ارتفع سعر العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، في بداية التعاملات ليتجاوز 1.42 دولار للجنيه، كما فتحت بورصة لندن على ارتفاع مؤشر "فاينانشيال تايمز" (فوتسي) بأكثر من نصف نقطة مئوية. وهكذا يكون سعر صرف الاسترليني وصل إلى أعلى معدل له مقابل الدولار الأميركي في ثلاث سنوات. وارتفع سعر صرف الاسترليني منذ بداية فبراير (شباط) بنسبة 3 في المئة، وبنسبة 6 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وذلك نتيجة سرعة تطعيم البريطانيين بلقاحات فيروس كورونا وتفادي مشكلات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بنهاية الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وجاء ارتفاع سعر الاسترليني ومؤشر بورصة لندن مع زيادة التفاؤل باحتمال انتعاش الاقتصاد البريطاني بشكل قوي في النصف الثاني من العام، بنهاية خطة الخروج من وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) التي طرحها رئيس الوزراء بوريس جونسون أمام البرلمان أخيراً. وتستهدف الخطة إلغاء كل القيود بسبب الوباء بنهاية يونيو (حزيران) المقبل، وفتح الاقتصاد بشكل كامل في الصيف مع تعهد بعدم العودة إلى أي إغلاق بعد ذلك.
تفاؤل بريطاني
وعزز تلك التوقعات بالتحسن ما صرح به محافظ بنك إنجلترا (المركزي) البريطاني أمام لجنة الخزانة في مجلس العموم (البرلمان) يوم الأربعاء. وألمح أندرو بيلي إلى أن المركزي البريطاني ليس بصدد تشديد السياسة النقدية (أي رفع سعر الفائدة وتقليل التيسير الكمي – برامج شراء السندات). ويتسق ذلك مع ما صرح به أيضاً رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي جيروم باول بأن مخاطر التضخم ليست قوية بالشكل الذي يجعل لجنة السياسات النقدية تقرر رفع سعر الفائدة. وتوقع باول ألا يلجأ الاحتياطي لتشديد السياسة النقدية قبل أربع سنوات.
ويرى كثير من المحللين أن الحديث عن "الفائدة السلبية" في بريطانيا اختفى الآن وسط التفاؤل بنمو الاقتصاد بنهاية هذا العام. ويبدو ذلك أقصى ما يمكن أن تصل إليه السياسة النقدية، وهو تعديل المسار بدلاً من الاتجاه لخفض الفائدة تحت الصفر إلى استمرارها قرب الصفر كما هي الآن. مع استبعاد رفع سعر الفائدة قريباً، إذ ما زالت معدلات التضخم المتوقعة أقل من المستهدف من قبل بنك انجلترا عند نسبة 2 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال محافظ البنك أندرو بيلي أمام لجنة الميزانية في البرلمان، إن الاقتصاد البريطاني يعمل بشكل أفضل من المتوقع في فترة الإغلاق الحالية "لأننا أصبحنا جميعاً أكثر قدرة على التكيف ونجد الطريقة للقيام بما علينا القيام به في فترات الإغلاق". وتوقع بيلي أن تؤدي خطة جونسون للخروج من أزمة وباء كورونا إلى نمو الناتج المحلي بشكل قوي في الأشهر الستة المقبلة. وقدر أن يعود الناتج المحلي الاجمالي البريطاني إلى مستويات ما قبل وباء كورونا مع مطلع العام المقبل.
وعلى رغم أن بيلي لم يتحدث مباشرة بشأن السياسة النقدية، إلا أن أرقام التضخم الأخيرة في بريطانيا تشير إلى أن معدلاته لم تتجاوز نسبة 1.4 في المئة.
هجوم على أوروبا
وخلال كلمته في البرلمان، شن محافظ المركزي البريطاني هجوماً غير مسبوق على الاتحاد الأوروبي، متهماً المفوضية الأوروبية بالضغط على البنوك الأوروبية لنقل عمليات حسم تبادل المشتقات الاستثمارية من حي المال والأعمال (سيتي أوف لندن) في العاصمة البريطانية لندن إلى مراكز أوروبية.
ومنذ خرجت بريطانيا نهائياً من أوروبا، لم يحسم وضع قطاع الخدمات المالية في اتفاق بريكست بشكل كامل وترك للتفاوض عليه في ما بعد. وهناك ترتيب ملحق باتفاق بريكست يعطي قطاع الخدمات المالية البريطاني ترتيباً مؤقتاً، "حق التكافؤ"، يسمح باستمرار التعاملات المالية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حتى يونيو (حزيران) 2022. لكن على رغم هذا الترتيب، شهد الشهران الماضيان انتقال كثير من عمليات الحسم لمبادلة المشتقات خروجاً من بريطانيا إلى مراكز أوروبية أهمها أمستردام، إضافة إلى باريس وغيرها.
وتبلغ عمليات حسم التبادل في المشتقات الاستثمارية باليورو في لندن ما يصل إلى نحو 103 تريليونات دولار (84 تريليون يورو)، يمكن للاتحاد الأوروبي نقل ربعها (25 تريليون دولار) إلى مراكز أوروبية. أما ثلاثة أرباع عمليات حسم مبادلات المشتقات باليورو فهي لدى مراكز وبنوك دولية خارج الاتحاد الأوروبي. وتحتاج أوروبا لجلب تلك التعاملات إلى تغيير قوانينها.
وأخيراً طلبت المفوضية الأوروبية من البنوك الأوروبية تفسير استمرار حسم تلك المبادلات في لندن وليس في الاتحاد الأوروبي. وفهم من الطلب أنه يشكل ضغطاً على البنوك لنقل عملياتها إلى أوروبا – أي ربع معاملات حسم المبادلات في حي "سيتي أوف لندن". وتتم أغلب تلك العمليات من خلال شركة "أل سي أتش"، المملوكة لبورصة لندن.
تصعيد خطير
وقال أندرو بيلي في البرلمان إن ما تقوم به أوروبا يمثل "تصعيداً خطيراً جداً"، وأن بريطانيا ستقاوم أي محاولة لنقل عمليات الحسم على المشتقات باليورو من لندن إلى مراكز أوروبية. ويخشى ألا تجدد أوروبا الترتيب المؤقت الممنوح لقطاع الخدمات المالية حين ينتهي موعده صيف العام المقبل. ويخشى الاتحاد الأوروبي من توجه الحكومة البريطانية لتعديل تشريعاتها وقواعدها المالية بشكل يختلف كثيراً عن نظيرتها الأوروبية. وكان ذلك الاستقلال التشريعي والإجرائي هو الشعار الذي صوت على أساسه البريطانيون للخروج من أوروبا في استفتاء بريكست عام 2016.
ويمثل قطاع الخدمات المالية في بريطانيا ما يصل إلى نسبة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني. وبلغ حجم إسهام قطاع الخدمات المالية في الاقتصاد البريطاني عام 2019 ما يزيد على 186 مليار دولار (132 مليار جنيه استرليني).
وتجد الحكومة البريطانية نفسها في وضع حرج، ما بين رغبتها في تعديل قوانينها وإجراءاتها المالية بعيداً من نظيرتها الأوروبية وبين ضغط القطاع المالي لعدم خسارة التريليونات من المعاملات باليورو نتيجة لذلك.