أنهت مؤشرات الأسواق في بورصة لندن تعاملات أول أيام الأسبوع مرتفعة إلى أعلى مستوى منذ نحو ثلاثة أشهر، وسط تفاؤل بقوة الانتعاش الاقتصادي مع الخروج من أزمة وباء كورونا، وصدور أرقام، الاثنين، الثامن من مارس (آذار)، تشير إلى احتمال تعافي الطلب بقوة في الأشهر المقبلة.
وأعلنت شركة الاستطلاعات والأبحاث "يوغف" أن مؤشر ثقة المستهلكين الذي تصدره، شهد ارتفاعاً لأعلى مستوى منذ بداية وباء كورونا مطلع العام الماضي. ولفتت الشركة إلى أن المؤشر سجل 105.4 نقطة، بارتفاع نقطتين عن آخر اصدار. وأرجعت "يوغف" التحسن في ثقة المستهلكين إلى التفاؤل الشديد في شأن النشاط الاقتصادي وأسعار البيوت والوضع المالي للأسر البريطانية في الأشهر الـ12 المقبلة.
وسبق ذلك إعلان شركة المحاسبة والاستشارات "بي دي أو" تقريرها لتوجهات الأعمال، الذي أظهر مؤشرات على تحسن الثقة في مناخ الأعمال في بريطانيا، وارتفع مؤشر "تفاؤل" قطاع الخدمات بأكثر من 7 نقاط في فبراير (شباط)، ليصل إلى 94.13 نقطة. وأرجعت الشركة ذلك إلى التوسع في تطعيم ملايين البريطانيين بلقاحات كورونا وتوقعات التعافي القوي مع الخروج من الاغلاق الاقتصادي الحالي.
مناخ الأعمال
وتوقعت الشركة أن تزيد الثقة في مناخ الأعمال في بريطانيا أكثر في الإصدار التالي مع استيعاب الشركات والأعمال لما أعلنه وزير الخزانة ريشي سوناك في بيان الميزانية الأسبوع الماضي، وتضمنت الميزانية تمديداً لمعظم برامج دعم الاقتصاد لمواجهة تبعات أزمة كورونا حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
وذكر تقرير "بي دي أو" أن سوق العمل في بريطانيا تبدو مستقرة، وارتفع مؤشر العمالة في فبراير إلى 107.68 نقطة من قراءة عند 107.64 نقطة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن مؤشر الثقة في قطاع التصنيع ظل كما هو تقريباً من دون تحسن عند 83.99، متراجعاً 0.27 نقطة عن شهر يناير.
صورة مختلطة
ربما هذا ما دفع محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، أندرو بيلي، إلى رسم صورة تتسم بالتفاؤل الحذر في شأن الاقتصاد مع توقع تعافٍ قوي في النصف الثاني من العام، وعلى الرغم من أنه أشار إلى أن الاقتصاد البريطاني لن يعود مجدداً إلى ما كان عليه قبل وباء كورونا، فإنه أكد أن الأضرار طويلة الأمد من أزمة الوباء ستكون أقل بكثير من أزمات سابقة، ومما كان متوقعاً من قبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي كلمة له أمام ندوة لمركز الأبحاث "ريزوليوشن فاونديشن"، قال بيلي إن أزمة الوباء واجراءات الإغلاق قد تؤدي إلى ضرر دائم في الناتج الاقتصادي البريطانية بنسبة 1.75 في المئة، وهي نسبة أقل بكثير من توقعات مكتب مراقبة الميزانية للضرر الدائم على الاقتصاد من أزمة الوباء، إذ تقدر تراجعاً بنسبة ثلاثة في المئة.
وأرجع محافظ بنك إنجلترا السبب في أن الاقتصاد ربما لن يعود كما كان إلى مشاكل سابقة على وباء كورونا، لذا توقع أن يشهد الاقتصاد البريطاني تغيرات هيكلية في السنوات المقبلة. وأضاف "شهدت بريطانيا تراجعاً في معدل النمو السنوي، ما يعكس بطء نمو قدرات العرض في الاقتصاد، وتراجع معدل النمو السنوي من 2.5 في المئة في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية (2008-2009) إلى نحو 1.5 في المئة في السنوات التي سبقت وباء كورونا". وأشار بيلي إلى أن معدلات الانتاجية تراجعت في السنوات التي تلت الأزمة المالية العالمية.
تفاؤل
وغالباً ما تكون نظرة بنك إنجلترا المستقبلية للاقتصاد متفائلة بعض الشيء عن توقعات مكتب مراقبة الميزانية، لكن الصورة التي رسمها بيلي في كلمته، الاثنين، تبدو متفائلة أيضاً عن تقديرات بعض الاقتصاديين والمحللين.
وكان البنك في بيانه الشهري للجنة السياسات النقدية في فبراير الماضي، توقع أن تصل معدلات البطالة إلى حدها الأقصى عند نسبة 7.5 في المئة، لكن بيلي قال في كلمته إن هذه التقديرات ستخضع للمراجعة، في إشارة الى أن البنك سيعدل بالخفض الحد الأقصى لمعدل البطالة المتوقع نتيجة أزمة كورونا.
ولم يستبعد محافظ بنك إنجلترا أي احتمالات بالنسبة لأسعار الفائدة، مشيراً إلى أن البنك يعمل على ترتيبات لكلا الاحتمالين: إما رفع سعر الفائدة، وإما خفض الفائدة أكثر من مستواها الحالي قرب الصفر. وأكد أن ذلك سيعتمد على مدى قوة التعافي الاقتصادي بعد الخروج من أزمة الوباء.
احتواء الوباء
كل تلك المؤشرات تدل على تحسن مناخ الأعمال وثقة المستهلكين مع توقع أن يعود الطلب بقوة في الاقتصاد البريطاني بنهاية خطة الطريق التي أعلنها رئيس الوزراء، بوريس جونسون، للخروج نهائياً من أي قيود بسبب كورونا.
وإذا كانت الحكومة البريطانية تخبطت في قراراتها في شأن الوقاية من الوباء ومحاولة احتواء انتشاره منذ مارس، العام الماضي، إلا أنها في الآونة الأخيرة أثبتت القدرة على إدارة الأمور بشكل جيد في التعامل مع الوباء. وفي الأشهر الأخيرة أصبحت بريطانيا نموذجاً على كفاءة وسرعة وفاعلية عملية تطعيم السكان بلقاحات كورونا مع زيادة عدد من تلقوا اللقاح حتى الآن على ثلث السكان، كما بدأت تظهر عملياً إمكانات بريطانيا المتقدمة في البحث العلمي أيضاً.
ربما لم تطرح الحكومة البريطانية حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة كالتي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمنح 1.9 تريليون دولار، لكنها تظل أفضل في استجابتها لأزمة الوباء من دول متقدمة أخرى، لذا يتوقع كثير من الاقتصاديين أن يكون التعافي الاقتصادي في بريطانيا أقوى منه في دول منطقة اليورو.