رفعت منظمات صحية بارزة في المملكة المتحدة الصوت منبّهة إلى المخاطر التي يتعرّض لها العاملون في الخطوط الأمامية ضمن مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" لمواجهة عدوى كوفيد، لأنهم مرغمون على استعمال معدات وقاية غير كفيلة بحمايتهم من التقاط فيروس كورونا.
وقد وجّه ائتلاف يضم أكثر من 20 هيئة صحية وعلمية رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني، تحضّه على التدخل وطلب مراجعة القواعد المطبقة في المملكة المتحدة في ما يتعلق بوقاية الأفراد من العدوى، كي يجري تزويد العاملين في المجال الصحي بأقنعة أفضل جودة وأكثر فاعلية.
وكذلك أشارت الهيئات الصحية والعلمية في رسالتها إلى أن بحثاً جديداً يُظهر أنه يجب اعتبار الفيروس من الأمراض المنتقلة عبر الهواء، والقواعد الراهنة ترتكز بشكل غير صحيح على مبدأ انتشار الفيروس عبر القطيرات والرذاذ.
وتفصيلاً، شملت تلك المنظمات "الكلية الملكية للتمريض" Royal College of Nursing و"الجمعية الطبية البريطانية" British Medical Association و"الجمعية الصيدلانية الملكية" Royal Pharmaceutical Society و"الكلية الملكية للقابلات" Royal College of Midwives. وقد ذكرت في رسالتها أن "الأدلة واضحة، وحياة الكثيرين ما زالت عرضة للخطر".
وبحسب الممارسة السائدة الآن، فإن معظم أجنحة المستشفيات العامة تمنح الممرضات والأطباء أقنعة عادية للوقاية، على الرغم من أن صحيفة "اندبندنت" كشفت في وقت سابق من هذا الشهر، عن أن بعض المستشفيات بدأت فعلاً تتحدى تلك الممارسة السائدة، من خلال توزيع أقنعة وقائية، عالية الجودة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الإطار، تشير بيانات هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" إلى أن أكثر من 35 ألف مريض أصيبوا على الأرجح بفيروس كورونا أثناء وجودهم في المستشفى، في الفترة الممتدة بين شهري أغسطس (آب) 2020 ويناير (كانون الثاني) 2021.
وعلى الرغم من النقص الذي جرى الإبلاغ عنه في معدات الوقاية الشخصية في بداية مرحلة تفشّي الوباء العام الماضي، إلا أن المملكة المتحدة تمكّنت من جمع مخزون كافٍ منها لمدة أربعة أشهر على الأقل. لكن، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أظهرت بيانات مصدرها "الجمعية الطبية البريطانية"، أن موظفة من كل خمس عاملات، أعربت عن قلقها من الإصابة بكورونا، وذلك بسبب المعدات غير المناسبة أو المؤاتية في توفير الحماية الكافية لهن. كذلك اشتكى بعض الموظفين من عدم تجهيزهم بالأقنعة في الشكل المطلوب.
في المقابل، يسود اعتقاد عام في البلاد بأن ما لا يقل عن 930 عاملاً في مجال الصحة والرعاية قد توفّوا بسبب عدوى كوفيد- 19، فيما يعاني كثيرون من هؤلاء الموظفين آثار طويلة الأمد نتيجة الإصابة بالمرض.
واستطراداً، رأت مجموعة الهيئات الصحية التي وجّهت تلك الرسالة، أنه يتعيّن على جونسون التدخّل بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة لأن "هيئة الصحة العامة في إنجلترا"Public Health England وهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" لا تقومان بما يكفي على هذا الصعيد.
واستكمالاً، ناشدت الرسالة رئيس الوزراء المساعدة في "منع وقوع مزيد من الخسائر في الأرواح"، منبّهةً إلى أن "العاملين في مجال الصحة والرعاية، معرّضون لخطر الإصابة والوفاة بسبب عدوى كوفيد- 19 أكثر من غيرهم من عامة الناس بما يتراوح بين ثلاث وأربع مرات".
وأضافت الرسالة، "على الرغم من ذلك، فإن التدابير الرامية إلى الحدّ من انتشار الفيروس عبر الهواء في أماكن الرعاية الصحية العالية الخطورة، والتي تُعدّ بالغة الأهمية في إطار مكافحة الوباء، لم تكن ناجعة حتى الآن".
وفي نفس مماثل، جزمت الرسالة بأنه "ليس هناك الآن شك علمي في أن الفيروس ينتشر من خلال الهواء". وقد رأت أن الإرشادات البريطانية الراهنة "لا تصوّر بدقّة مخاطر العدوى المنتقلة عبر الهواء، في جداولها المخصصة لقطاعات الرعاية الصحية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالعمل في منازل المرضى والمباني العامة".
وأضافت الهيئات الصحية والعلمية، "نظراً إلى الظهور السريع للمتحورات الجديدة المثيرة للقلق وتطورها، يتعيّن العمل بسرعة على إدخال التعديلات اللازمة في النهج المعتمد، من أجل حماية المرضى والموظفين بشكل مستمر، في مختلف أنحاء المملكة المتحدة".
وعلى ذلك النحو، طالبت تلك الهيئات بتغيير التوجيهات الرسمية وتزويد العاملين في رعاية المرضى الذين تأكدت إصابتهم بالعدوى أو المشتبه في التقاطهم المرض، بأقنعة وقاية أفضل جودة وأكثر فاعلية.
وكذلك تشير الرسالة إلى إنه يتوجّب تحسين التهوئة في مراكز الرعاية الصحية ووضع توصيات جديدة للتعامل مع مخاطر انتقال الفيروس عبر الهواء. وتدعو الرسالة ذاتها أيضاً إلى تعزيز جمع البيانات المتصلة بالعدوى بين موظفي الرعاية الصحية، بهدف التمكّن من تحديد الأماكن والبيئات الأكثر عرضة للخطر. وتطالب الرسالة أخيراً بنشر جميع الأدلة العلمية المتعلقة بانتقال العدوى عبر الهواء في المراكز الصحية، وإجراء بحوث جديدة سعياً إلى الإجابة على مجموعة من التساؤلات الرئيسة.
وفي المحصلة، اختتمت رسالة تلك الهيئات إلى رئيس الوزراء بتنبيه مفاده "لقد وجّهنا هذه الرسالة إليك لأن الوكالات والإدارات التابعة لك لم تستجب بعد بشكل كافٍ لمخاوفنا. وفيما ندرك أنكم تقومون بمراجعة الإرشادات الصحية، فإنه لا يمكننا الموافقة على حصيلة الاستنتاجات الظاهرة حتى الآن، والمتمثلة في وجوب الإبقاء على التوجيهات المعمول بها في الوقت الراهن".
وضمن مسار متصل بذلك، بيّنت دراسة أجرتها "جامعة بريستول" و"مركز نورث بريستول لأمراض الرئة" أن العاملين في مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" المحاطين بمرضى مصابين بالسعال، يشكّلون الفئة الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
وفي أوقات سابقة، جرى حصر المخاطر ضمن إجراءات "توليد الرذاذ الجوي" التي يمكن أن تشمل وضع أنابيب في حلق المرضى بهدف مساعدتهم على التنفّس.
وفي هذا الإطار، أفادت دونا كينير، الرئيسة التنفيذية لـ"الكلية الملكية للتمريض"، بأن "أعضاء كلّيتنا أعربوا لنا عن قلقهم من أن مخاوفهم لا يُستَمَعُ إليها، وباتوا يشعرون بأن الإرشادات الحكومية الراهنة لا توفّر لهم الحماية اللازمة، خصوصاً أنها تبدو بمثابة آلية واحدة ملائمة للجميع، لكنها غير مرتكزة على قاعدة من الأدلة الموثوقة".
وأضافت، "إن بعض الممرضين المتخصصين في تقديم رعاية مرحلة الاحتضار، يعملون طوال الليل في منازل المرضى، ضمن بيئة خالية من التهوئة وعلى مقربة من أفراد الأسرة. [وفي ظل تلك الظروف] قد يكون خطر الإصابة بفيروس كورونا مرتفعاً، نظراً إلى معدلات الإصابة المرصودة في المجتمع في الوقت الراهن. وتالياً، يجب أن تتوافق معدات الوقاية التي يزوّدون بها مع المخاطر التي يواجهونها وتكون متاحة إذا لزم الأمر، إضافةً إلى ضرورة إجراء الاختبار المناسب لها وتوفير التدريب على استخدامها".
وبشأن موقف الحكومة مما تقدّم، ذكر متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أن "سلامة موظفي الرعاية الاجتماعية، تشكّل أولوية لدينا في كل مرحلة من مراحل الوباء، ونحن نواصل العمل بلا كلل، بهدف توفير معدات الوقاية الشخصية لحماية العاملين على خط المواجهة".
وأضاف، "نحن على يقين بأن التهوئة الجيدة يمكن أن تقلّل بشكل كبير من خطر انتشار الفيروس. ولذا، أُدرجت ضمن جدول الإرشادات الرامية إلى تحصين الشركات ومؤسسات الرعاية الصحية، عبر الوسائل الآمنة في مواجهة العدوى".
وخلص المتحدث إلى إن "الحكومة ستواصل مراقبة الأدلة الجديدة عن كثب في ما يتعلق بانتقال العدوى في الهواء، مع العمل على تحديث توصياتنا حينما تقتضي الحاجة".
© The Independent