "عدم التسامح". لكن العام التالي، وجد التقرير الصادر عن مكتب المفتش العام في جهاز الصحة والخدمات الإنسانية، أن مئات آخرين من الأطفال قد أبعدوا كذلك عن أهلهم بموجب برنامج أولي لم يكشف عنه، طبق في إل باسو قبل عام من تفعيل سياسة "عدم التسامح".
وتعهد الرئيس بايدن بالتوقف عن وضع طالبي اللجوء ضمن إطار "بروتوكول حماية المهاجرين" الذي يعود إلى عهد ترمب- أو ما سُمي سياسة "ابقوا في المكسيك"- التي علق بسببها آلاف الأشخاص في مناطق قد تكون خطيرة في المكسيك، بينما ظلت طلباتهم جامدة في المحاكم الأميركية.
وتناشد مجموعة من الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس الرئيس أن يلتزم بإصلاح سياسة الهجرة بطريقة لا تبطل أجندة إدارة ترمب الصارمة فحسب، بل تتبع كذلك سلسلة من المبادئ التوجيهية الإنسانية للسياسات المستقبلية.
في هذا الإطار، أعدت النائبة الأميركية براميلا جايابال، رئيسة تجمع التقدميين، مقترحاً على شكل "خريطة طريق نحو الحرية"، بمساهمة مجموعة من محامي الهجرة. ويقدم المقترح "شرحاً توجيهياً وجريئاً وتقدمياً واستشرافياً لما يجب أن تكون عليه سياسات الهجرة الإنسانية"، كما قالت للصحافيين الشهر الماضي.
ويركز القرار الخماسي الذي أيدته أكثر من 60 مجموعة معنية بالحقوق المدنية والهجرة على وحدة العائلات وقدرة المهاجرين على الوصول إلى الخدمات الاجتماعية وتوفير الحماية للعاملين على الخطوط الأمامية وإنهاء عسكرة الشرطة داخل المجتمعات الحدودية وإيجاد بدائل للاعتقال والترحيل.
وأضافت أن "نظام الهجرة العنصري والمعادي للأجانب معطل منذ عقود. علينا أن نضع حداً لتجريم الهجرة والتخلي عن العائلات".
من جهة أحرى، أبطل الرئيس بايدن حظر دخول الولايات المتحدة مواطني الدول ذات الأغلبية المسلمة، كما أمر بتجميد بعض قضايا الترحيل وعلق بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، إضافة إلى اتخاذه خطوات أخرى تهدف إلى إلغاء السياسات التي سُنت في عهد ترمب.
كما جدد "الإجراءات المؤجلة للوافدين الأطفال" (داكا) وهو برنامج سعى إلى توفير وضع قانوني للأشخاص الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالاً- ويسمى برنامج "الحالمين". وكانت إدارة ترمب ألغته. كما طرح الرئيس بايدن على الكونغرس تشريعاً لإصلاح الهجرة على نطاق واسع، يمكنه أن يفتح طريق التجنيس أمام 11 مليون مهاجر.
وقد حث اتحاد الحريات المدنية الأميركي، إدارة بايدن على الالتزام بوضع حد لفصل العائلات والسماح بلم شمل تلك التي رحلت من الولايات المتحدة.
وقال غيليرنت من الاتحاد، إنه في ظل إدارة ترمب، أعطت الحكومة العائلات "خيارين قاسيين: إما البقاء منفصلين عن أطفالهم أو إعادة أطفالهم إلى الخطر نفسه الذي فروا منه في المقام الأول. وتستطيع إدارة بايدن أن (تفرج) عن هذه العائلات إفراجاً مشروطاً وتعيدهم إلى الولايات المتحدة وتسمح لهم بالاجتماع من جديد مع أبنائهم بأمان هنا".
وناشد أل أوترو لادو واتحاد الحريات المدنية الأميركي إدارة بايدن بتوفير حماية قانونية، وخدمات أساسية ورعاية صحية للعائلات العائدة.
وقالت السيدة دونوهو بهذا الخصوص، إن "هذه جريمة ضد الإنسانية. ماذا سيحل بنا إن لم نحاسب المسؤولين عنها أبداً؟ فبلدنا بحاجة لمحاسبة كل من ارتكبوا هذا الأذى".
© The Independent