يتجه السودان نحو تحول سياسي كبير بدأت ملامحه تتشكل منذ أواخر العام الماضي إلى شهر أبريل (نيسان) الحالي، الذي شهد عزل الرئيس عمر البشير بعد فترة حكم استمرت نحو ثلاثة عقود.
وخلال هذه المرحلة كان السودان يعيش حالة من الاحتقان السياسي بسبب نظام الحكم السابق، أسهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال العقد الأخير، وتفاقمت بصورة مطردة العام الماضي. وتسببت بأزمات اقتصادية مثل تدهور قيمة العملة الوطنية وأزمات الوقود والمحروقات المتلاحقة وشح السيولة النقدية.
وعقب نجاح الاحتجاجات في تغيير نظام حكم البشير، ومطلع فترة سياسية جديدة لم تتضح ملامحها بعد، بدأ الحديث عن الأوضاع الاقتصادية ومقدار ديون السودان الداخلية والخارجية. وباتت تلك النقاشات تُساق بالتزامن مع النقاشات التي تشهدها البلاد والمرتبطة بهياكل الحكم الجديدة وانتقال السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية في الفترة المقبلة.
ديون السودان
يبلغ مقدار الدين السوداني الخارجي نحو 58 مليار دولار وفق آخر إحصاء رسمي. إذ بدأ تراكم الديون الخارجية منذ العام 1958 وبلغ حتى العام 1995 نحو 18 مليار دولار.
وكان العام 1997 مفصلياً في بداية انهيار الاقتصاد السوداني، عقب فرض عقوبات أميركية على الخرطوم بسبب استضافتها أسامة بن لادن، وارتباط اسم السودان بأحداث خارجية صُنفت أعمالاً إرهابية تورط نظام البشير فيها.
ويشير الخبير الاقتصادي طه حسين إلى أن حجم دين السودان من صندوق النقد العربي بلغ 178 في المئة من إجمالي حجم ديون الصندوق.
ورفعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على الخرطوم منذ العام 1997، بيد أنها لم ترفع اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، المدرج عليها منذ العام 1993، لاستضافته بن لادن.
وأوضح حسين أن إدراج السودان ضمن قائمة الإرهاب أرهق موازنة الدولة وحرمها من الامتيازات التي تتمتع بها جميع الدول مثل الاستدانة بشروط ميسرة من صناديق التمويل الدولية، إضافة إلى "عزل المصارف المحلية عن النظام المصرفي الدولي، وعدم قدرة السودانيين العاملين في الخارج على تحويل أموالهم التي قُدرت بـ 6 مليارات دولار سنوياً، عبر الناظم المصرفي الرسمي".
وربط الخبير الاقتصادي قدرة السودان على تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. إذ يمكّنه ذلك من إيجاد سوق عالمية لمنتجاته الزراعية بخاصة الحبوب الزيتية والصمغ العربي، الذي يُعد المحصول الاستراتيجي بالنسبة إلى السودان. ويضمن ذلك تحقيق عائدات من تلك الصادرات تراوح بين 14 و20 مليار دولار سنوياً. وتسهم تلك الأرباح بصورة كبيرة في سداد الديون الخارجية المتراكمة منذ نحو 7 عقود.
مبادرة إعفاء الدين
من جهة أخرى، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الناير أن "السودان يستحق منذ فترة طويلة أن يتمتع بمبادرة إعفاء الديون على الدول الفقيرة النامية (هيبك)، بخاصة أن ذلك الدين شكّل ضغطاً على الاقتصاد الوطني".
وأوضح الناير أن السودان لم يُعفَ ضمن تلك المبادرة بسبب "رؤية المجتمع الدولي السلبية للحكومة السابقة"، وأسهم ذلك أيضاً في عدم حصول الخرطوم على إعفاءات عقب انفصال دولة الجنوب في 2011، ومطالبة البلدين بتطبيق مبادرة "الخيار الصفري" والإعفاء المتبادل من الدين باعتبار أنهما بدآ عهداً جديداً.
وأضاف أن "الجانب الأميركي أبدى مرونةً عقب عزل الرئيس البشير ورحب بالتفاوض مع الحكومة المدنية المقبلة. وإذا تم خلال العام الحالي رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب، فإن ذلك سيعطي مؤشراً ايجابياً يسهّل عملية إعفاء الديون الخارجية جزئياً أو كلياً، ويمنح البلاد فرصة الاستفادة من القروض الدولية بشروط ميسرة، ويمكّن القطاع المصرفي السوداني من التعامل مع نظيره الدولي".
رفع قيمة الجنيه
أعلن بنك السودان المركزي، الأحد، رفع سعر الصرف الرسمي للعملة إلى 45 جنيهاً مقابل الدولار بدلاً من 47.5. كما شهدت السوق الموازية للعملات (السوق السوداء) ارتفاعاً كبيراً في قيمة الجنيه السوداني، وبلغ سعر صرف الدولار الأميركي 50 جنيهاً بدلاً من 54.
وأعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان ضخ عملات أجنبية في خزينة المصرف المركزي، وهذا ما أدى إلى انخفاض كبير في سعر الدولار مقابل الجنيه، وفق خبراء محليين.
وقال البرهان إن جهوداً كبيرة لحصر أموال السودان في الخارج وأصول أخرى كانت مجمدة خلال فترة النظام السابق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر حسين أن القيمة التي وصل إليها الجنيه السوداني في السوق الموازية حقيقية إلى درجة كبيرة. ويوضح ذلك أن الحكومة السابقة كانت أكبر مشترٍ للعملات الأجنبية من السوق السوداء لكن منذ يوم 11 أبريل توقفت عمليات الشراء الحكومية. وهذا ما أدى إلى زيادة الحجم المعروض من تلك العملات وتقلص حجم الطلب، إضافة إلى تغذية خزينة "المركزي" بالأموال التي ضُبطت داخل منزل البشير وفاقت قيمتها الـ 7 ملايين دولار، إضافة إلى مبالغ أخرى بالعملة الأجنبية حاول البعض تهريبها إلى خارج السودان.
يضيف حسين "المنح التي قدمتها السعودية والإمارات، البالغة 3 مليارات دولار، ستساعد الحكومة في تعزيز حجم احتياطي الذهب في المصرف المركزي، وتحقق استقراراً ملحوظاً على المدى القصير يسهم في الحد من ارتفاع نسب التضخم".
وفي آخر إحصاء صادر لنسب التضخم في شهر مارس (آذار) الماضي، قال الجهاز المركزي للإحصاء إن التضخم بلغ 44.29 في المئة خلال فبراير (شباط) الماضي، بعد تراجعه إلى 43.45 في المئة في يناير (كانون الثاني) السابق له.
وقال رئيس المجلس العسكري إن "دولاً تعهدت تقديم مساعدات مالية وعينية، أبرزها الوقود والدواء والدقيق"، مبيناً أن "وضع سلع ضرورية عدة مطمئن، وستكفي البلاد فترة طويلة".