بعد ارتياح الشارع الجزائري لتراجع حالات الإصابة بفيروس كورونا وتخفيف إجراءات الحجر الصحي، وما تبع ذلك من عودة لنشاطات حياتية عدة، يعاني المواطنون من ارتفاع تكاليف الحياة، مع بروز ضرورة اللجوء إلى الدروس الخصوصية لاسترجاع ما ضاع على الطلاب خلال فترة الإقفال.
"كورونا" تنعش الدروس الخصوصية
وعلى الرغم من إعادة فتح المؤسسات التربوية التي أغلقت أبوابها بسبب الأزمة الصحية، فإن الخطوة خضعت لتغييرات عدة أبرزها تقليص مدة ساعات التدريس من 60 دقيقة للمادة الواحدة إلى 45 دقيقة، وهو ما أثر على استيعاب التلاميذ. يُضاف إلى التأخير المسجل في الدراسة بسبب الجائحة، وهي الوضعية التي أنعشت نشاط الدروس الإضافية الخاصة التي لجأ إليها الأهالي رغماً عنهم، ما سبب أعباء إضافية زعزعت الاستقرار المالي والمعيشي للعائلات، لا سيما تلك الضعيفة الدخل منها.
وبحسب رئيس جمعية أولياء التلاميذ، أحمد خالد، فإن "ظاهرة الدروس الخصوصية انتعشت بقوة هذا العام، وانتقلت العدوى إلى كل أولياء أمور الطلاب"، لافتاً إلى أن "أساتذة غير مؤهلين يشرفون على التدريس عشوائياً بأسعار خيالية". ودعا خالد إلى "تقديم حصص دعم مؤطرة أو مراجعة الدروس ضمن أفواج في المؤسسات التربوية الحكومية، من أجل المساعدة في رفع المستوى التعليمي من جهة، ووقف استنزاف أموال العائلات مقابل مردود ضعيف، من جهة أخرى".
ظاهرة خطيرة وتحذيرات
من جانبه، أشار رئيس منظمة أولياء التلاميذ، علي بن زينة، إلى فرض ضوابط وشروط على الدروس الخصوصية تحمي التلاميذ، موضحاً أن هيئته حذرت من التهديدات التي تجرها الدروس الخصوصية وانحرافها عن خطها الأساسي بعد ما فاق انتشارها وممارساتها وأسعارها الحدود. وأضاف بن زينة أن تقريراً أجرته "منظمة أولياء التلاميذ" كشف عن أسعار تتراوح بين 1500 و3500 دينار، أي من أحد عشر دولاراً إلى 25 دولاراً، مقابل أربع حصص شهرياً بالنسبة للأفواج، أما أسعار الدروس الخصوصية الفردية فتصل إلى 5000 دينار، أي نحو 36 دولاراً، لحصة واحدة مدتها أربع ساعات، وبالتالي يصبح الأجر محدد بنحو 144 دولاراً. كذلك دعا "السلطات المعنية إلى استعمال سوط العقاب لردع المتجاوزين الذين يستغلون حاجة التلاميذ لرفع الأسعار، وفرض ممارسات تتنافى مع أخلاقيات التعليم".
وواصل بن زينة أن "الدروس الخصوصية تحولت إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع، تجاوزت وزارة التربية، ما يستدعي تدخلاً من أعلى مستوى لمحاربتها"، موضحاً أن "الأسعار جعلت الأولياء عاجزين عن تحمل الأعباء المالية المترتبة بسبب الدروس الخصوصية".
كسب غير مرخص
وذكرت وزارة التربية الجزائرية في وقت سابق، أن "تقديم الدروس الخصوصية يشكل طريقة للكسب غير المرخص به، كونه يُعد جمعاً بين وظيفتين يمنعه القانون عندما تُمارَس في محلات عشوائية وفضاءات غير مناسبة كالمستودعات وغيرها". وشددت وزارة التربية "على ضرورة السهر على تطبيق العملية التحسيسية المفيدة لمواجهة الظاهرة التي لم يعد يستنكرها الأولياء فحسب، بل حتى المدرسون الذين يلتزمون بأخلاقيات المهنة ويؤمنون بنبل مهنة التدريس". كما دعت الوزارة، جمعيات أولياء التلاميذ إلى "توجيه مراسلة مكتوبة لكل ولي أمر، لإعلامهم بأهمية الدعم التربوي وأهدافه وكيفية تنظيمه، والابتعاد عن الدروس الخصوصية العشوائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تباين
من جهة أخرى، ومن أمام أبواب مدرسة "بسمتي" الخاصة، بمنطقة الشراقة في العاصمة الجزائرية، أوضحت كريمة حفصي، والدة أحد التلاميذ، أن "دروس الدعم باتت أكثر من ضرورة بسبب جائحة كورونا التي أوقفت الدراسة"، مشيرة إلى أن "الأسعار تقريباً هي نفسها المطبقة في مختلف المدارس الخاصة التي تقدم دروس الدعم، ليبقى الاختلاف في نوعية الأساتذة". وشددت حفصي على أن "الأسعار يُفترض أن تكون مقبولة لدى قسم كبير من الأولياء، غير أن تدهور القدرة الشرائية التي زادتها الانعكاسات السلبية التي أفرزتها الجائحة، يجعل أي دينار إضافي مرهقاً لميزانيات العائلات".
وقال المواطن الجزائري محمد باشوشي إن "بعض المعلمين استغلوا الجائحة من أجل فرض تسعيرة مرتفعة على الدروس الخصوصية، نظراً إلى حاجة التلاميذ الملحة لفهم ما تعذر عليهم فهمه من دروس بفعل التأخر المسجل"، مبرزاً أن "أبشع صور الاستغلال في ما يخص الدروس الخصوصية، هي رفض تعويض الحصة التي يتغيب التلميذ عن حضورها لسبب أو آخر".
واشتكى المواطن عبد الحفيظ ضيف، من ارتفاع تكاليف الحصة الواحدة، "خصوصاً أن بعض الأساتذة باتوا يشترطون تقديم دروس الدعم بصورة فردية، تحت مبرر الوقاية من فيروس كورونا، ما يضطر ولي الأمر إلى دفع تكاليف مضاعفة".
المدارس الخاصة: نشاطنا ليس تجارياً
في المقابل، ربط رئيس جمعية المدارس الخاصة، سليم آيت عامر، "النظرة السلبية تجاه المدارس الخاصة بالأحكام المسبقة السائدة التي تضفي عليها وسم نشاط تجاري بحت، بينما في الحقيقة هو نشاط تربوي هدفه الأساس بناء فرد صالح في المجتمع، وجزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية في الجزائر"، مؤكداً أنه "حان الوقت لمراجعة دفتر الشروط الحالي لإخراج هذه المدارس من وصاية وزارة التجارة لتصبح خاضعة للنظام الجبائي للمهن الحرة، لأن نشاطها لن يكون بأي حال من الأحوال تجارياً صرفاً". وأضاف أن "المدارس الخاصة خيار فرضته ظروف معينة أفرزتها تغييرات في النمط المعيشي لكثير من أولياء الطلاب". وأشار إلى أن "نجاح المدارس الخاصة مرتبط بنجاح المدرسة الرسمية، فلا يمكن اعتبار وجود المدارس الخاصة محاولةً لخصخصة التعليم، لأن الدستور الجزائري ينص على مجانية التعليم، لذلك يمكن حصر دورها في المساهمة في تحسين التعليم".