تبيّن من نتائج استطلاع أجري لصالح صحيفة "اندبندنت"، أن البريطانيين في غالبيتهم يعتقدون أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي انعكس بشكل سيء على اقتصاد بلادهم وتجارتها. وتُعدّ هذه الخلاصات أول مؤشر إلى أن الضرر الناجم عن الخروج من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي في يناير (كانون الثاني)، شعر الناخبون بآثاره بشكل مباشر.
وفي هذا الإطار، سجلت إحصاءات رسمية صدرت يوم الجمعة الفائت تراجعاً حاداً بنسبة 40.7 في المئة في مبيعات السلع البريطانية للاتحاد الأوروبي في شهر يناير، واعتبر خبراء أن "بريكست" هو السبب الرئيس وراء هذا الانخفاض الذي تشهده الصادرات البريطانية. ويشكّل هذا الركود - الذي ترافق أيضاً مع تدني الواردات من دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 28.8 في المئة - أكبر تراجع شهري في مجال التجارة مع أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، منذ الشروع في توثيق السجلات عام 1997.
اللورد ديفيد فروست، الوزير المكلف متابعة ملف الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، عزا هذا التراجع إلى تأثير تخزين البضائع والمواد قبيل عيد الميلاد في الشركات، وتأثير إجراءات الإغلاق العام التي طُبقت في إطار مواجهة جائحة كوفيد على السوق، فأدت إلى خفض الطلب على السلع البريطانية في البر الأوروبي.
وفيما أكد فروست أن عدد الشاحنات المتوجهة إلى دول الاتحاد الأوروبي والآتية منها، قد عاد الآن إلى مستوياته الطبيعية، أفاد خبراء بأن الكثير من تلك الحافلات يعود إلى القارة بلا حمولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تظهر أرقام "المكتب الوطني للإحصاء" ONS، أي انخفاض مماثل في تجارة بريطانيا مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في دليل واضح على أن اللوم يقع على التعقيدات والإجراءات الروتينية والتأخيرات التي تسبب بها "بريكست".
البروفيسور توماس سامبسون من "كلية لندن للاقتصاد" اعتبر أن هذه الأرقام تشكّل "صدمة كبيرة"، بحيث قد يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الأرجح هو التفسير الأساسي لها.
وتبيّن أن القطاعات الأكثر تضرراً والتي شهدت تراجعاً هائلاً في صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 83 في المئة، كانت تجارة الأسماك والمحار، في حين انخفضت صادرات الحيوانات الحية بنسبة 73 في المئة.
وأشار جون سبرينغفورد من "مركز الإصلاح الأوروبي" Centre for European Reform، إلى أن الخروج البريطاني من التكتل، خفّض إجمالي تجارة السلع في بريطانيا بنحو 16 مليار جنيه استرليني (22.2 مليار دولار أميركي) أي ما يشكّل 22 في المئة، إضافة إلى تراجعٍ بنسبة 10 في المئة في الحجم، خلال الأعوام التي تلت استفتاء عام 2016.
إلا أن البروفيسور سامبسون قال لصحيفة "اندبندنت" إنه يمكن توقع حدوث نوعٍ من الارتداد المعاكس في الأشهر المقبلة، عندما تُعالج "مصاعب المراحل الأولى" التي سبّبها "بريكست" للتجارة.
لكنه أوضح أن التراجع المطّرد كان مرجحاً في ذلك الوقت، بسبب عمليات التدقيق الجديدة للواردات - التي أرجئت هذا الأسبوع إلى سنة 2022، مع اعتراف وزير شؤون مجلس الوزراء مايكل غوف بأن المملكة المتحدة ليست مستعدة بعد لتطبيقها - وبسبب العوائق الدائمة أمام التجارة التي ستتفاقم إذا ما حادت لندن عن قواعد بروكسل.
ونبّه البروفيسور في "كلية لندن للاقتصاد" إلى أنه "في حال استمرار أي من هذه الأرقام في المستقبل، فإن ذلك يعني أن الشركات التي كانت قادرة على الاستمرار في السابق على أساس التصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي، لن تتمكّن من الصمود بعد الآن، وستلجأ إلى الإغلاق الأمر الذي سيجعل أشخاصاً يخسرون وظائفهم".
استطلاع يوم الجمعة الذي أجرته شركة "سافانتا كومريس" Savanta ComRes (تُعنى بأبحاث السوق)، توصّل إلى أن 39 في المئة يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي انعكس بشكل سيّء حتى الآن على التجارة، في مقابل 18 في المئة فقط قالوا إنه كان جيداً. ورأى 37 في المئة أنه كان سيّئاً بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، مقارنة بـ25 في المئة من الذين اعتبروا أن آثاره كانت مفيدة.
وأظهر البحث أن الناخبين لم يشعروا بعد بتأثير "بريكست" في إمكاناتهم المالية، بحيث تحدث نحو 26 في المئة عن تحسن وضعهم المالي، فيما رأى 18 في المئة أنه أصبح أسوأ منذ بداية السنة الجارية. وفيما اعتبر قرابة 36 في المئة من الذين استُطلعت آراؤهم أن مكانة بريطانيا في العالم تحسنت، أعرب نحو 27 في المئة عن اعتقادهم بأنها تراجعت.
وتبيّن نتيجة الاستطلاع ذاته أن نحو 32 في المئة من البريطانيين يحملون المسؤولية عن تعرقل التجارة الوطنية بشكل رئيس لحكومة المملكة المتحدة، في مقابل 30 في المئة أشاروا إلى بروكسل، و27 في المئة قالوا إن الطرفين البريطاني والأوروبي يتحمّلان المسؤولية بشكل متوازٍ.
وقد انقسم المشاركون في الاستطلاع بنسبة 50 - 50 على ما إذا كانوا سيصوّتون على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو المغادرة في حال أجري استفتاء حول الموضوع الآن، وقال 54 في المئة إنهم سيصوّتون للبقاء خارجه، مقارنة بـ46 في المئة من الذي يريدون الانضمام مرة أخرى إلى الكتلة.
وفي قراءة لهذه الأرقام، أوضح البروفيسور أناند مينون، مدير مركز أبحاث "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" UK in a Changing Europe، أنها تشير إلى أنه من المرجح أن يبقي الناخبون على آرائهم منذ أن أجري الاستفتاء، ما لم يشعروا بضربة مالية مباشرة.
وقال مينون لصحيفة "اندبندنت" إنه "لفترة طويلة، كان هناك تحول عام في المواقف بين الناخبين - بمَن فيهم الذين صوّتوا لصالح ’بريكست‘. ويتجلّى هذا التحول نحو الاعتقاد بأن الخروج البريطاني سيكون ضاراً بالاقتصاد لكن أن يُترجَم ذلك على نحو دقيق من خلال اعتبار أن ’بريكست‘ هو فكرة سيئة، فهو أمر أقل وضوحاً".
ورأى أن "الأدلة ما زالت قليلة للغاية على أن المؤيدين للمغادرة قد يبدّلون موقفهم، ما يشير إما إلى أنهم مستعدون من أجل ’بريكست‘ لتلقّي ضربة اقتصادية، أو أنهم يعتبرون أن هذه الأنواع من الاقتصادات التي نتحدث عنها لن تؤثر فيهم. قد يقول كثيرون ’نعم، إن هذا سيّء بالنسبة إلى التجارة، لكنني لا أتعاطى التجارة‘".
أما البروفيسور سامبسون، فذكّر بأوقات كانت للتغييرات التقنية الواضحة في السياسة التجارية، القدرة على إثارة ردّ فعل سياسي مرير، كما لوحظ مع تراجع الصناعات الثقيلة في منطقة ما يُسمّى بـ "حزام الصدأ" الأميركي US ‘rust belt’ (تمتدّ من نيويورك إلى الغرب الأوسط، والتعبير يشير إلى التدهور الصناعي والصدأ الذي لحق بالمعامل المهجورة).
وقال إنه "من المهمّ للغاية معرفة ما إذا كان سيصدر رد فعل عنيف مماثل للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي نتيجة الضربات التي نشهدها على قطاعي الزراعة وصيد الأسماك".
في غضون ذلك، رجّح الخبير التجاري السابق في وزارة الخارجية البريطانية أنطون سبيساك، في كتيب صادر عن "مؤسسة طوني بلير" أن "تزداد الاحتكاكات [التوترات] الاقتصادية في إيرلندا الشمالية حدة على الأمد القصير"، مع إضافة "الترتيبات التنظيمية والجمركية في البحر الإيرلندي" تكاليف وعوائق جديدة أمام التجارة في الوقت الذي تنفصل لندن عن قوانين الاتحاد الأوروبي.
وحذّر من أن فشل المملكة المتحدة في الامتثال لـ"بروتوكول إيرلندا الشمالية" قد يؤدي إلى إقامة دعاوى قضائية ضدها، وفي محاولات من جانب بروكسل لفرض غرامات عليها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الثقة واندلاع حرب رسوم جمركية متبادلة.
ورأى سبيساك أنه مع غياب الثقة المتبادلة التي ستضع على المحك "بروتوكول إيرلندا الشمالية لدرجة إطاحته" وكذلك تصويت برلمان إيرلندا الشمالية (ستورمونت) على استمراره في 2024، فإن بقاء الترتيبات التي تفاوض عليها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عام 2019 يظل "غير أكيد".
وحذّر أخيراً من أنه ما لم تتخلَّ لندن عن "موقفها الإنكاري" في ما يتعلق بالحدود الجمركية في البحر الإيرلندي، وما لم يتفق الجانبان (المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي) على التفاوض حول صفقة "متوازنة" في ما يتعلق بإجراءات التدقيق في شهادات صحة الحيوانات وتخفيف العوائق والقيود، فهناك احتمال أن يؤدي ذلك إلى "تفكك تدريجي لعرى العلاقة بينهما بما لن يخدم أي طرف منهما".
أجرت شركة "سافانتا كومريس" مقابلات مع 2129 شخصاً بريطانياً راشداً في الفترة الممتدة ما بين الخامس والسابع من مارس (آذار) الجاري.
© The Independent