قال مسؤول في صندوق النقد الدولي، إن منطقة الشرق الأوسط ستشهد تعافياً اقتصادياً متفاوتاً من جائحة كوفيد-19 إذ تتحرك بلدانها بوتيرة مختلفة لتدبير لقاحات مضادة للمرض، فضلاً عن اختلاف سبل التصدي للجائحة على صعيد السياسة المالية في أنحاء المنطقة. وأبرمت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقات ثنائية مع عدة شركات منتجة للقاحات، لكن البلدان الهشة المنكوبة بالصراعات ما زالت تعاني من محدودية قدرات الرعاية الصحية، حيث تعتمد على التغطية المحدودة التي توفرها آلية "كوفاكس" المصممة لضمان التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19 والتابعة لمنظمة الصحة العالمية، وهو ما قد يرجئ إتاحة اللقاحات على نطاق واسع إلى النصف الثاني من 2022.
سباق مستمر بين اللقاح والفيروس
وفي بيان أصدره الصندوق، قال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن "ما نراه اليوم لا يزال سباقاً بين اللقاح والفيروس، وهذا سيصوغ التعافي في 2021". وأضاف "سنشهد تعافياً بوجه عام، لكنه سيكون متبايناً ومتفاوتاً ومتقلباً". وأشار إلى أن تسريع حملات التطعيم قد يحسن توقعات النمو بنسبة بين 0.3 و0.4 في المئة.
وعدل صندوق النقد بالرفع من توقعاته للنمو في 2020 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب أداء أقوى من المتوقع للدول المصدرة للنفط وعدم مرور بعض البلدان بموجة ثانية من جائحة كورونا، الأمر الذي عزز النشاط الاقتصادي غير النفطي في هذه البلدان. وقال الصندوق، إن البلدان التي تحركت سريعاً لتقديم حزم تحفيزات في العام الماضي ستشهد تعافياً أفضل.
الاقتصاد السعودي ينمو 2.6 في المئة
وعلى صعيد الاقتصاد السعودي، فيتوقع صندوق النقد أن تحقق السعودية، أكبر اقتصاد عربي، نمواً 2.6 في المئة هذا العام مقارنة مع 3.1 في المئة في توقعات سابقة. وقال أزعور "من المهم في حالة السعودية الفصل بين القطاعين النفطي وغير النفطي".
وذكر أن القطاع غير النفطي سوف يتعافى على نحو أسرع و"نتوقع أن يصل إلى نمو بنسبة 3.5 في المئة هذا العام". وتابع "بالنسبة للقطاع النفطي، أدى قرار خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً إلى تعديل بالخفض في الاقتصاد النفطي"، مشيرا بذلك إلى قرار السعودية في الشهر الماضي بتطبيق خفض طوعي لإنتاج الخام.
ووفقاً لأحدث تقديرات للصندوق، ستحقق الإمارات نمواً في اقتصادها بنسبة 3.1 في المئة هذا العام. وتضررت قطاعات اقتصادية حيوية مثل السياحة والنقل في الإمارات بسبب الجائحة. ويرتفع هذا عن توقعات في أكتوبر (تشرين الأول) بنمو نسبته 1.3 في المئة بفضل أسلوب إدارة الموجة الثانية من الجائحة، وهو ما سمح بتعافي الاقتصاد.
وقال "أزعور"، إن "هناك أيضاً بالتأكيد التحسن الذي شهدناه في قطاع النفط، واستعادة أسعار النفط الآن للزخم الذي فقدته في 2020... أسهم هذا أيضاً في تحسين أوضاعها الاقتصادية". وأضاف أن الدفعة المتوقعة من استضافة دبي معرض "إكسبو" العالمي هذا العام تعتبر أيضاً أحد العوامل المساهمة.
الكويت وضرورة الاسراع في الاصلاحات
بالنسبة للكويت، قال صندوق النقد الدولي، إن الكويت بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات لتقليص اعتماد سياسات الحكومة على الارتفاع والانخفاض في أسعار النفط. وأوضح أزعور، أن "الكويت لديها مستوى مرتفع من المصدات، لكنهم بحاجة إلى تسريع الإصلاحات". وتضررت الكويت بشدة من انخفاض أسعار الخام وجائحة كوفيد-19.
وأعلنت الكويت عن خطط للتحول نحو ضبط الأوضاع المالية وتنويع مصادر إيراداتها، لكن أزعور قال، إنه يتعين على البلاد تسريع الإصلاحات بما يسمح لها "بالخفض التدريجي لاعتماد المالية العامة على أسعار النفط والسماح لها بأن تكون أقل مسايرة للتقلبات الدورية في سياساتها".
المخاطر ما زالت مرتفعة
وشدد "أزعور"، على أن المخاطر ما تزال مرتفعة، فتجدد الإصابات بالعدوى قد يؤخر تحقيق التعافي في حالة عدم توافر اللقاحات والحيز المتاح من السياسات، وقد تتسبب تحورات الفيروس الأخيرة في خلق المزيد من التحديات، فازدياد احتياجات الإنفاق قد يتسبب في تفاقم المخاوف بشأن استمرارية القدرة على تحمل الدين في العديد من البلدان، وبخاصة في حالة حدوث زيادة حادة في علاوات المخاطر العالمية أو ارتفاع أعلى من المتوقع في أسعار الفائدة العالمية ينتج عنهما تشديد أوضاع التمويل وازدياد مخاطر تمديد الديون، وأخيراً، قد يتسبب التأخر في توزيع اللقاحات أو سوء إدارته، إلى جانب ازدياد مواطن الخطر، في إشعال القلاقل الاجتماعية مجدداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن التعاون الدولي والإقليمي عامل أساسي في عالم يواجه تعافياً اقتصادياً غير متوازن فيه من يملكون اللقاح ومن لا يملكونه وسيضمن تعزيز الشفافية بشأن عقود اللقاحات إمكانية الحصول عليها على نحو متكافئ، ومن الضروري ضمان عدالة توفير اللقاحات للبلدان الأفقر والبلدان التي تعاني من أوضاع الهشاشة والصراع، فضلاً عن ضرورة تعزيز التمويل لآلية "كوفاكس"، ومن شأن التنسيق على المستوى الإقليمي أن يسهل إعادة توزيع اللقاحات الزائدة ممن تمكنوا من تأمين فائض منها (بما في ذلك من خلال طاقة الإنتاج المحلي) إلى من لا يملكون الإمدادات الكافية، وينبغي إعطاء الأولوية للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات للحيلولة دون وقوع مآس إنسانية أخرى.
وأضاف "بينما لا يزال هناك كثير مما ينبغي عمله للتصدي لهذه الأزمة الآنية، فلا بد للمنطقة أيضاً أن تتحرك بسرعة وبالتوازي بغية تحقيق تعاف اقتصادي لما بعد الجائحة يتسم بالصلابة والاستقرار ويكون أكثر احتواء للجميع، ويتطلب ذلك معالجة تأثير الأزمة غير المتوازن على سوق العمل وكبح تصاعد عدم المساواة فيه، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والتصدي لموروثات الأزمة، لا سيما فرط المديونية، ولتسريع وتيرة التعافي وتجنب مغبة الدخول في عقد ضائع، ينبغي البدء بالعمل الآن في تنفيذ الاستثمارات عالية الجودة في مشروعات البنية التحتية الخضراء والتحول الرقمي".
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي، الذي قدم تمويلاً ضخماً للمنطقة خلال العام الماضي بقيمة 17.3 مليار دولار، يقف على أهبة الاستعداد لمواصلة دعم البلدان على التصدي للأزمة والتحول نحو التعافي من خلال تقديم التمويل والمساعدة الفنية.